الخبير الاقتصادي العراقي ماجد الصوري لـ الزمان عن أسباب فشل تهريب الأموال
التحوط يسفر عن سرقة 350 مليار دينار من مصرف الرافدين و6 بنوك حصلت على 60 من مزاد المركزي
حاوره ــ عبد الجبار خضير عباس ــ بغداد
تعد مشكلة فشل البنك المركزي العراقي بوقف عمليات تهريب الأموال، أحد أهم الأمور المثيرة للحيرة والغموض، بل تحولت إلى لغز أو أحجية، لاسيما بعد إدارة البنك من قبل الدكتور تركي عبد الباسط المشهود له بالكفاءة والنزاهة، إذ مازالت المشكلة قائمة، بل الدينار خسر من قيمته إزاء الدولار بنسبة 8 ، وعلى الرغم من تناول الموضوع وبمساحة واسعة في البرلمان، ومن قبل السياسيين، ووسائل الإعلام، ولكن إلى الآن لم تحدد الكيفية، أو الآلية التي تجري عبرها عمليات التهريب.
وعلى الرغم من تمكن البنك المركزي من حماية سعر صرف الدينار، إذا ما قارنا ذلك مع دول الجوار. ولكن مع وجود الخبراء والطاقات الاقتصادية ذات الكفاءة والمهنية العالية، مازالت تجري في أروقة البنك عمليات تحايل على القانون، وبعض المصارف تحصل على الدولار بشكل غير قانوني فعلى سبيل المثال، هناك ستة مصارف حصلت على نسبة أكثر من 60 من حجم الدولار المباع في المزاد، وثمة فجوات أخرى خفية تبتلع المليارات من الدولارات.. ولتشخيص الأسباب التي تجري عبرها عمليات التهريب، ولماذا كل هذا الإخفاق في إيجاد الحلول لها؟ ولماذا لا توجد إجابات شافية وواضحة ومقنعة، تحدد الكيفية، أو الآلية التي تجري عبرها تلك العمليات؟ وهل يتعلق ذلك بأطراف سياسية مؤثرة بالقرار أم عجز الكوادر التي تدير العملية الاقتصادية من تشخيص الأسباب، وإيجاد المعالجات… حاولنا البحث عن إجابات مقنعة في عتمة تساؤلات أضحت بلا إجابة، لهذه المشكلة المستعصية التي طالما جامل فيها الخبراء الاقتصاديون زملاءهم في المهنة، حين يتناولون أسباب هذه العلة في وسائل الإعلام، وبعضهم الآخر يتجنب الخوض في هذا الموضوع، حيث هناك ملفات في المحاكم وأوامر إلقاء قبض وفي هذه الأجواء غير النقية، كان لنا هذا الحوار مع د. ماجد الصوري… الذي جاءت إجاباته كالآتي
ثمة من يقرأ، ما يجري الآن بشأن بيع العملة في البنك المركزي العراقي، وما رافقها من إصدار مذكرات اعتقال، ولغط يتعلق بتهريب الأموال هو أشبه باللعب في النار، أو بلغة أخرى أنها عملية غير موفقة، إذ إنها ستعبث بسلوكيات المستهلكين والمنتجين وتربك السيطرة على المتغيرات الاقتصادية، كما انها تتعارض مع مبادئ إدارة العملة، كيف تقرأون ذلك؟
ــ إن الهدف الأساس من السياسة النقدية في العراق هو تعزيز الثقة بالدينار، والوصول إلى قيمته الحقيقية مقابل العملات الأخرى، وبالذات الدولار، الذي يشكل 100 تقريبا من التعاملات الخارجية التي تنجزها المؤسسات المالية العراقية، سواء عن طريق الإيرادات النفطية، أو عن طريق الاستيراد الذي يتم بالدولار أساساً. وقد استطاعت السياسة النقدية من تحقيق هذا الهدف بشكل ناجح، فارتفعت قيمة الدينار العراقي من زهاء 1500 دينار للدولار عام 2004 إلى 1166 من نهاية عام 2011 وحتى الآن. كما استطاعت السياسة النقدية عن طريق زيادة القيمة الخارجية للدينار إلى الحد من نسبة التضخم وتخفيضها من 60 ــ 70 حتى عام 2007 وإلى نحو 3 عام 2011، على الرغم من توسع السياسة المالية في الإنفاق الاستهلاكي العام، التي تعد عاملاً أساسياً للتضخم، ولاسيما في حال توقف التنمية الاقتصادية في القطاعات الحقيقية مثل، الصناعية، والزراعية، وبقية