نورهان شيراز
تواجه عملية التعداد السكاني في العراق تحديات جمة تعكس واقعاً سياسياً واجتماعياً معقداً. فغياب قاعدة بيانات دقيقة وشاملة يجعل من التعداد عملية تتسم بالمخاطرة، خصوصاً في ظل سلطة تهيمن عليها الأحزاب، حيث تتشابك المصالح السياسية مع أهداف التنمية. وتعتمد المؤشرات المتاحة في أغلبها على التخمين، وفقاً لتصريحات متخصصين، إذ تفتقر مؤسسات الدولة إلى معطيات ثابتة وموثوقة حول قطاعات حيوية مثل العمل والخدمات.
في بغداد، على سبيل المثال، تعيق الهجرات المستمرة، بما فيها هجرة السياسيين، إمكانية وضع مؤشرات واضحة للتنمية. ويعني ذلك أن التعداد السكاني، الذي يُفترض أن يكون أداة لتوجيه الخطط التعليمية والثقافية والاجتماعية، قد يصبح عبئاً إضافياً بسبب عدم دقة البيانات وتسييس النتائج.
إحدى المشكلات البارزة تتعلق بحصص المحافظات في التمثيل البرلماني المعتمد على عدد السكان. إذا لم تكن الأرقام دقيقة وحقيقية، فإن توزيع المقاعد قد يثير المزيد من النزاعات ويُفاقم الشعور بعدم الإنصاف. كما أن المناطق المتنازع عليها، مثل تلك الواقعة ضمن الخط الأخضر في إقليم كردستان، تزيد من تعقيد المشهد، حيث تشير الإحصائيات إلى أن نحو 20% من السكان إما مهجرون قسراً أو نزحوا طوعاً.
يخشى الكثيرون أن يتحول “عرس” التعداد إلى “عزاء”، إذ ترافقه تساؤلات عن قدرة الدولة على تعويض المتضررين، مثل أصحاب الأعمال اليومية الذين قد يجدون أنفسهم بلا دخل أثناء أيام التعداد. ومع غياب ضمانات لحماية الفئات الأكثر ضعفاً، يزداد القلق حول النتائج الاجتماعية والاقتصادية لهذه العملية.
في ظل هذه الظروف، يبدو أن الحكومة تعمل بمعايير غير واضحة، ما يثير شكوكاً حول قدرة التعداد السكاني على تحقيق أهدافه التنموية. ولعل الخطوة الأولى نحو نجاح هذا المشروع هي الفصل بين السياسة والإحصاء، مع بناء ثقة المواطنين في عدالة ودقة العملية.