التداعيات السلبية لتلوث مياه دجلة والفرات
عماد علو
في نيسان الماضي تعرض انبوب نفطي ما بين بيجي وكركوك الى عمل تخريبي ادى الى تسرب كميات من النفط الى مياه دجلة، ما ادى الى تكون بقعة نفطية كبيرة غطت مساحة واسعة من المسطح المائي لنهر دجلة . وسارعت وزارة الداخلية الى اتهام المواطنين بإشعال النفط المتسرب مما اسفر عن حريق ضخم ادى التصاعد دخان كثيف غطى اغلب مدينة تكريت واسفر عن وفاة طالبة واصابة العشرات من المدنيين بحالات اختناق”. وذكر بيان لوزارة البيئة ان “فرق معالجة المخلفات النفطية والكيمياوية بوزارة البيئة تقوم بمعالجة وازالة بقعة الزيت التي تسربت الى مياه نهر دجلة ، الا ان تلوث النهر بمخلفات البقعة الزيتية هذه تسبب بخسائر كبيرة امتدت الى جنوب مدينة بغداد واثرت بشكل سلبي على النظام البيئي للمنطقة القريبة من نهر دجلة . ومن الجدير بالذكر ان ما يلوث دجلة ايضا” مخلفات المستشفيات والمجاري حتى اصبحت مياه نهر دجلة غير صالحة للبناء في بعض مناطقها وليس للشرب كونها قد تعرضت الى اقسى عملية للتلوث فالمعامل والمستشفيات ومحطات الصرف الصحي تلفظ فضلاتها من دون معالجة الى دجلة فأصبحت هذه المياه ملوثة بقدر مخيف ومرعب لا يمكن لمحطات التصفية التقليدية العاملة حاليا عليها والمنفذة منذ سبعينات وثمانينيات القرن الماضي ان تواجه هذا الكم الهائل من الملوثات. ولأن فضلات المعامل والمستشفيات تحتوي على معادن ومركبات كيميائية تحتاج الى تقنيات متطورة في مشاريع المعالجة، فنجد ان هذه الفضلات القاتلة والسامة تلقى الى مشاريع التصفية وتخرج منها كما دخلت لان هذه المشاريع لا تحتوي على أي مرحلة مخصصة لمعالجة هذه الملوثات فنجد انفسنا قد حصلنا على مياه ملوثة عند مدخل انبوب مشروع التصفية أي منذ بداية عملية التصفية. وتعد المبازل الزراعية مصدر كبيرا لزيادة الملوحة في نهر دجلة بسبب ما تحويه من املاح تصل الى 40 بالمئة فيطرح اكثر من مليار متر مكعب سنوياً من مياه المبازل التي تكون فيها نسبة كبيرة من الملوحة في نهر دجلة وهذا عامل مؤثر كبير في رفع نسبة التلوث والملوحة.
اما بالنسبة لنهر الفرات فان العمليات العسكرية الجارية في سوريا ومحافظة الانبار القت بظلالها على البيئة القريبة من نهر الفرات و تلوث مياه نهر الفرات بسبب تسربات واسعة لمياه الصرف الصحي المفتوحة على النهر يضاف إليها مخلفات السيول خلال الأمطار الغزيرة، حيث إن هذه السيول تصب في مياه النهر جارفة معها الكثير من الأوساخ والقاذورات وذلك لعدم وجود سدود سطحية عليها، بالإضافة الى تسرب فضلات ومخلفات عدد من المعامل، تصب مخلفاتها في النهر، أبرزها معامل السكر ومعامل الورق التي لا تقل خطورة مخلفاتها عن مياه الصرف الصحي، حيث إن مخلفاتها سامة وتضر بالمزروعات التي يتم سقايتها من مياه النهر فكيف إذا كان هناك أناس يشربون من النهر؟! وتشير قياسات ملوحة نهر الفرات في عدد من المحافظات الجنوبية الى أن مستويات الملوحة ازدادت بشكل غير طبيعي اعتبارا من منتصف سبعينات القرن الماضي ومنذ ذلك الحين وحتى الان فأن مياه نهر الفرات في السماوة والناصرية بصورة خاصة سجلت معدلات عالية وصلت في مدينة الناصرية الى أكثر من خمسة الاف جزء بالمليون (المياه الصالحة للشرب يجب أن لا تزيد ملوحتها عن الف جزء بالمليون) . المشكلة الاخرى المتعلقة بتلوث المناطق البيئية القريبة من حوض الفرات ظهرت عندما اغلق الارهابيون سدة النعيمية على نهر الفرات جنوب مدينة الفلوجة مما تسبب بغرق العديد من الاراضي الزراعية واحتمال وصول المياه الى مناطق الطمر الصحي في بغداد، الامر الذي سيترتب عليه تداعيات صحية واجتماعية وإنسانية وتأثير مباشر على البنى التحتية .