النشاطات الإنتاجية والخدمية، مما أدى إلى زيادة الطلب على الدولار نتيجة للتوسع في الاستيراد، إذ ارتفعت من قرابة 9،6 مليار دولار عام 2004 إلى 58 مليار دولار عام 2010 وإلى 64 مليار دولار عام 2011. ونتيجة لذلك ارتفعت مبيعات مزاد العملة من 6،1 مليار دولار عام 2004، إلى 36،2 مليار دولار عام 2010 وإلى 39،8 مليار دولار عام 2011. لقد عملت السياسة النقدية بشكل جدي إلى دعم الاستقرار الاقتصادي. كما استطاعت هذه السياسة من تعزيز حجم الاحتياطي السيادي، فارتفع من الصفر عام 2003 إلى زهاء 70 مليار دولار في الوقت الحاضر. وهذا كفيل بتعزيز الثقة بالدينار، وفي الوقت نفسه إمكانية درء الأخطار المتعلقة بانخفاض إيرادات النفط، مع استمرار تغطية حاجة السوق من السلع والخدمات المستوردة. ويساهم البنك ببيع الدولار نقدا وبوساطة التحويل إلى المصارف على أساس الوثائق التي يقدمها الزبائن بعد تدقيقها، ولا يتعامل البنك المركزي مباشرة مع الأفراد أو المؤسسات. وقد فسح البنك المركزي المجال أمام المصارف، وشركات التحويل المالي، وشركات الصرافة بشراء ما يعادل 46 ــ 48 مليون دولار يومياً، أي قرابة 12 ــ 12،5 مليار دولار سنويا، اعتبارا من 15 نيسان 2013. وهذه مبالغ تفوق بدرجة كبيرة احتياجات الأفراد، ويصعب السيطرة على مراقبة توجهاتها.
هناك من يفسر عملية عزل سنان الشبيبي ومظهر محمد صالح على إنها تأتي عبر خلفية الاستحواذ على هيئة مستقلة والعبث برصيد العراق المالي وان الاثنين من الشخصيات العلمية والمهنية وذات تاريخ وطني معروف ولا يرقى إليهما الشك، فيما تعتقد الحكومة ومن يأيدها بأنهما من الأسباب التي ساهمت با ضطراب سعر الصرف والفساد المالي، واحد أهم أسباب غسيل الأموال، وتهريبها، وارتفاع نسب التضخم، هل من المعقول أن يختلف بشأن قضية اقتصادية خاضعة لحساب الرياضيات، وعلم الاقتصاد، هلا فسرت لنا ذلك؟
ــ إن توجيه أية تهمة إلى البنك المركزي باسهامه في تهريب الأموال، أو ما يسميه بعض السياسيين خطأ بغسل الأموال الصوري يستخدم مصطلح غسل الأموال بدلاً عن غسيل الأموال هو اتهام غير مبنٍ على أساس منطقي أو دليل مادي، ويدلل على فقر بالفهم الواضح لاجراءات البنك المركزي، والآليات التي يستخدمها في التعامل مع الدولار، وسياسته النقدية. كما أن جميع الإجراءات التي اتخذت بحق البنك المركزي، هي إجراءات غير قانونية ولا دستورية، مما أدى إلى الإساءة الكبيرة لسمعة البنك المركزي العالية، عالميا، ومحليا، وأدى إلى إرباك كبير في عمل السياسة النقدية، وهي لا تخرج عن الرغبة في السيطرة الكلية على البنك المركزي والتأثير على استقلاليته في إدارة السياسة النقدية. إن فقدان التناغم بين السياسة النقدية والسياسة المالية يعود بشكل أساس إلى الإصرار على تغييب السياسة الوطنية الشاملة من أجل التنمية التي هدفها الوطن والمواطن، وعلى الرغم من أن البنك المركزي قد وضع الأسس اللازمة للقيام بها، إلا انه لم يتم حتى الآن استخدام هذه الإمكانيات بالشكل المناسب بسبب غياب الشخص المناسب في الوظيفة وضعف التعامل المهني مع المشاكل الاقتصادية، وتعمق وتجذر الفساد الإداري والمالي، وتجنب التوجه نحو التنمية الحقيقية المرتبطة بمؤشرات الإنتاج والإنتاجية وتعويض الاستيراد، والبطالة، والفقر، وارتفاع المستوى الحقيقي لدخل الفرد ومعيشته، وحل أزمة السكن، والكهرباء والبطالة المقنعة، وغيرها من الأزمات التي أصبحت متجذرة في المجتمع العراقي واقتصاده.
