التحديات التي تواجه العراق في حل مشاكله المزمنة وسبل المعالجة – مسعود حيدر
مر العراق بمراحل سياسية عصيبة منذ تأسيسه، ولم يرى استقرار سياسيا لكي يبدأ بمرحلة التنمية الاقتصادية منذ العهد الملكي لحين سقوط نظام البعث الذي هدر مئات المليارات من الدولارات في حروب اقليمية وداخلية سيظل العراق وشعبه يعاني من تبعاته لعقود من الزمن.
لكي نسلط الضوء على التحديات التي تواجه العراق اثناء حكومة السيد الكاظمي، من المهم نلقي نظرة على؛
1- المقومات الاساسية للدولة العراقية
التركيز على السكان والجغرافيا والاقتصاد
2- حكومة السيد الكاظمي والتحديات التي ورثتها
3- دوافع تحسين الوضع في العراق من اجل شعبه والمنطقة والعالم.
فيما يتعلق بمقومات الدولة العراقية؛
فان العراق بلد غني بالثروات الطبيعية من النفط والغاز ولديه احد اكبر احتياطات العالم النفطية، المكتشف الى اللحظة من النفط هو مائة وخمسون مليار برميل نفط وهنالك تقديرات بوجود مئات المليارات الاخرى من النفط الغير مستكشف لحد الان بالاضافة الى ثراء العراق بالغاز الطبيعي. ويتمتع العراق بالمياه من نهري دجلة والفرات واراضي زراعية مروية خصبة من الممكن ان يجعل من العراق افضل الدول المنتجة زراعيا في المنطقة.
يمتلك العراق نظام سياسي فيدرالي ديمقراطي مؤهل لادارة افضل للبلد وموارده مقارنة بما هو عليه الان. اجمالي الناتج المحلي يتجاوز 200مليار دولار وهو قليل مقارنة بعدد السكان الذي يقارب 40مليون نسمة.يشكل ما نسبته % 58? من السكان من الشباب ودون 25سنة وهذا يجعل من العراق دولة ذو غالبية شبابية مؤهلة للنمو الاقتصادي بوجود حكم رشيد لموارده المالية والبشرية.
يتكون الشعب العراقي من قوميتين رئيسيتين وهما الكورد والعرب بالاضافة الى التركمان، وعلى اساس ديني يتكون من السنة والشيعة والمكونات الدينية الاخرى كالمسيحيين واليزيديين والشبك واخرين، بالاضافة الى هذه الانقسامات فان المكونات منقسمة الى انقسامات اجتماعية معقدة على اساس القبائل والحضر والريف مما يجعل من المشهد الاجتماعي العراقي معقدا جدا.
ان من اهم عوامل عدم استقرار العراق هو تشكيل هذه الدولة من ارث الامبراطورية العثمانية ودون اخذ رأي المكونات المكونة لها ونخص بالذكر الشعب الكوردي الذي يتميز بجغرافية وثقافة ولغة خاصة به تختلف تماما عن القومية العربية.
رغم مرور وقت قليل على تشكيل حكومة السيد الكاظمي والتي من السابق لأوانه تقييمها والحكم عليها إلا ان الاحباط بدأ يظهر على الشارع العراقي وبعض النخب السياسية التي ترى بأن كسر الطوق الذي وضعه الاحزاب الشيعية حول الحكومة الاتحادية شبه مستحيلة وخطوات السيد الكاظمي لتقليص حجم ودور الدولة العميقة تبدل دولة عميقة بأخرى من داخل البيت الشيعي وتخل بالتوازن المكوناتي الذي اكد عليه الدستور العراقي.
ورث السيد الكاظمي وحكومته مشاكل كثيرة نلخص اهمها بما يلي؛
1- وجود اجهزة بيروقراطية للدولة ومؤسسات غير فعالة ينخر فيها الفساد الى ادنى المستويات في السلم الوظيفي. ترسيخ الدولة العميقة الى درجة ان الموظف البسيط يعرقل ولا ينفذ الاوامر الادارية التي تصدر من الوزير او من رئاسة مجلس الوزراء. والعدد الهائل من الموظفين الذين يشكلون بطالة مقنعة في الدولة العراقية. حيث تم تعيين مئات الالاف خلال السنوات الماضية من قبل الاحزاب لكسب اصواتهم دون الحاجة اليهم وبدأ هؤلاء يشكلون عبئا ماليا كبيرا على موازنة الدولة وعاملا للبيروقراطية والفساد.
2- مواجهة مشكلة تضخم شريحة الشباب.
متوسط عمر الشباب في العراق 21 سنة، حيث لا يعلم هؤلاء الا القليل او لا شئ عن السنوات قبل 2003، والمطلب الاساسي لهذه الفئة من المجتمع هو فرص العمل والخدمات والحياة الكريمة اسوة بأقرانهم في دول المنطقة والعالم. كما انهم يطالبون باصلاح النظام ومحاربة الفساد وتقليص نفوذ دول المنطقة وتدخلاتهم وتغليب مصلحة العراق ومكوناته من قبل الاحزاب الحاكمة على اية مصالح اخرى.
3- اجراء الاصلاحات الاقتصادية والتنمية.
