أ.د. إسماعيل محمود محمد العيسى
سأل الابن أباه، إن وقع رجل كاذب وآخر صادق ببحر كبير، فمن مِنهما لديه فرص أفضل للنجاة؟ كان جواب الأب واقعيا: يا بني، طبعا هو من يجيد السباحة بشكل أفضل؛ فمن لا يملك مهارة السباحة لن ينجو. جميعنا نسعى للربح، وكلنا نبحث عن أسرع الطرق لتحقيقه، والبعض يستثمر بلا تردد والبعض الآخر يمضي حياته بانتظار الفرصة المناسبة، أحدهم ينصح قائلا عليك بالاستثمارات الآمنة (الذهب والعقار) فانهما وان مرضا لا يموتان، يتدخل اخر ليقول ولكن ما هو العائد او الربح الممكن الحصول عليه من هذا الاستثمار خاصة ان لم ترتفع قيمتهما السوقية؟ والأخر يقول عليك بالاستثمار في أسواق المال فانت وان لم تستفد من ارتفاعات اسعار الاسهم فإنك ستحصل على عوائد وتوزيعات سنوية مجزية، خاصة إذا كان استثمارك بالأسهم الكبيرة وذات العوائد الجيدة وبالتالي فهي استثمارات آمنة.
ومنهم من حث ويحث على الاستثمار في الصحة والتعليم واعتبارهما ركنا الاستثمار الآمن…
تدور الافكار وتزداد الحيرة، فالاستثمار الآمن حلم يراود الجميع، ولكن يبقى السؤال الاهم، ما هو الاستثمار الآمن؟ وهل الاستثمار الأمن ما بعد جائحة كورونا هو نفسه لا يتغير ولا يتبدل ؟
كل المعطيات تدل على أن الاستثمار سيتغير شكله ومضمونه ؛ والذي يراجع استراتيجية الدول ذات الاقتصادات الكبرى يجد ان هناك تغييراً في استراتيجياتها ؛ وخاصة في استراتيجياتها في الافادة من الموارد البشرية ذات المهارات المكتسبة؛ فلا اُحادية للتعليم في التوظيف في الوظائف المهمة في الدول المتقدمة بعد هذه المرحلة ؛ بل هناك شريك رئيس إن لم يكن طاغٍ على التعليم الا وهو المهارة ؛ فاختيارهم لتكون البديل للتعيين في الوظائف الحكومية على التحصيل الدراسي في الولايات المتحدة الامريكية لهو خير دليل على ذلك.
ومن هذا المنطلق ؛ لابد للجامعات الحكومية والاهلية مراجعة سريعة لاستراتيجيتها؛ واهدافها؛ ورؤيتها؛ وتغيير النمطية السائدة في اوساطها الاكاديمية، فالهدف ليس التعليم والذي هو مجموعة من العمليات المنظمة التي يستخدمها المعلم؛ ليكتسب من خلالها المتعلم الأسس الأوليّة للمعرفة، وليس التدريس الذي يعد عملية تفاعلية معقدة؛ والذي هو أعم وأشمل من التعليم، ولكن الهدف الذي يجب أن تعمل الجامعات عليه بعد هذه المرحلة هو التعلم أي « النتيجة « التي خرجت من عملية التدريس المعقدة والتي كانت الوسيلة أو الوسيط، ويمكن وصف التعلم بأنه «استجابة المتعلم المقصودة»؛ فإن استجاب المتعلم بالشكل المطلوب تكون بذلك عملية التدريس ناجعة وحققت هدفها بتحقيق التعلم؛ لأن التعليم «النتيجة» هي ضمان حقيقي وواقعي للاستثمار الأمن في التعليم. ولابد لإدارة الجامعات أن تدرك أن التعلم لا يمكن أن ينفك عن مهاراته فهو جامع مانع للمعرفة والمهارة التي يكتسبها الفرد ، ولا يقتصر على الطالب الجامعيّ، وإنما كل فرد يحاول معرفة شيء غير الذي بحوزته فيطلق عليه الفرد المتعلّم أو «المهاري» ، أي أنه الذي يحاول اكتساب المعرفة بشتى أنواعها، سواءً كانت هذه المعرفة بعلوم الدين أو الأدب أو الطب أو الهندسة مثلًا، ومهارات التعلم كثيرة منها:
- الخارطة الذهنيّة؛ وهي من الأدوات المهمة للتعلم. – الخرائط المفاهيميّة؛ والتي تكون على شكل تطبيقات تحوي المفاهيم العديدة لأي علم.
- وخارطة التدفق؛ والتي تنظم التعلم أو اكتساب المعرفة.
- الجداول؛ والتي تساعد في عمليّة التعلم، وهذه تكون بأسلوب المقارنات.
- الرسوم البيانيّة؛ وهذه تستخدم للأرقام والإحصائيات التي تسهل على الطالب هذه العمليّة في العلوم الرقمية والرياضيات.
ولان الظروف الطارئة التي يمر بها العالم بشكل عام والجامعات بشكل خاص ؛ والتي فرضت على وزارات التربية والتعليم العالي الاستعانة بوسائل التواصل المجتمعي لاستكمال متطلبات العام الدراسي الحالي ، لكن لابد للوزارة وتشكيلاتها أن تعلم بأن التعليم الالكتروني ليس هو الهدف الذي هو تحصيل حاصل ؛ وانما الهدف الرئيس هو الانتقال الى جامعات تنتج المعرفة والمهارة؛ ولكن كيف ذلك ؟ أوجزها بنقاط مهمة:
مراجعة استراتيجيات التعليم العالي؛ لتكون أكثر منطقية وذلك من خلال اعتمادها على دراسات حقيقية وواقعية معتمدة في ذلك على الاحتياجات الحقيقية لتشكيلاتها؛ آخذة بنظر الاعتبار التخلص وتقليل الاعتماد على موازنة الدولة ومن خلال سقف زمني محدد. وضع الاستراتيجية الوطنية للجامعات المنتجة؛ وعقد شراكات علمية وعملية مع وزارات الدولة.
تفعيل حاضنات التعليم؛ وبالشراكة مع وزارة التجارة والتخطيط والغرف التجارية.
تشكيل المجلس الاعلى للتعليم.
تشكيل مجلس الاعتماد الاكاديمي.
تفعيل مراكز التعليم المستمر واقسام التدريب والتطوير في الجامعات؛ لتأخذ دورها في تنمية مهارات وقدرات الطلبة وأساتيذ الجامعات.
مراجعة وتحديث البرامج الاكاديمية والتخصصات العلمية ومخرجاتها. استحداث منظومة الاعتماد وضمان الجودة؛ وجعلها منظومة متحركة وفاعلة بين الاوساط الاكاديمية. اختيار القيادات الجامعية على اساس المهارة. مراجعة ملف التعليم الاهلي؛ والجامعات المستحدثة. تقييم وتقويم الجامعات واداراتها على اساس الشفافية والواقع العلمي والإنتاجي؛ مع مراعاة الفروقات في معاييرها الكمية والنوعية. كل ما تقدم قصده ونيته استثمار الطاقات الاكاديمية ذات المهارات الاستثنائية ؛ وتغيير واقع التعليم ليتمكن من البقاء كاستثمار آمن وعامل فعال للموارد البشرية.