هناك من يعتقد ان السياسة النقدية لحماية سعر صرف العملة ومعالجة التضخم بالنسبة للإدارة السابقة وعبر إجراءات بيع العملة اليومي احد أهم الأسباب التي ساهمت في استقرار العملة وعالجت نسب التضخم وبعد استلام الإدارة الجديد فقدت العملة من قيمتها بنسبة 8 ما تعليقك؟
ــ إن البنك المركزي في ظل الظروف المحيطة به والمسيطرة على العراق في الوقت الحاضر، كالسياسية، والأمنية، والاقتصادية، والاجتماعية، لا يمكن أن يصل إلى الكمال في عمله، ومن المحتمل أن يكون هناك بعض الفاسدين إداريا وماليا فيه، ولكن هل يمكن اتهام مؤسسة ذات سمعة دولية عالية ونجحت في الوصول إلى الكثير من المحطات المهمة، ولاسيما فيما يتعلق بالسياسة النقدية بكاملها وبكامل أعمالها، والإساءة إلى سمعتها عالميا ومحليا، قبل أن يتم التحقيق والتحقق من هذه الاتهامات؟ فضلاً عن إيجاد الأدلة المادية اللازمة لتوجيه الاتهام لهؤلاء الأشخاص، من اجل مساعدة المؤسسة في التخلص منهم، وتدعيم المؤسسة بدلاً عن الإساءة إليها.
إن غياب النظام المصرفي الشامل، النظام الالكتروني الذي يقوم بتسجيل جميع العمليات المصرفية وعكسها آنيا على النتائج المالية بالمصارف وفي البنك المركزي، مع متابعة جميع المعايير التي يتطلبها نظام إدارة المصرف والبنك المركزي، هو السبب الأساس في ضعف قدرة البنك المركزي على الرقابة الآنية على عمل المصارف، ناهيك عن الرقابة التحوطية للتمكن من درء الأخطار التي يمكن أن يتعرض لها أي مصرف نتيجة لمخالفته للمعايير الموضوعة.
إن غياب النظام المصرفي الشامل والرقابة الآنية والتحوطية في مصرف الرافدين أدى إلى سرقة نحو 350 مليار دينار من قبل مصرف البصرة، ولم يتمكن مصرف الرافدين من اكتشافها الا بعد مدة طويلة، ولم يتخذ أي إجراء جدي من اجل استرجاعها. لقد اغلقت القضية من دون الوصول إلى نتيجة معينة، ووضع المصرف تحت الوصاية من قبل البنك المركزي لعجز السيولة، ولم يتخذ أي إجراء جدي لمحاسبة ومعاقبة المتورطين، واعتقد انه تحت التصفية الآن. إما بالنسبة إلى مصرف الوركاء، فقد وقع في فخ عجز السيولة، والسبب الأساس هو سحب الودائع الحكومية، كما يدعي المصرف، ووضع تحت الوصاية، وهو من أكبر المصارف الخاصة، إن لم يكن أكبرها، واستمرت الوصاية لمدة تزيد عن السنة، وهو ما لا يتماشى مع القانون. وقد أكدت التقارير المختصة التي وضعتها الشركات المدققة للمصرف، محلية ودولية، على إمكانية استعادة المصرف لعافيته، لو تم مساندته ماليا وحل مشكلة السيولة لديه، وتسييل بعض موجوداته. إلا إن قرار البنك المركزي كان في صالح تصفية المصرف، ولا زالت القضية أمام المحاكم، ولم يكترث بالنتائج التي يمكن أن تؤدي إليها عملية التصفية، سواء على المودعين أو المساهمين الصغار، أو النظام المصرفي بشكل عام. مع العلم أن الكثير من المودعين يتعرضون لفقدان ادخاراتهم، ويتعرضون إلى الإرباك حتى في حياتهم المعيشية.
