التعذيب وتسييس القضاء ـ د. أكرم عبد الرزاق جاسم

التعذيب وتسييس القضاء ـ د. أكرم عبد الرزاق جاسم
تتصاعد استنكارات المنظمات الحقوقية العالمية وبالأخص منها الامم المتحدة والامنستي منظمة العفو الدولية ولجنة حقوق الانسان والمجلس الاوربي لحقوق الانسان والمنظمة العربية لحقوق الانسان والجمعيات الحقوقية، على موجة الاعدامات الجزافية التي نفذت وتنفذ في العراق بأسلوب يفتقر الى العدالة والحق خاصة في ظل التيقن الدولي والمحلي من وجود التعذيب كمنهج وطريقة شائعة لانتزاع الاعترافات، واستغلال اطراف سياسية لهذه الحالة من اجل ارهاب وتهديد اطراف اخرى فضلا عن هدف الثأر الواضح في الاستعجال بتنفيذ احكام الاعدام دون استكمال الشروط القانونية والانسانية لتنفيذها. وتنتشر في وسائل الاعلام ومواقع التواصل الالكتروني اخبار وشكاوى عن تنفيذ اعدامات جزافية بأسلوب غير قانوني، يحمل طابع الثار والانتقام، وعدم مراعاة ابسط شروط تنفيذ الاحكام التي وردت في الدستور والتشريع الجزائي العراقي.
المطالبات الدولية بإيقاف عقوبة الإعدام
ليس هناك عقوبة أثير حولها جدل فقهي وسياسي، أكثر من عقوبة الإعدام، فهي من أبرز العقوبات التي أثارت جدلاً حاداً منذ زمن بعيد، وبالتحديد منذ القرن الثامن عشر، ولا يزال هذا الجدل مثاراً حتى وقتنا الحالي، بشأن قيمتها العقابية وشرعيتها كصورة لرد الفعل الاجتماعي إزاء الجاني.
كان الإعدام عقوبة شائعة تاريخياً تنزل بفاعلي الجرائم الصغيرة والكبيرة، كما تنزل بالخارجين على العادات والأصول والأعراف المتبعة، وكان المجتمع يضع القانون الذي يلائم المصلحة الاجتماعية العامة كما يراها، وبذلك اختلفت الأفعال التي ينظر إليها كجرائم تستحق عقوبة الإعدام، واختلفت أيضاً آلية تنفيذ تلك العقوبة باختلاف الزمان والمكان والإنسان، فمن القتل بالسيف والرمي من مكان شاهق، وسحق الرأس بالمقصلة، والرمي بالسلاح الناري، وبالسم، وبالكرسي الكهربائي وبالشنق بالحبل حتى الموت صور متعددة من تطور أساليب تنفيذ عقوبة الإعدام.
تاريخ عقوبة الإعدام
إذن فعقوبة الإعدام التي تعني إزهاق روح إنسان مُدان قضائياً بارتكاب جرم يستوجب هذه العقوبة، هي من أقدم العقوبات التي عرفتها البشرية وأشدّها جسامة على الإطلاق إذ تؤدي إلى إزهاق روح المحكوم عليه بها. وقد عرفتها المجتمعات البشرية القديمة كردّة فعل تجاه الجريمة ولتخليص المجتمع من شرور المجرم والانتقام لذوي الضحية. ولاشك أنها ابتدأت كصورة من صور الانتقام الفردي من الجاني، ولكن بتطور التشريعات في العالم، ومع نزول الشرائع السماوية، وبالأخص منها شريعتنا الإسلامية الغراء فإن الإعدام أخذ صورة القصاص الجنائي الشرعي المقنن، الذي يوقعه ولي الأمر أو القضاء بشروط وبإجراءات محددة وليس كانتقام فردي. مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً.. المائدة»32 وقال الله تَعالى وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الألْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ البقرة الآيةُ 179 يقول الشيخ جلالُ السُّيُوطِي في تفسيره الشهير وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ أي بَقَاءٌ عَظِيم يا ذوِي العُقُولِ لأنَّ الْقَاتِلَ إذَا عَلِمَ أنّهُ يُقْتَل ارتَدَعَ فَأحْيَا نَفْسَهُ… وقال الحافظُ العِماد بن كَثِير يَقُولُ تَعَالى وفِي شَرْعِ القَصَاصِ لكم ــ وهو قَتْلُ الْقَاتلِ ــ حِكْمَةٌ عَظِيمةٌ، وَهِيَ بَقَاءُ الْمُهَج وصَونُها، لأنّه إذا عَلِمَ الْقَاتِلُ أنّهُ يُقْتَل انْكَفَّ عنْ صَنِيعِهِ، فَكَانَ ذَلكَ حياةَ النّفُوسِ اهـ. إذن فإن في القصاص حياة، تعني أيْ لَكُم فِي هَذا الجِنْس من الحُكمِ الذي هو القِصَاص حياةٌ عظيمة، كما أن من حكمة القِصاصِ أنه يُساعِدُ عَلَى تَوْفِير الحياة الْهانِئة الْمُسْتَقِرّة للْجَماعة، ويَزْجُرُ القَاتِلَ وأمثَالَهُ، وَيَقْمَعُ العُدْوان، ويُخَفِّفُ من ارتِكابِ جَريمةِ الْقَتْلِ، إذْ أنَّ من عَلِمَ أنّهُ إذَا قتلَ غَيْرَهُ قُتِلَ بِهِ، امْتَنَعَ عن القَتلِ، فَحَافَظَ عَلَى الْحَياتَيْن حياةَ القَاتِل والمَقْتُولِ.
لقد كانت فكرة الانتقام الفردي أو الشخصي في الماضي، هي السائدة كأساس للعقاب، حيث كان الانتقام يسيطر على العلاقات بين القبائل غير الخاضعة لأية سلطة موحدة، فكان هدف القبيلة الوحيد أن تنتقم من القبيلة التي ينتمي إليها المجرم. وكان هذا ما يدعى الانتقام غير المحدود والمستمر.
وبقي الحال كذلك في المجتمعات القبلية، وكان الانتقام بين القبائل باستعمال القوة المادية مباشرة، وبغير قيد أو حد ضد المعتدي. وغالباً ما كانت تلك الظاهرة تؤدي إلى اندلاع الحروب التي كانت تستمر سنين طويلة. ومع قوة النتائج التي كانت تترتب على الأخذ بالثأر، اضطر الناس إلى البحث عن بديل، فأوجدوا القصاص الذي يكون من شأنه تحديد نطاق الأخذ بالثأر بحدود معروفة مما يضع حداً للتطاحن والقتال والعداوة بين الأطراف.
تغيّر النظرة تجاه
عقوبة الإعدام
مما لا شك فيه أن عقوبة الإعدام هى أخطر وأشد أنواع العقوبات على الإطلاق إذ أن إزهاق روح الجانى يعنى زجره بصورة لا يتحقق معها النفع أو الإصلاح، كما يستحيل تعويضه عنها بعد تنفيذها إذا ما ثبت عدم صحة الإسناد في حقه بعد إعدامه. وعقوبة الإعدام هى عقوبة مشروعة وعادلة فى ذاتها ودليل ذلك أنها من العقوبات المسلم بها في الشريعة الإسلامية. والإعدام في قانون العقوبات هو عقوبة جنائية تقضى بإزهاق روح المحكوم عليه شنقاً.
ومع التطور الذي حدث في المجتمعات، تغيرت وجهة النظر في هذه العقوبة، وتعرض لها الكتاب والفلاسفة، وبحثوا في أساس مشروعيتها. فمنهم من اعترض عليها وطالب بإلغائها، ومنهم من قال إنَّه لابد منها ومن وجودها. وكان هناك إجماع على أن هناك حالات لابد فيها من الإبقاء على هذه العقوبة، ولكن يجب أن تقتصر على مجرد إزهاق الروح من دون تعذيب، وأن تطبق على أخطر الجرائم. ولكن، مع ذلك، فإن الجدل ما يزال قائماً حتى يومنا هذا.
