الحدباء سجينة الوعود

ميادة الحسيني
العراق /الموصل
ثلاث سنوات قدر على ابناء مدينتي العيش تحت ظل راية سوداء
كانت تلك الايام والسنين كفيلة بان تعيدنا الى عهد متدهور مليء بالتطرف والفتن والتخلف.اختفت كل مظاهر الحياة والتطور التي كانت موجودة قبل ان نقع تحت في الاسر. اجبرونا ان نعيش في ماض مقفل لا نافذة له على المستقبل .
حتى الهواء كنا اذا اردنا ان نستنشقه ونحن جالسين بسلام في اسطح منازلنا او عند الشرفات ،كانت العيون تترصدنا، لانهم يعلمون اننا كنا ننتظر الحرية من خلال نسمات الهواء والنظر الى السماء الواسعة .
فقدنا الكثير بسبب جور وظلم من استباح مدينتي وبسبب الجوع والمرض، والكثير دفن تحت الركام او حتى في حدائق الورد في منازل من مدينتي .عشرات لا بل مئات والاف من الضحايا رغم ذلك كان هناك بصيص امل ورغبة كبيرة في داخلنا بمجيء ايام نرى من خلالها الوان كانت اعيننا قد حرمت من ان تراها لأننا لم نكن نرى سوى السواد والظلام .
بعد ثلاث سنوات تذكرونا من هم خارج المدينة وقرعوا طبول الحرب وقالوا
حان موعد التحرير والخلاص او بالأحرى انتهى توقيت احتلال المدينة حسب الاتفاقيات والمزايدات على مدينتي واقتربت ايام كانت بالنسبة لنا احلاما بعيدة لن تتحقق ابدا .
وبالفعل اتحد ابناء العراق من كل المكونات والقوميات اتحدوا في صفوف جمعتهم روح المواطنة وحب الوطن متجاوزين كل الخلافات التي زج بها المكرهون بين ابناء الوطن .
راينا السني والشيعي والكردي واليزيدي والمسيحي يقفون في صف واحد ويدخلون مدينتنا محررين من كل جانب .
سطروا اروع الملاحم التي سوف يذكرها التاريخ لأجيال قادمة.
تحررت المدينة اندثرت احياء بأكملها ومباني وارواح غادرتنا واختفت معها الاجساد تحت الانقاض .منظمات اغاثية وتطوعية وشخصيات مدوا يد العون لأبناء المدينة وايادي بيضاء حولت حياة الكثير ممن انتهت عند ابوابهم الافراح الى الافضل واعادت لهم الامل بالغد المشرق .
انهالت الوعود وتحدثت الكثير من الافواه وعادت وجوه كنا قد رأيناها قبل ان تفجع مدينتنا ويقتل اهلها الوعود كثيرة والكلمات كثيرة والافعال لا وجود لها الا ما ندر .مشاريع متلكئة اعمار يكاد لا يتجاوز الا نسبة بسيطة ، واستطاع بعض ابناء المدينة المقتدرين اعادة بناء منازلهم ومحالهم التجارية كما كانت.
اما الباقي فلا زالوا بانتظار التعويض او المساعدات التي هي اصلا من حقوقهم الشرعية المسلوبة .
ها هيا الان مازالت مدينتي تحاول ان تنهض مثل جسد القي عليه الحجارة ولا يكاد نرى من تحت الحجارة الا بعض اجزاء من الجسد ولا تزال تحاول النهوض وتنفض ركام الحرب وفوضى الدمار الذي حل بها .
والان عادت الافواه من جديد لتلقي شعارات وتعطي وعودا من جديد وتتوعد بأقصاء الفاسدين والفساد وكل هذا لأجل الظفر بأصوات الناخبين من ابناء مدينتي مستغلين حالة العوز والفقر الذي هم فيه كل تلك الوعود عادت لان ساعة الصفر اقتربت وانذار قرع على مسامعهم حان موعد الرحيل وترك المناصب لذلك عادت الأكاذيب والوعود من جديد لأجل الحفاظ على الكرسي الذي يمنحه سر الحياة الرغيدة والرفاهية تاركا خلفه الاف الفقراء والمحتاجين والمتضررين .
وتبقى مدينتي سجينة الوعود الكاذبة بانتظار ان تنبت في حدائقنا الازهار بدلا من اجساد الاحباب التي دفناها هناك .