التعليم من أجل التصدّي للإرهاب

2222

التعليم من أجل التصدّي للإرهاب

محسن عبود كشكول

تعد قصة العالم العربي مع الجهل قصة طويلة, تبدأ مع النظام التعليمي السيئ الذي هيمن على الحواضر والبوادي العربية, فمنذ ولادة الشاب يحتار الأهل في اختيار العمل الذي يرونه مناسبا لمستقبله, وهنا تتزاحم الخيارات هل يبدأ التعليم من المسجد والكنيسة والأماكن الدينية الأخرى, أم يذهب إلى نظام الكتاتيب والملالي لتعليمه وتأهيله لدخول النظام الرسمي للتعليم واكمال الدراسة الجامعية, ومع التطور الاقتصادي الذي شهدته المنطقة العربية انتشرت نظام المدارس الحكومية ولكن بأي مضمون, وأقصد ماذا ينبغي أن يتعلمه التلميذ, وهنا تباينت الآراء واحتدّ الجدل في موضوع هيمنة الدين على المضامين, وكل صاحب رأي يدفع بما عنده لإقرار ما يراه مناسبا, والجميع يتحرك بتأثير ضغوط العمل والمستقبل, والجميع يتجه إلى أهمية التعليم في تحديد الوظيفة التي تتلاءم مع النظام التعليمي, مع أنه بإمكان نظام المرشدين المهنيين و(الأسطوات) أن يكون فاعلا في مساعدة الشبّان على اختيار الوظيفة التي تناسب مؤهلاتهم وميولهم بعد الحصول على تأهيل علمي مناسب, وبإمكان المرشدين المهنيين الاستعانة بنظام التدريب المهني كأحد المرتكزات الأساسية للنظام الوظيفي، إلا أن العديد من الشباب لم يعودوا مقتنعين بهذه الفكرة، لذا ساد التوجه إلى مواصلة الدراسات المتقدمة لاسيما لدى أولئك الذين يراهنون على تطور مستويات أبنائهم من أجل تحقيق رهانات المستقبل.

المشكلة تكمن في حصر ارتباط التعليم بالوظيفة وهنا مصدر الخطر, لأن ليس من المنطق أن تؤّمن الحكومات فرص التوظيف في القطاع الحكومي لجميع المتعلمين, كما لا يعني استحالة ذلك أن تترك الحكومات فرص الاستثمار لتوفير فرص العمل للجميع بما يتناسب مع مؤهلاتهم التعليمية, ومع تفاقم ظاهرة الفشل في تلبية متطلبات التوظيف بدأت ظاهرة التسرب من التعليم والاتجاه إلى العمل, وبدأت أيضا ظاهرة أخرى وهي المراهنة على العمل مع الاحتفاظ بتواصل التعليم ولكن مع هيمنة متطلبات العمل على وقت التعلم, كما سادت ظاهرة التعليم من اجل الوجاهة, والذي أدى إلى تضخم في الشهادات مع ضعف كبير في الاستحقاقات العلمية, ففي ظل هذا الواقع ينبغي أن يعي الطلاّب ما يجب أن يقوموا به من أجل ضمان نجاحهم في المستقبل, وأن يقرّروا ما إذا كانت لديهم الاستعدادات أو الدرجات الضرورية لمواصلة التعليم, أو التوجه إلى التدريب المهني, والذي لا يعني الانقطاع عن التعليم بل تحديد مساراته, وبشكل عام، يؤدي الإختيار الأوّل إلى الدراسات الجامعية، ويُحيل الإختيار الثاني إلى ميدان المهن, وهنا يكون التدريب المهني مطلوبا أكثر فأكثر، في ظل تشخيص عموم الناس للإختيارات الميدانية العملية المتاحة، وتعذر الحصول على درجة وظيفية باستحقاق تعليمي متردي.

ومن متابعتي لمسار التعليم في العراق على مدى ثلاثة عقود مضت تعرّفت عن طريقها على أشياء سلبية كثيرة عن النظام التعليمي ككل, حيث كانت المدرسة تمثّل دوما عبئا على الطالب وأهله، وصار الكثيرون يختارون مواصلة التعليم الجامعي فقط لأنهم لا يعرفون ما يجب أن يفعلوا, وليس التعليم من أجل أن يكون مواطناً صالحاً ويعي بنظام الحقوق والواجبات, في وقت وفرت الدول المتقدمة الكثير من الفرص حد الإغراق, وبشكل يتعذر على الطالب اتخاذ قرار بشأن العمل, ولا يعرفون ماذا يفعلون أمام الفرص الهائلة المتاحة أمامهم.

لقد صادفني التعرف إلى عدد من صنف ملتهمي الكتب, وممن انتهى بهم المطاف إلى أعمال يدوية ليس لأنهم يحبّذون العمل اليدوي, وإنما لتعذر الحصول على وظيفة حكومية في تخصصه, وفي المقابل حصل على وظيفة من انهى دراسته بشكل متعثر, فقط لأنه تمكن من انتهاز الفرص القائمة على وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب, أقول أنه من الجهل النظر إلى التعليم الأكاديمي طويل المدى على أنه أكثر قيمة في المجتمع وأفضل من اختيار التدريب المهني, ومن الجهل أيضا أن يكون حب المال هو المحرّك بالنسبة للكثير من الدارسين, كما أنه من الجهل الأكبر أن يكون خيار ترك الدراسة والتدريب مقابل توفر فرصة عمل يتوارثها عن أبيه, أو فرصة توفرت له من مصاحبة ابناء الاسطوات دون أن يحصل على مستوى مقبول من التعليم, لغياب الوعي بأهمية التعليم أو لغياب التشريعات القانونية التي تلزمه بمواصلة التعليم.ولأن الآية الكريمة تقول: “إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ”, فإن التكليف الشرعي يجب أن يتجه إلى إلزامية التعليم لكي لا يكون الناس من (شَرَّ الدَّوَابِّ), وشر الدواب اليوم تتقدمهم الجماعات الارهابية والقتلة والمجرمون والمفسدين, فعندما يصّدق الفاسد بمنطق شرعنة فساده, وعندما يستحل المجرم قتل الأبرياء من العراقيين بحجة استهداف الحكومة, يكون الجهل بالتأكيد مفتاح ذلك,  وهناك مفارقات أكبر وأكثر تعقيداً تتصل بمحدودية الثقافة والجهل المركب لأصحابها, وهنا تكمن خطورة الجهل في خلق بيئة صالحة لقبول الاهداف المعادية, وعلى الحكومات والهيئات المسؤولة عن التعليم النظر بعين الجدية لخطورة تردي التعليم, ووضع الخطط الكفيلة بإعادة الاعتبار للتعليم من أجل الحياة, وليس من أجل التوظيف بعد التجربة المريرة التي شهدت ممارسات خطرة بدأت بالاعتداء على الممتلكات العامة ولم تنته بالقتل واستباحة الحرمات, لأن القادم أسوء وكل هذه الممارسات ترتبط بالجهل وتراجع القيم وتدني التعليم.

{ كلية الاعلام – الجامعة العراقية

مشاركة