عقوبة الاعدام باتت قضية خطيرة وشائكة، فهي تعد خطيرة. لأنها أشد العقوبات التي يقررها القانون، والخطأ فيها غير قابل للتصحيح، وهي شائكة لأنها موضع جدل قانوني على الساحة الدولية، وموضع اختلاف داخل دوائر حقوق الإنسان ذاتها، والرأي فيها يؤثر على حياة مئات الأفراد الذين تهدد هذه العقوبة حياتهم.
العهد الدولي يلغي
عقوبة الإعدام
والخلاف حول هذه القضية ليس حديثاً، فقد وضح عند إصدار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام ، حيث دعا العهد المذكور إلى الحد من عقوبة الإعدام، وقصرها على أشد الجرائم غلظة وإحاطتها بأشد الضمانات. كما ألحقت بالعهد في العام وثيقة اختيارية، وهي البرتوكول الثاني الملحق بالعهد الدولي المذكور، للدول التي توافق على حظر عقوبة الإعدام.
ومنذ ذلك الوقت تصاعدت الدعوة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام، وبلغ عدد الدول التي صادقت أو انضمت إلى البروتوكول الاختياري دولة تمثل نحو ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً كاشفاً للتوجه العام في كانون أول يدعو إلى تعليق العمل بعقوبة الإعدام، ويدعو كافة الدول التي لا تزال تسمح بها إلى وقف تدريجي لاستخدامها، وأن تقلل التهم التي تقتضي فرضها، وصدر القرار بأغلبية دولة. ورغم هذا التوجه العام فلا تزال القضية موضع جدل وخاصة على الساحة العربية، وظهر ذلك بشكل واضح في التصويت السلبي لغالبية البلدان العربية والاسلامية على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن عقوبة الإعدام.
الإعدام في القانون
الجزائي العراقي
ينص قانون العقوبات العراقي على عقوبة الإعدام ضد كل شخص يقع منه اعتداء على أمن الدولة الخارجي أو الداخلي، وقد عددها القانون على سبيل الحصر وجعل الإعدام وجوبياً لهذه الحالات، وجوازياً في الحالات الأخرى والتي نص عليها المشرع في 20 موضعاً مثل الجرائم ذات الخطر العام كما مثبت في الفقرة الرابعة من المادة 342 عقوبات، والجرائم الواقعة على المال كما في المادة 442 فقرة 3 وغيرها. وبذلك يكون قانون العقوبات العراقي قد عاقب بعقوبة الإعدام سواء وجوبياً أو جوازياً في 49 جريمة، وتنفيذ العقوبة يكون شنقاً، أما بالنسبة للعسكريين فيكون عن طريق الرمي بالرصاص.
والخلاف حول هذه القضية ليس حديثاً، فقد وضح عند إصدار العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في العام ، حيث دعا العهد المذكور إلى الحد من عقوبة الإعدام، وقصرها على أشد الجرائم غلظة وإحاطتها بأشد الضمانات. كما ألحقت بالعهد في العام وثيقة اختيارية، وهي البرتوكول الثاني الملحق بالعهد للدول التي توافق على حظر عقوبة الإعدام.
ومنذ ذلك الوقت تصاعدت الدعوة الدولية لمناهضة عقوبة الإعدام، وبلغ عدد الدول التي صادقت أو انضمت إلى البروتوكول الاختياري دولة تمثل نحو ثلث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، كما تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قراراً كاشفاً للتوجه العام في كانون أول يدعو إلى تعليق العمل بعقوبة الإعدام، ويدعو كافة الدول التي لا تزال تسمح بها إلى وقف تدريجي لاستخدامها، وأن تقلل التهم التي تقتضي فرضها، وصدر القرار بأغلبية دولة. ورغم هذا التوجه العام فلا تزال القضية موضع جدل وخاصة على الساحة العربية، وظهر ذلك بشكل واضح في التصويت السلبي لغالبية البلدان العربية والاسلامية على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن عقوبة الإعدام.
