الخدمة الإلزامية بين الواقع والتأمل – لطيف دلو

 الخدمة الإلزامية بين الواقع والتأمل – لطيف دلو

بين حين واخر يعود الى الاضواء تشريع قانون الخدمة الالزامية ، لذلك اعود الى  اول فكرة لتشريع وتطبيق قانون الخدمة الالزامية في العراق ، ابتدأت باتفاق الجانبان البريطاني والعراقي عام 1924 على نقل مسؤلية نقل الدفاع والامن الداخلي الى الحكومة العراقية (*) على ان لاتتجاوز اربع سنوات واهتمت بريطانيا بالموضوع واختارت تشكيل جيش محترف صغير قابل للانتشار السريع لان توسيع الجيش بالتجنيد الاجباري يؤثر سلبا على كفاءة الجيش اضافة الى تكاليفه الباهظة التي لا تتحملها ميزانية الدولة وصرف تلك الاموال على مشاريع الطرق وسكك الحديد لتطوير البلد من ناحية ولتسهيل حركة قواتها من وجهة اخرى ، فاختارت الحكومة العراقية السنية التجنيد الاجباري بإعتقادها ان معارضة بريطانيا لفكرة التجنيد الاجباري نابعة عن رغبتها في السيطرة على العراق ومن المعارضين الاساس لها آنذاك الشيعة باعتبار المرؤسين منهم والرؤساء من السنة وكذلك الكرد اليزيدين لاسباب دينية وتتطورت الى القتال وعلى اثرها هاجر الالوف منهم الى داخل الاراضي السورية وعارض الكرد الآخرين ايضا على التكليف لان توجهاتهم كانت مقاربة الى الشيعة بينما اليهود والمسيحيين اختاروا الهجرة من البلاد ، وجميع المعارضين كانوا يعتقدون بان المؤيدين لفكرة التجنيد الاجباري هم السنة الذين لا تشملهم الخدمة الالزامية وكانت الحجة الاساسية لتلك الخدمة هي الضرورة الى قوة عسكرية لحماية البلاد وإفتقار السلطة الى المال لتعيين متطوعين لهذ الغرض ونفذت الفكرة بشكل عشوائي دون مناطق النزاعات في البداية  .

ثروة وطنية

فجميع القوانين للخدمة الالزامية كانت فيها ثغرات لصالح الطبقة العليا المنتعشة من الثروة الوطنية في المجتمع للخروج منها كالشعرة من العجين بالمال او الوساطة ولا يسمح للفقراء المحرومين من تلك الثروة الانفلات منها في فترة عمرية محيرة يحتاجها المرأ لتكوين نفسه للحياة وبناء الاسرة وعلى سبيل المثال منهم المواليد 1957  خدموا قرابة عشر سنوات قضوا فيها جل شبابهم وبعد تسريحهم لم تعوضهم الدولة مساعدات مالية او توظيفهم ليُكوِنوا الحياة الاسرية والاستقرار .

تشكل الجيش العراقي عام 1921 وبُنيته الاساسية من المتطوعين بزعامة الجنرال جعفر العسكري وهو اول وزير للدفاع العراقي وكان يسمى ب ( ابو الجيش ) من اصول كردية ومن اهالي قرية العسكر التابعة  لقضاء جم جمال التي انفصلت من كركوك بسياسة التعريب ، فهنا بيت القصيد لمن يعتبر، فقيادة تعالج قضية وطنية بالخنجر المسموم ولايزال الجرح ينزف فمصير جيشها محتوم بالانهيارلحشره في رغبات استبدادية فالجيش لا يمكن ان يحمي البلاد ويؤمن الامن والاستقراار مهما تكن عدته وعدده تحت قيادة مغررة بمظاهر الشهرة الشخصية والاثراء وما صرف على الجيش من المبالغ خلال قرن من الزمن كانت تكفي لكسوة ارض العراق بالذهب من فاو الى زاخؤ ومن خانقين الى الرطبة واسالت منه الدماء تكفي لاسقاء نخيل الجنوب والوسط واشجار الجوز والبلوط في كردستان والحصيلة النهائية فقدان اراض ومياه اقليمية وسيادة الشعب و البلاد وانهياره خلال ايام معدودة .

ينبغي ان يكون بناء الجيش الوطني المحترف على التعين في دولة غنية كالعراق ولها الامكانية المادية ان حفظت من السراق واللصوص على اسس اللياقة البدنية والكفاءة العلمية بعيدا عن التدخلات السياسية ( فوق الميول والاتجاهات )  وفقا للمقولة بأن الجيش كيان ضعيف يستمد قوته من الضبط الصارم والعقوبة اخوف عليهم من عدوهم لانها إشارة الى الاخلال بالواجب المقدس ، وتحدد أعداده حسب امكانية الدولة في تامين المستلزمات الادارية والحربية والسكن اللائق في المعسكرات ومدارس ومراكز تطويرية لهم افضل بكثير من اختلاط فئاة من المكلفين دون مستوى الكفائة معهم ، قد يؤمن سلامة الوطن وليست الاراء الشاردة وراء تاملات تكليفية مزعومة .

استغرب إعادة فكرة تاسيس الجيش على التكليف بنفس الاسلوب السابق المعاق في عصر العلم والتقدم لان الاجهزة والاسلحة المتطورة الحالية يصعب استخدامها إلاّ من قبل محترفين وفنون القتال لا يمكن اداءها إلاّ من قبل متمرسين من خريجي دورات فعالة مستمرة إن ارادوا بناء جيش لحماية الوطن وليس لامور الشخصنة والثراء و يقينا ان الملهوفين على تشريع قانون الخدمة الالزامية اكثر من 90 بالمئة منهم لم يؤدوا الخدمة الالزامية إمُا كانوا هاربين او مخفيين عنها كما اُعتقد في اول قانون للخدة الالزامية ، والافضل اصدار قانون او نظام خاص بتدريب وتعليم الشعب على استخدام الاسلحة والدفاع عن المدن والمؤسسات  في مراكز ومدارس تعليمية في مدد محددة وفترات تلائم ظروف المعيشة ، كظهير للجيش الوطني المحترف وبمرور الزمن يمكن دعمه بالمتقاعدين المحترفين عند الضرورة    .

إن انهيار الجيش العراقي والحرب مع الدواعش وكذلك الحرب الروسية الاوكرانية الان وصد الثعلب السياسي الاوكراني للدب الروسي القوي فاق كل التوقعــــــــات بأن الجيش ليس بالعدة والعدد بل بإدارة حكيـــــــمة للبلاد تجعل مكونات المجـــــــتمع جسدا واحدا دون تفضيل احد على الاخر وبناء جيـــــــش محترف كسور للوطن دون استغلاله للشخصنة ، وما جرى في البلاد قد يحتاج الى دراسة عميقة لكي لا تـــــكرر الاخطاء السابقة في تدمير الدولة ويتبرأ منها الفاعل بكلمة عفوا .

{ العراق والبحث عن الهوية الوطنية ترجمة دلشاد ميران من الانكليزية الى العربية

مشاركة