
فاتح عبد السلام
يستغرب أيّ مراقب دولي للشأن السياسي العراقي من انّ أطراف العملية السياسية لم يتقنوا أصول اللعبة حتى الان وكأن خبرتهم تراوح عند الصفر في حين ان النيران تقترب منهم. اذ كشفت الإعلانات والتصريحات “اللفظية” المتتالية بشأن نزع سلاح الفصائل والإبقاء على جيش واحد وقوات أمنية واحدة عن انّ كثيراً من السياسيين استغرقوا وقتاً طويلاً غاطسين في ملذاتهم السلطوية وما تسمى بالمحاصصاتية والتوافقية، والانتخابية أحياناً، وفاتت عليهم فرص ترميم أوضاعهم كوجوه مقبولة دولياً وأمريكياً حصراً، والأسباب لا ترجع جميعها إليهم، وانما بسبب ارتهان وضعهم لقوى أكبر منهم، فالمسألة ليست دولة ودولة أخرى في عمقها، وانّما هي إرادة أضعف وإرادة أقوى.
لا توجد مساحات رمادية حين تكون هناك استحقاقات أكيدة لا يمكن تجسير فجواتها بالتصريحات المطمئنة فقط.
لا تلجأوا الى تبريرات من خلال التعابير اللغوية البرّاقة والتي تحتمل عدة أوجه، فالرسالة تصل مباشرة الى الجانب الأمريكي أو الاسرائيلي من خلال قرارات فعلية، فلا أحد يستمتع بالخطابات وينام مطمئناً بسبب ذلك. هناك مرحلة رمادية مرت امام الجميع وامتدت أكثر من عشرين سنة في العراق كانت ذات طبيعة تكتيكية واضطرارية أحياناً في الحسابات الامريكية ولم يعد بالإمكان استمرارها الى الابد، لأنّ هناك عتبة استحق عبورها اليوم في ترتيب أوضاع المنطقة التي لم تترتب كما خطط المحتل الأمريكي، قليل الخبرة وكثير الوهم، حين غزا العراق وجلب النظام الجديد في العام 2003.
قرار نزع سلاح كل المنتمين لتنظيمات خارج الدولة ويعملون على ارض العراق ذات السيادة، وترتيب الوضع العسكري والأمني كله في إطار الدولة المستقلة، هو قرار مصيري، إذا جرى التعامل معه بإيجابية وصدق، وإنّ العراق قد يتجه الى مسارات صحيحة. أمّا اذا حدثت “تقية” سياسية وأمنية فإنّ العراق سيتحول الى ساحة مفتوحة لخيارات غير معهودة من قبل، ولكنها غير مستحيلة، بل واردة في اجندة التحولات الاقليمية.
لتكن الرسالة المنطلقة من بغداد واضحة عملياً الى الامريكان وإسرائيل، نعم إسرائيل ولا حاجة لإخفاء الرؤوس كالنعامات، ومن جانب العراقيين اطمئنوا فلن يعاتبكم شخص واحد من الشعب حول تغيير المواقف والشعارات، فلا احد عاد مهتماً باللعبة من الأصل.
اعرف انكم لم تعتادوا على سماع الكلام المباشر المفيد، لكن ليس لكم خيار بعد اليوم سوى سماعه لكي تنجوا.
رئيس التحرير-الطبعة الدولية


















