الجرذان تجتاز العوارض الكونكريتية
المجرمون الهمج شياطين العصر، المتعطشون لدماء ألأطفال والنساء والشيوخ، القتلة المارقون أعداء ألانسانية والدين، شراذم قذرة نتنة، وباء كالطاعون يسري وينتشر، يستهدف الحياة والبناء والمال، ويشيع الرعب والخوف في كل مكان، لا تصده أســلحة ولا مؤتمرات أو عساكر السيطرات والحواجز الكونكريتية بغلق الشوارع والأزقة، عشر سنوات مرت، والعوارض كثرت واتسع انتشارها وتحولت ألأحياء السكنية أشبه بسجون يصعب الدخول والخروج منها، وكل هذه القيود التي يعول عليها قادة رجال ألأمن غير مجدية وضارة أكثر مما هي نافعة وأثبتت فشلها بمكافحة جرذان الأرهاب، الجرذ يتمكن من دخول البيت مهما كان محكم بغلق ألأبواب، وعلى رب البيت أن يفكر بعقل يفوق عقول الجرذان ويتخلص منها بأقل الخسائر، هل سمع أحد أن هناك شخص حرق بيته كي يتخلص من الجرذان؟
الانسان يتعلم ويكسب خبرة من خلال ممارسته العمل، الطالب يدخل أكاديمية الشرطة أو الكلية العسكرية ويتخرج برتبة ملازم مؤهل لدخول ميدان الاحتراف ويكتسب الخبرة من ألأمراء وقادة الميدان وبعد عشرة سنوات يختزن من التجربة ما يكفي لأداء دور العارف المحترف.
يوم وبعد رحلة شاقة من الباب الشرقي الى البياع، أخذت نفس الوقت للذهاب الى محافظة بابل أيام زمان أو قد تكون أكثر، ولا حساب للوقت في بلد الغرائب والعجائب، والرحلة الثانية من البياع في حافلة النقل الخاص (الكية) التي قدر لي أن انحشر بين السائق وعلى يميني رجل تجاوز العقد السادس قد يكن أصغر مني بعشرة أعوام ويبدو أنه متقاعد مثلي، انطلقت الحافلة الى حي المعالف، بعد أن دخلت شارع قطر الندى على يمين مدينة العاب الكرخ، اقتربنا من الارهاب أزعج وأسوأ سيطرة في بغداد طوابير أغلقت عرض الشارع وأمتد طول كل طابور بعشرات السيارات، تحدث الرجل متشائم ومستاء قال: أنظر
لو كان لا سامح الله من بين هذا الحشد المزدحم من السيارات سيارة مفخخة كما حصل يوم أمس في بابل ماذا يقولون لو تكررت المجزرة؟
بسرعة رد عليه السائق بقوله : أنهم يهيئون أهداف مختارة تكون صيد دسم للمجرم الانتحاري.. ياللهول هل يتناثر جسدي اليوم .. احتمال جريح أنقل (بستوتة) لطوارىء مستشفى اليرموك، ياساتر أستر يارب أخذت السيارة تزحف كالسلحفات ونبضات القلب تتسارع تسابق السير لتجتاز محنة هذه السيطرة الرهيبة، نطقت الشهادتين أخذت تتكرر أمامي صور ومشاهد مرعبة كأن الموت يقترب منا .. صوت آخر من الخلف قال : تأخير، أهانه، ذل، عرقلة، هل سمعتم أن سيطرة منعت حدوث تفجير؟ أخذ الركاب يتقولون والخوف أخرسني وشلّ لساني، تجاوزنا المحنة وحمدت الله ألا أن هناك سيطرة ثانية في حي ألأعلام وثالثة قرب جامع علي السجاد في منطقة التعليم العالي بين سيطرة وأخرى كيلومتر واحد على نفس الخط، أما آخر سيطرة فحدث ولا حرج يتحير العقل بوصفها، غريبة عجيبة وتختلف في سلوكها ونظام عملها الغريب وغير المألوف في كل أنظمة المرور ليس في العراق فحسب بل في العالم أجمع، أنها تفوق التصور تعمل وفق أمزجة وأهواء بعض أفراد الشرطة، يغلقون خط العودة ويفتحون خط الذهاب ، الأياب يتحول السير بممر واحد، ولا نعلم سبب هذا ألأجراء المتعاكس وما الهدف ألامني المبتكر وهذه الحالة الغريبة في عرقلة السير وتأخير الذاهب والعائد وخلق محنة لا مبرر لها (شر البلية ما يضحك) اغلب الظن أن ما يحصل في هذه السيطرة بعيده عن عيون رقابة آمر مقر الفوج المكلف بحماية المنطقة، السيطرات والعوارض الكونكريته قيود مبالغ فيها بشكل يوحي للقادم انه سيدخل المنطقة الخضراء المحصنة، سكان المعالف فقراء عمال وكسبه وصغار الموظفين واغلبهم من طيف واحد .. كما أن الوقاية من الجرذان ومكافحتها بهذه الخطط أثبتت فشلها بشكل قاطع لا يقبل الشك، الجرذان تتسلل بخبرة وتعرف كيف تقفز وتصل الهدف بسهولة.
عبد الحسن علي الغرابي