التشكيلي العراقي ستار كاووش لـ الزمان
أستعيد الوطن بتقنيات غربية
سعاد أبولبن
تكوينات استثنائية في لوحاتك الجديدة، ترسم علاقة جديدة بين البيئة الانية والجذور. كيف يمكن لمغترب ان يجسد هذه المعادلة؟
انا اكتشف في لوحاتي ما عشته في العراق مع ما أعيش فيه وما أراه الآن في الغرب. أعمالي تمزج بيم ماهو شرقي وغربي على قماشة واحدة، احرص ايضا على البساطة الي أخرج بها لوحاتي، كما اسعى الى البهجة في لوحاتي وأظهر الجانب السعيد للحياة وأنظر بتفاؤل وأمل للأشياء المحيطة بي.
البديهيات تعتبر أهم مصدر في لوحاتي، و أحاول خوض ذكرياتي البعيدة والتي تشبه الى حد بعيد صندوق ملّون مليء بالسحر والجمال والطفولة. أنا أرسم وأعيش في الغرب، هذا صحيح لكني جذوري في الوطن.
اين نجد تدوين الاحداث في لوحاتك، البعض يرى ان كاوو نحى منحا سورساليا يصعب تفسيره في بع الاحيان من قبل المتلقي اليومي؟
افسر الأحداث الكبرى من وجهة نظر جمالية، وحتى الحرب فاني ابحث عما يمكن ان احوله الى فعل جمالي فيها. أفتح نافذة مخمضة برائحة الورد والنساء الجميلات، واقتحم طريقاً آخر غير مسلك العنف ، أقرع اجراسي بعيدا عن الخراب والقتل. أعرف أن العالم مليء بالمعاناة والألم والحروب، لكن بالنسبة لي لا يستطيع الرسم أن يحل هذه المشكلات الكبيرة. أعتقد أن مشكلة الفنان هي جمالية بالدرجة الأساس. برأيي حتى الأعمال الكبيرة التي رسمت من وجهة نظر أيديولوجية أو أفكار معينة مثل جداريات المكسيك، بقيت بمرور الوقت قيمتها الجمالية فقط، وهذا هو سر بقائها الدائم. حتى جورنيكا بيكاسو كانت نتيجة ولم تكن حلاً على الإطلاق، فقد رسمها فرانكو قبل أن يرسمها بيكاسو .
ثمة تناسق لوني في لوحاتك ، جعل منك مهندسا يعيد ترتيب فوضى الألوان التي جعلت الكثير من الفنانين يتشابهون ولا يتميزون. كيف يختار كاووش ألوانه؟
انا مشبع بالألوان الشرقية، مثلما تسحرني الطبيعة الهولندية الخضراء وبحر الشمال. لوحاتي اليوم مساحات زرقاء تميل الى اللون الاخضر. حتى في السابق كان اللون الأزرق يسحرني دائماً ومثلما تظهر في هذا اللون برودة الغرب أو الشمال ففيه أيضاً سحر الشرق، كذلك يمكنني من خلال اللون الأزرق أن أرسم بتدرجات غير منتهية تقترب من الأخضر وتنتهي بالبنفسجي. لكني أستفيد أيضاً من كل الألوان والأشكال التي تحيطني، من إنعكاس المطر على الأرصفة المبللة وليس إنتهاءً بعلبة سكائر على الطاولة المجاورة، وفي كل الأحوال تتسلل بعض الألوان الحارة الى قماشاتي التي أرسمها لتستقر في زاوية هنا أو جانب هناك من اللوحة لتعطي بعض الحرارة ويكون هناك نوعاً من التوازن في إخراج اللوحة.
هل ثمة بيئة عراقية استثمرها كاووش لتطويع الغربة؟
لست رساماً واقعياً ولا اجسد الطبيعة، لهذا لا يستطيع البعض ملاحظة البيئة العراقية في لوحاتي. يمكنك ملاحظة الخلفيات أو في بعض الاشكال التي تظهر على أزياء وملابس الشخصيات والأشكال والخطوط التي تتقاطع أو المساحات والمناخات التي تظهر فيها أجواء الشرق وألف ليلة وليلة. حين تنظر الى لوحاتي بدقة تشاهد بعض الإكسسوارات التي إستوحيتها من الملابس والحلي الكردية والعربية. أنا إستفدت كثيراً من التقنيات الغربية لكني صغتها وأخرجتها بطريقة عراقية شرقية . حين أرى مثلاً بساطاً شرقياً جميلاً ويؤثر علي بشكل بصري، لكن تأثيره يظهر في لوحتي على شكل فستان لأمرأة أو خلفية للوحة وليس بالضرورة بساط. أحاول أن أفرغه من محتواه وأملأه بمحتوى جديد، فأنا أتعامل معه بلغة تشكيلية.