قرار لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة
أصدرت لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة قرارها المرقم 2000»56 الدورة السادسة والخمسين متضمنا دعوة دول العالم التي لم تنضم بعد إلى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذي يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام، أو لم تصدق عليه، بأن تفكر في القيام بذلك. كما حث القرار كل الدول التي ما زالت تبقي على عقوبة الإعدام على القيام بما يلي
أ ــ أن تمتثل امتثالاً تاماً لالتزاماتها بمقتضى العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية حقوق الطفل، وبصفة خاصة ألا تفرض عقوبة الإعدام إلا عقاباً على أشد الجرائم خطورة وذلك فقط بمقتضى حكم نهائي صادر عن محكمة مختصة مستقلة ومحايدة وألا تفرضها عقاباً على جرائم ارتكبها أشخاص دون سن الثامنة عشرة، وأن تستثني الحوامل من عقوبة الإعدام، وأن تؤمِّن الحق في محاكمة نزيهة والحق في التماس العفو أو تخفيف الحكم.
ب ــ أن تضمن ألا يذهب مفهوم أشد الجرائم خطورة إلى ما هو أبعد من الجرائم المتعمدة المُفضية إلى الموت أو البالغة الخطورة وألا تفرض عقوبة الإعدام على الجرائم المالية غير العنيفة أو على الممارسات الدينية غير العنيفة أو التعبير غير العنيف عن الوجدان.
ج ــ ألا تدخل أي تحفظات جديدة في إطار المادة 6 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية قد تتنافى مع غرض العهد ومقصده، وأن تسحب أي تحفظات قائمة من هذا القبيل، بالنظر إلى أن المادة 6 من العهد تجسد القواعد الدنيا لحماية الحق في الحياة والمعايير المقبولة عموماً في هذا المجال.
د ــ أن تراعي الضمانات الكفيلة بحماية حقوق الذين يواجهون عقوبة الإعدام، وأن تمتثل امتثالاً تاماً لالتزاماتها الدولية، ولا سيما التزاماتها بمقتضى اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية.
هـ ــ ألا تفرض عقوبة الإعدام على شخص يعاني من أي شكل من أشكال الاضطراب العقلي أو تعدم أي شخص من هذا النوع.
و ــ ألا تعدم أي شخص ما بقي معلقاً بصـدد حالته أي إجراء قانوني على المستوى الدولي أو الوطني.
ز ــ تطالب كل الدول التي لا تزال تبقي على عقوبة الإعدام بما يلي
أ أن تحدّ تدريجياً من عدد الجرائم التي يجوز المعاقبة عليها بالإعدام.
ب أن تقرر إيقاف تنفيذ الإعدام بغية إلغاء عقوبة الإعدام إلغاءً كاملاً.
ج أن توفر للجمهور معلومات فيما يتعلق بفرض عقوبة الإعدام.
5 ــ تطلب إلى الدول التي تلقت طلب تسليـم بناء على تهمة عقوبتها الإعدام أن تحتفظ صراحة بالحق في رفض التسليم ما لم توجد تأكيدات فعالة من السلطات المختصة للدولة الطالبة بأن عقوبة الإعدام لن تنفذ.
حجج المنادين بالغاء الاعدام
إن المؤيدين لإلغاء عقوبة الإعدام يستندون في دعم آرائهم إلى الأسانيد الآتية
أولاً أن عقوبة الإعدام يستحيل معها إصلاح المحكوم عليه وإعادة تقويمه. وهذا من الأهداف التي يجب أن تسعى إليها الدولة بفرض العقاب، ولو كأهداف ثانوية والعقوبة التي تقطع باب الأمل أمام الفرد لا يمكن أن تكون عادلة.
ثانياً أن عقوبة الإعدام غير مجزية وغير نافعة سواء من وجهة فردية أو من وجهة إقناعية، فهي تحول دون أن يشرع المحكوم عليه تحت رقابة الدولة في إصلاح آثار الجريمة كلما كان ذلك ممكناً. كما أن العقوبة تحرم الدولة من قوة عاملة يمكن أن تسهم في الإنتاج، وبخاصة بعد أن أصبح العمل في السجون عاملاً في زيادة الإنتاج.