هناك من يعتقد ان السياسة النقدية لحماية سعر صرف العملة، ومعالجة التضخم بالنسبة للادارة السابقة، وعبر اجراءات بيع العملة اليومي احد أهم الأسباب التي ساهمت في استقرار العملة، وعالجت نسب التضخم، وبعد استلام الإدارة الجديدة فقدت العملة من قيمتها بنسبة 8 ما تعليقك؟
ــ إن البنك المركزي يتعامل مع جميع المصارف على أساس المساواة، إلا إن نشاط هذه المصارف، وعدد الزبائن الذين يتعاملون معها، يختلف من مصرف إلى آخر، ولا يستطيع البنك المركزي أن يتدخل في نشاطاتها اليومية، إلا إذا كانت مخالفة للقانون، فمثلا لا يستطيع البنك المركزي أن يحدد عدد زبائن كل مصرف والمتعاملين معه، وعدد العمليات التي ينجزها، ولذلك فان المصرف النشط في عمله ويقدم خدمات أفضل، لديه زبائن أكثر، وبالتالي يشتري مبالغ أكثر من البنك المركزي، ولا يتعلق ذلك بعمل البنك المركزي، قد تكون لبعض المصارف علاقات مع بعض السياسيين الذين يقومون ببعض العمليات غير القانونية، مثل تهريب الأموال، ولكن في جميع الأحوال يجب التحقيق والتحقق من هذه الشكوك قبل إطلاق الاتهامات.
لقد حاول البنك المركزي مساواة المصارف في بيع الدولار النقدي وحدد المبالغ النقدية التي تباع يوميا إلى المصارف وشركات التحويل المالي وشركات الصرافة، بناءً على حجم رأس المال المدفوع، ولكن لن يكون ذلك عادلا بالنسبة للتحويل الخارجي. وفي حالة وجود أية مشكلة في عملية التحويل أو البيع النقدي فمن المفروض أن تقوم إدارة غسل الأموال في البنك المركزي والمؤسسات الأخرى وبالتعاون مع بقية الوزارات ودوائرها المختصة بمتابعة ذلك، مثل وزارة التجارة ووزارة المالية، ووزارة الداخلية، وبقية المؤسسات المسؤولة في الدولة عن عمليات غسل الأموال.
كيف تفسر فقدان 10 اطنان ذهب من البنك المركزي العراقي ثم يصحح الخبر على انه خطأ طباعي كيف تفسر ذلك وهل من المعقول تمرير هكذا خبر لا يحترم وعي المتلقي؟
ــ يخضع البنك المركزي إلى الرقابة والتدقيق المحلي والدولي، ولا يمكن أن يقوم بأية عملية بيع أو شراء للعملات أو الذهب، من دون أن يتم عكس ذلك في سجلاته، فضلاً عن عكسها في قاعدة المعلومات المحلية والدولية. ولذلك من الممكن القول أن جميع عمليات البنك المركزي المتعلقة بتكوين الاحتياطي السيادي، من العملات الدولية والذهب والمعادن الأخرى، تتم بكامل الشفافية ويجري الإفصاح عنها محليا ودوليا، ونستطيع التأكيد على انه لا يمكن تمرير أي تلاعب بهذه الأرصدة والمعاملات المتعلقة بها من دون رصدها. ولذلك فان ما يقال عن سرقة عشرة أطنان من الذهب كلام غير مبنٍ على أسس مادية ومنطقية، ولا يمكن تداول مثل هذه المعلومات بالإعلام، لأنها ستؤدي بالإساءة إلى سمعة البنك المركزي والعراق محليا ودوليا، وإلى عرقلة عمل البنك المركزي بمشاكل جانبية ليس من صلب عمله، ويدلل أيضا على ضعف الثقافة الاقتصادية بشكل عام، والثقافة المالية، والنقدية، والمصرفية، للأشخاص الذين يقومون بمثل هذه التصريحات.
/5/2013 Issue 4496 – Date 6 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4496 التاريخ 6»5»2013
AZP02