التعصب والعنف وتاريخ أمريكا المجهول
لا أشاهد مسلسلات وأفلام عربية كثيرة ولكن تسنى لي ان أتابع بعض حلقاتها أثناء متابعة والدي لها ( لغرض الكتابة عن أبرز ما يحدث في الساحة الفنية العربية) . المشكلة في هذه المسلسلات مفهومها عن الصدمة ، صدمة المتلقي بكلمات بذيئة او أفعال قبيحة او علاقات غير مشروعة تجري بين أبطال المسلسل ( زوجة فلان تخون زوجها مع فلان الذي تخونه زوجته مع فلان وهكذا ) إضافة الى جرائم القتل والاغتصاب وزنا المحارم وووو وكلها تجري بحجة صدم المشاهد واستنطاق المسكوت عنه ..
كل هذا الكلام تذكرته وأنا أشاهد رائعة المخرج توني كاي ( American history X) للممثل ادوارد نورتن ، الفيلم يناقش التعصب العرقي ضد السود في أميركا ، بصراحة لم اكن أتوقع نفسي أؤمن بالفكر العنصري وأبرر الحقد والكراهية ضد بشر لا يختلف عني لمجرد ان لون بشرته سوداء ولكن الجزء الاول من الفيلم استطاع ان يقنع المشاهد بحجج العنصريين القوية رغبتهم بالقضاء على السود الذين يخربون شوارعهم ويهددون أولادهم ، ففي ساعة او اقل استطعت ان أرى ان حجج التعصب ليست بسيطة بل معقدة تحمل ارثاً من الكراهية وتستغل عطف البيض وربما مواقف مرت معهم لاستدراجهم ووضعهم في حالة حرب مع الآخر الملون ..
كل أحداث الفيلم في جزئه الاول تجري بالأبيض والأسود ودون ألوان وفي منتصف الفيلم يتغير كل شئ تعود الألوان للفيلم ويبدأ أبطال الفيلم بتفنيد حجج الجزء الاول منه وبنفس ألاسلوب المقنع فيخرج المشاهد بعد هذا الفيلم الرائع وقد اقتنع بحجج العنصرية في بدايته ثم تفند الحجج واحدة تلو الأخرى وتؤمن مع أبطال الفيلم وتقتنع ان التعصب لا ينتج سوى التعصب وان الكراهية لا تولد منها سوى الكراهية … الفيلم رائع بموضوعه وبأسلوبه الذي تعيش فيه عالمين : عالم التعصب الضيق بحججه القوية التي تعتمد على تجييش العواطف واللعب على وتر الانقسامات الطبقية ، وعالم التسامح القائم على احترام الآخر وإيجاد فرص العيش المشترك … والاروع من موضوع الفيلم فكرة المخرج في إحراج المشاهد والتلاعب به سواء بالألوان او مواقف الأبطال المتغيرة وأسلوب صدم المشاهد وجعله جزءا من صراع أبطال الفيلم ضد أفكارهم…
احسان حمدي العطار – بغداد