في وقت يؤكد خبراء أن مياه نهري دجلة والفرات تشهد ارتفاعا” متصاعد” في نسب التلوث ، وذلك بسبب الآثار السلبية التي تتركها مشاريع الري في دول الجوار خصوصا” تركيا وإيران على مياه نهري دجلـــــة والفــــــرات هذا بالإضافة الى انخفاض مناسيب النهرين بسبب تلك المشاريع بشكل بات يترك آثارا” كارثية علي البيئة والمساحات الخضر والزراعة والثروة الحيوانية وبالتالي علي الإنسان في العراق ، حــــيث أن انخفاض كمّيات المياه المتدفّقــــة مــن منابع النهرين في تركيا، يؤدّي إلي اتّساع ظاهرة التصحّر وانتشار الكثبان الرملية وحصول تغيّرات مناخية، إضافة إلي تدهور المراعي الطبيعية ونوعية المياه وزيادة نسب ومعدلات التلوّث في مياه النهرين ، الأمر الذي ينعكس بشكل خطر علي الزراعة ومياه الشرب وتوليد الطاقة، وبدرجة أكبر علي المشاريع المتعلّقة بإنعاش منطقة الأهوار والبيئة. وترفض تركيا عد دجلة والفرات من الأنهار العابرة للحدود، وهي تري أن النهر الدولي هو النهر الذي يرسم حدوداً بين دولتين متشاطئتين، وعليه فإن تعريف الأنهار الدولية من وجهة نظرها لا ينطبق عليهما، ومن هنا فإن مياه النهرين تخضع للسيادة التركية إلي حين وصولها إلي الحدود. و تعبر تركيا عن موقفها هذا من خلال البرامج والسياسات الخاصّة بالاستثمار المكثّف لمصادرها المائية في جنوب الأناضول وشرقه، وهي المنطقة المتاخمة للحدود السورية ـ العراقية، من خلال بناء العشرات من السدود والمحطّات الكهربائية في إطار مشروع (GAP) وفي مقدّمها سدّ (أتاتورك) علي نهر الفرات ، وسدّ (اليسو) علي نهر دجلة المقرّر إنجازه العام 2013، وهو ما سيؤدّي إلي تغيير الخارطة المائية في هذا المثلّث ، وقد يجر المنطقة إلي نزاع جديد بشأن المياه يضاف إلي الصراعات السياسية والعرقية التي تجعلها من أكثر المناطق توترا” في العالم .. ويري خبراء القانون الأتراك أن نهر الفرات لا يصبح دولياً إلاّ حين ينضم إلي دجلة في الأراضي العراقية ، مكوّناً شطّ العرب الذي يشكّل الحدود العراقية ـ الإيرانية. والطريف والغريـــب في الوقت عينه أن تركيا تعد مياه دجلــــــة ميـــــاهاً وطنيــة عابرة للقارات، ولها حق السيادة المطلقة علي النهر ومياهه ، وأن ما تمرّره من كمّيات من المياه إلي كل من سوريا والعراق تضحية منها وليس واجباً، فضلاً علي إصرارها علي أن حوضيّ دجلة والفرات يشكّلان حوضاً واحداً، رافضة مبدأ القسمة أو توزيع المياه. ولا يختلف موقف إيران كثيراً عن تركيا في ما يتعلّق بالأنهار المشتركة مع العراق، فهي لم تتوقّف عن تحويل معظم الروافد المائية التي تغذّي نهر دجلة ، مما يخفض المياه المتدفّقة في اتجاه الأراضي العراقية ويسيء إلي نوعيّتها ويزيد نسب التلوّث. وفي خضم الخلافات المحتدمة تحت السطح حتى الآن بـــــين تركــيا والعراق وإيران وسوريــــا بشأن مياه دجلة والفرات، لابد من بذل المزيد من الجهود الدبلوماسية ً إقليمياً ودوليـاً لتأكيد دولية مياه النهرين وضرورة تحديـــد الوارد المـــائي الطبيعي، ووضع آليّة متّفق عليها لتقاسم عادل ومنصّف للمياه في حوضي دجلة والفرات استناداً إلي القانون الدولي للمياه. بالإضافة الى ذلك كله لابد من القيام بحملة توعية وجهود دولية للحفاظ على مياه النهرين الخالدين دجلة والفرات وحمايتهما من التلوث .