ما هي الصورة التي نقلتها خطوطك المتناسقة الى الغرب؟
الابتكار والتفرد عند الفنان يجب ان تكون مترادفة مع الصدق. كل لوحة أو منحوتة أو قطعة موسيقية مصنوعة بجمالية عالية وحساسية فنية كبيرة وأخّاذة، هي إشراقة جديدة تضاف الى تأريخ الفن وتأريخ البلد. الإبداع والحضور الشخصي هو من يحدد ذلك، احاول دائماً مثلما يحاول كثيرون أن أعكس صورة مضيئة وجميلة لبلدي وللشخصية العراقية، صورة ربما لا يعرفها الغربي بشكل جيد، فحين يقدمني مدير متحف أو صاحب جاليري في معرض على أني فنان عراقي يسألني الحاضرون بعدها عادة عن بغداد أو الأجواء في العراق، عن الدراسة أو التواصل الفني هناك، عن أكاديميات الفنون والثقافة بشكل عام وهل لدينا مدرسة عراقية في فن الرسم، كل هذا يطرح شيئاً اسمه العراق في الساحة الغربية لتتعرف الناس عليه بشكل افضل فالكثير منهم هنا في أوروبا يعرفون العراق على أنه بلد فيه حروب ونفط فقط، لكن حين تقدم لهم لوحات مبدعة تؤثر فيهم أو تعلمهم شيئاً عن ثقافة العراق وتخبرهم بشكل مناسب عن ظهور الكتابة في العراق قبل ستة آلاف سنة فالأمر سيكون مختلفاً مثلما حدث في معرضي الأخير نساء التركواز في عمان حيث قدمني السفير الهولندي في عمان للجمهور بفخر كوني فناناُ عراقياً أعيش في هولندا.
اين تكمن نجاحات الفنان اذا ما ابتعد عن وطنه، وكيف يستطيع ان يتجاوز هول الغربة واضطراباتها؟
موهبة الفنان وفرديته العالية وانسجامه في عالمه الجديد والإستفادة منه والتجريب والمحاولات التي لا تتوقف للحصول على فرصة عرض جيدة وبالتأكيد مع القليل من الحظ أيضاً. كل ذلك يسهم في نجاح الفنان. وهناك مسألة أخرى لا تقل أهمية وهي الطريقة التي تقدم نفسك بها كفنان. الفنانون الهولنديون عددهم لا يحصى وعليك أن تفكر كيف ستنافس كل هؤلاء وفي بلدهم، تحاول في البداية أن تقبل بفرصة صغيرة كخطوة أولى بحثاً عن حظوظك ونجاحك. وحين تتعلم لغة البلد الذي تعيش فيه تكون قد قطعت خطوة أساسية للمضي في هذا الطرق الملون والجميل… والصعب أيضاً. الوسط التشكيلي في هولندا لا يلتفت الى فنان أجنبي جيد، فهم لديهم الآلاف من ذلك، أنهم يلتفتون ويهتمون بالفنان المتفرد الذي يطرح شيئاً جديداً ومختلفاً عنهم ويضيف بصمة جديدة لمناخهم التشكيلي.
ثمة حنين الى الوطن يشير اليه كاووش في العديد من اعماله التشكيلية. كيف نجحت في تجسيد ذلك ؟
انا متواصل مع الوطن. وأزور العراق كلما سنحت لي الفرصة، وتربطني علاقات جداً مهمة مع كتاب وشعراء وفنانين عراقيين، وبالتأكيد ستسنح الفرصة للعودة النهائية وبشكل كامل للعراق وهذا كما تعرف يحتاج الى تحضيرات وإجراءات كثيرة بعد هذه الغربة الطويلة. الوطن يعيش معي في جسد واحد وكل ما رسمته من لوحات هو قبلة على جبين وطننا الغالي الذي أفخر أن أكون أحد أبنائه. لكن هذا لا يمنع من ظهور جذور من نوع آخر وبعض الأغصان الخضراء في البلد الجديد الذي تعيش فيه، المسألة ليست سهلة دائماً وعلينا النظر الى الموضوع من كل جوانبه، وفي النهاية علينا أن نختار مكاناً واحداً للعيش فيه… وأنا سأختار العراق بالتأكيد.
ما أهم انجازاتك التي تعتبرها علامة فارقة في مسيرتك الفنية في المغترب؟
انا منذ نحو عقدين خارج العراق. وهذه فترة طويلة وجيدة لمعرفة تطور الرسام ورؤية حضوره وتأثيره. وبالنسبة لي أقمت ما يقارب الأربعين معرضاً في هولندا وحدها منها معارض شخصية وأخرى مشتركة، كذلك عرضت في فرنسا وألمانيا والسويد وإيطاليا وأمريكا وغيرها. وقد إختارت منظمة العفو الدولية واحدة من لوحاتي وهي الحديث بصوت هاديء وطبعتها كبطاقة بريدية وزعتها في مناطق عديدة من العالم، وعرضت معرضاً شخصياً في مؤسسة بيت فان كوخ وهو بيت الفنان الشهير والذي عاش فيه في ثمانيات القرن التاسع عشر. ثم إختارت مجلة أتيليه لوحتي القبلة كغلاف لأحد أعدادها. وقد صدرت عني في هولندا ثلاثة كتب ملونة، والكتاب الأخير كاووش وعالمه السحري كتب مقدمته بالهولندية والإنجليزية مدير متحف درينته ميشيل فان مارسفين والكتاب موجود الآن في 22 مكتبه عامة في مدن هولندا من ضمن كتب الأستعارة. المهم حدثت أشياء كثيرة على صعيد الرسم والثقافة، وكل ذلك كان يطرح كوني فنان عراقي وهذا مصدر فخري وسعادتي.
AZP09