تلك الكتب
الترجمة وخطورة الموضوع
تشهد بعض الندوات والمؤتمرات التي تعقدها مراكز الابحاث والمؤسسات الاكاديمية والثقافية والعلمية طرح وتقديم افكار وموضوعات وتوصيات غاية في الاهمية، وذات ابعاد وضرورات ظرفية وستراتيجية مهمة، وذات جوانب مصيرية ، ولكنها لا تحصل على المتابعة والدراسة والتنفيذ، وتمر دون اية اجراء، والسبب واضح لان الجهات التي تطرحها وتدعو اليها لا تمتلك الصلاحيات والقدرات التي تؤهلها لاجراء المتابعة والدراسة والتنفيذ، او لان الجهات المخولة بذلك لم تتابع هذه الندوات والمؤتمرات، ولم تطلع على اعمالها ونشاطاتها ولم تتعرف على الندوات والمؤتمرات التي شهدت طرح وتقديم الافطار والموضوعات والتوصيات المهمة والخطيرة والملحة، وذات الابعاد المصيرية والظرفية والستراتيجية.
ويمكن القول: ان اكثر النشاطات الاكاديمية والبحثية والثقافية والعلمية تتوفر على افكار وموضوعات وتوصيات مهمة وخطيرة ومصيرية، وذلك ما يحصل في معظم الرسائل والاطروحات الجامعية، ولكنها تمر دون متابعة ودراسة وتنفيذ، وكأنها لا تعني غير الباحثين فقط، وغير الذين بادروا الى تقديمها وطرحها، وكأنها مطروحة للالقاء والمناقشة المحدودة والانية، وليس لها علاقة بالجهات المعنية بها من حيث التطبيق والمتابعة المستمرة، وقد يزعم البعض ان اثارة الافكار والموضوعات والتوصيات المهمة والمصيرية دون تنفيذ هو مضيعة للوقت والجهد، وقد يزيد المشكلات تعقيدا وتراكما، ويدفع الى المزيد من الصعوبات، وهذا غير صحيح لان الاثارة والطرح يدفعان المشكلات من التهميش والإهمال الى الظهور، ويدفعان الى الطرق على ابواب الجهات المعنية للالتفات اليها ودراستها، وتقديم الحلول والمعالجات الضرورية والمناسبة لها.
ومع ان قسم دراسات الترجمة في بيت الحكمة هو قسم يعنى بالترجمة ومشكلاتها وشؤونها النظرية والعملية وما تشهد من نظريات وتطورات اجرائية، ومع انه يهتم بالعلاقات بين اللغات على صعيد التاريخ والمفردات والقواعد اللغوية، ويهتم بدراسة اللغات والترجمة عنها، الا انه يطرح في وأغلب ندواته ومؤتمراته افكاراً وموضوعات وتوصيات ذات ابعاد حضارية وسياسية واجتماعية ودينية، وذات ابعاد مصيرية بالنسبة للعرب والمسلمين، ويمكن تلمس الكثير من الاهمية والضرورة في نشاطات دراسات قسم الترجمة في بيت الحكمة، ولكن من اكثرها اهمية الندوتان اللتان اقامها القسم عن ترجمة القرآن الكريم من اللغة العربية الى اللغات الغربية الاوربية واللغات الشرقية، فقد كشفت هاتان الندوتان ان اغلب الترجمات القرآنية من العربية الى اللغات الغربية الاوربية واللغات الشرقية هي تعاني قصوراً كبيراً في نقل معاني ودلالات القران الكريم، وقد تتعامل مع مفردات القران بما يحد من معانيها ودلالاتها، ويجعلها ذات دلالات جزئية، كما ان هناك ترجمات عبرت عن مقاصد واغراض سياسية وفكرية مغرضة ومشبوهة ومعادية، وهناك ترجمات استهدفت ارجاع القرآن الكريم الى مصادر ومراجع سابقة على نزوله، كما ان بعض اللغات شهدت اكثر من ترجمة، وليس هناك من يتصدى لدراسة هذه الترجمات، واختيار الافضل منها، وكشفت هاتان الندوتان ان بعض المترجمين من غير المسلمين حاول من خلال ترجمة القران الكريم استغلالها للاساءة للثقافة العربية والاسلامية، وانها ثقافة تابعة ، وذات اعتماد على ثقافات اخرى. وليس بامكان قسم دراسات الترجمة في بيت الحكمة ان يطرح الحلول والمعالجات لمثل هذه الترجمات، ولكن بامكانه ان يتابع هذا الموضوع الخطير والمصيري من خلال ندوات اخرى تقام بالتعاون مع كليات اللغات واقسامها في الكليات الاخرى، لتتناول جميع ومختلف الجوانب ذات العلاقة بترجمة القران الكريم من اللغة العربية الى اللغات الاخرى، ومن ثم عقد ندوات ومؤتمرات على الصعيد العربي والاسلامي لتناول جوانب اخرى من جوانب الترجمة القرانية الى اللغات الاخرى.
ومثل هــــــــــذه الندوات المهمة يمكن ان تؤدي الى انضاج وبلورة رأي عام عربي واسلامي واعلامي بضرورة مراجعة ترجمات القران الكريم الى اللغات الاخرى ودراسة ما تنـــــــــــــطوي عليه من سلبيات وايجابيات على ان يتم ذلك من خلال جهود وقدرات مشتركة، عربية واسلامية واجنبية، وان يتم من خلال تبني مؤسسات عالمية مثل هذا المشروع الذي يمكن ان يقدم مساهمة فاعلة ومؤثرة في الحوار بين الشعوب والاديان والتجارب، وفي ابعاده عن التعصب التوظيفي المشبوه والمقصود، وابعاده عن الاغراض السياسية للاستشراق.
رزاق ابراهيم حسن