ثالثاً هذه العقوبة يستحيل إصلاح آثارها حين يبدو أن العدول عنها حق وواجب، فقد تظهر براءة المحكوم عليه بعد تنفيذ العقوبة، وذلك لأن الأخطاء القضائية ليست نادرة والعدالة الإنسانية نسبية، حتى إن أغلب التشريعات الوضعية تقر الحق في تصحيح أخطاء الأحكام. ومن قبيل ذلك التماس إعادة النظر الذي قرره المشرع المصري في المواد 441»453 من قانون الإجراءات الجنائية، ويقتضي هذا النظام جواز إعادة النظر في الأحكام في أحوال معينة كما إذا حكم على المتهم في جريمة قتل ثم وجد المدعي قتله حياً وواضح أنه إذا كان الحكم صادراً بالإعدام ونفذ، فلا سبيل لإنقاذ مواطن بريء. أما إذا كان الحكم صادراً بعقوبة أخرى، فيمكن إيقاف تنفيذها، ومنح هذا المواطن حريته.
رابعاً عقوبة الإعدام غير عادلة. لأنها غير قابلة للتدرج وفقاً لمبدأ مسؤولية الجاني أو مدى خطورته أو مدى ما حققه من ضرر.
خامساً عقوبة الإعدام تتسم بالضراوة والبشاعة، فالإعدام ليس فيه عظه تربوية بل يوقظ الشهوة إلى سفك الدماء.
سادساً وثمة حجة فلسفية استند إليها أنصار الإلغاء ذلك انه إذا كان أساس حق العقاب هو العقد الاجتماعي، فإن الإنسان ــ الذي ليس له الحق في القتل لا يمكن أن يتنازل للدولة عن حقه في الحياة.
كما يستند بعض مؤيدي إلغاء عقوبة الإعدام إلى إحصائيات كثيرة تمت في ظروف متعددة تشير إلى أن تشديد العقاب، بوجه عام، لم يؤد، بالضرورة، إلى تخفيف حدة الجريمة، كما أن تخفيفه لم يؤد، بالضرورة، إلى زيادتها، لكن ازدياد نسبة الإجرام أو نقصها أمر يمكن أن يرجع إلى جملة عوامل وظروف شخصية واجتماعية، لعل من أقلها شأناً تأثير العقاب في النفوس مقداراً أو نوعاً ولو وصلت إلى حد الإعدام. ولعل هذا الاعتبار كان بالإضافة إلى العوامل الإنسانية والحضارية والعلمية المتنوعة من أقوى الاعتبارات التي أدت إلى إلغاء عقوبة الإعدام في دول كثيرة متزايدة خصوصاً في مستهل هذا القرن حتى الآن.
الاجراءات المطلوبة
فليتذكر كل محقق وكل قاضي يرتضي أن يتهاون في تمحيص الدليل بالحق والعدل والانصاف، أن دم البريء لا يذهب هدراً، وأن الله تعالى سيحاسبنا عن كل زلة وتقصير وعن كل تسرّع في إتخاذ قرارات غير مستندة الى دليل علمي مقنع، ورضا الضمير، وهذا يتطلب إعادة تأهيل شاملة للمحققين في القضايا الجنائية ليستخدموا الأساليب العلمية الحديثة والمتطورة في التحقيق لكشف الجرائم للوصول إلى مرتكب الجريمة وإقامة الدلائل المقنعة باتهامه. وهذا يتطلب الزج بهم في دورات تطويرية داخل البلاد وخارجها للتعرف على آخر المستجدات العلمية. كما يجب اشاعة إحترام مبادئ وأساسيات حقوق الإنسان أثناء كافة مراحل التحقيق للحيلولة دون اتهام شخص بناء على تهم من دون دليل، وتدريس القائمين على التحقيق بكافة مراحله أساسيات ومبادئ حقوق الإنسان. وكذلك لابد من تعزيز دور الادعاء العام في تمحيص الأدلة والتأكد من ثبوت الأدلة على الشخص المتهم. وكذلك معاقبة كل من يثبت تورطه بانتزاع اعتراف من متهم تحت ضغط التعذيب أو المعاملة القاسية أو المهينة من أجل أن يبقى قضاؤنا شامخا بسمعته الطيبة، ولا يساق متهم برئ ظلما وتعسفاً.
AZP07