النظام الاقتصادي الذي بُنيَ في العراق بعد عام 2003هو نظام ارضاء الناس على حساب مستقبلهم ومستقبل الاجيال القادمة.سينهار هذا النظام الاقتصادي إن لم نبدأ بأتخاذ قرارت سياسية و اقتصادية(مالية وادارية وتشريعية) تؤدي الى نهوض الاقتصاد العراقي خلال عقد من الزمن وعلى ركائز الانتاج والشفافية ومحاربة الفساد. من الواجب اخذ النمو السكاني السريع بنظر الاعتبار في العراق، و التفكير بكيفية استيعاب هذا العدد المتزايد من الايدي العاملة الشبابية، حيث دخل سوق العمل في عام 2018بحدود 850الف من الطاقة الشبابية من الدراسة الثانوية والجامعية واستطاعت الحكومة استيعاب حوالي 50 الف فقط من هؤلاء، هذا العدد سيصل الى مليون شاب سنويا، عدم ايجاد فرص عمل لهؤلاء سيؤدي الى زعزعة الاستقرار. الاقتصاد هو محور الاستقرار السياسي والامني والمجتمعي. الحلول الترقيعية والاعتماد على الاقتصاد الريعي وعدم تنويع مصادر الايرادات وتقوية القطاع الخاص لتوفير فرص العمل يؤدي بنا جميعا الى المهالك وانهيار اقتصادنا ولو بعد حين.
4- الدفاع عن سيادة العراق
كنتيجة لعدم وجود الاستقرار السياسي والاقتصادي وانتشار الفساد والبيروقراطية في مؤسسات الدولة وهشاشة الوضع الامني والانقسام داخل قواته وعدم السيطرة على السلاح فإن الابواب مفتوحة للتدخلات الاقليمية والسيادة العراقية محل تساؤل ولا تستطيع الحكومة ردع التدخلات الاقليمية في شؤونه. وهو ما زال تحديا كبيرا امام حكومة السيد الكاظمي.
5- اقليم كوردستان وعلاقاته مع بغداد
حصل الكورد منذ عام 1992على استقلال شبه كامل وعادوا طوعا بعد عام 2003 الى بغداد وساهموا بشكل فعال في بناء الدولة العراقية وضمنوا بعضا من حقوقهم كشعب في الدستور الجديد، وبني العراق على اسس الشراكة والتوافق والتوازن. ادرك الكورد بأن حكام بغداد بدؤا بالتنصل من تطبيق الدستور فيما يتعلق بحقوق الكورد وظهر ذلك جليا بعدم تطبيق المادة 140بنهاية عام 2007، وبدأت السلطات في بغداد بالتعامل بأنتقائية مع الدستور وتحريك القوات المسلحة ضد البيشمركة في السنوات اللاحقة في ديالى وكركوك وكان ذلك تجاوزا كبيرا على المادة 9 من الدستور، ثم ظهرات ملامح التجاوز على الشراكة في صنع القرار وادارة مؤسسات الدولة والتجاوز على التوازن المكوناتي والتوافق في اتخاذ القرارات والتشريعات، كل ذلك ادى الى زيادة الهوة وتقليص الثقة بين الاقليم وبغداد، وبعدم تشريع قانون النفط والغاز ازدادت الاشكاليات اكثر الى ان قطعت بغداد موازنة الاقليم ورواتب موظفيه الذين هم حسب الدستور موظفين يخدمون مؤسسات الدولة الفدرالية باعتبار مؤسسات الاقليم مؤسسات دستورية. وقد وصل التجاوز على المواد الدستورية من قبل بغداد الى 50مادة، بما فيها استخدام القوات في 16اكتوبر 2017من قبل حكومة العبادي.
المعالجات:
للبدء بمعالجة مشاكل العراق؛ يحب ان نعمل على اعادة الثقة بين مكونات الشعب العراقي، والخطوة الاولى لذلك هي بلورة إرادة سياسية عراقية لرسم مستقبل البلد وآلية التعاون في ادارته ضمن اطار الدستور بترسيخ الشراكة والتوافق والتوازن والنظام الفدرالي الحقيقي للدولة. وفي ضوء ذلك العمل على مايلي؛
1- التنسيق بين الجيش العراقي والشرطة وقوات البيشمرگة في المناطق المتنازعة خصوصا والعراق بشكل عام وتقوية القوات الامنية والجهد الاستخباري لمحاربة داعش.
2- ترسيخ استقلالية العراق لردع نفوذ الدول الاقليمية واجنحتها من النشاط في العراق لمنع تحقيق اهدافها الاستراتيجية وذلك بوجود قوات امنية وعسكرية ضمن الاطر الدستورية موالية للدولة.
3- ضرورة دعم المجتمع الدولي للاقليات والتجانس المجتمعي الذي يعتبر عامل قوة للدولة والنظام السياسي وتقديم الدعم المالي لإعادة اعمار المناطق المحررة.
4- اقتصاد يعتمد بنسبة كبيرة على القطاع الخاص، ويجب الاستثمار في قطاعي النفط والطاقة والزراعة والصناعة المحلية والبنى التحتية لبناء اقتصاد قوي. من الضرورة تكامل اقتصاد العراق مع دول المنطقة والمحيط العربي، وتوسيع العلاقات مع دول الخليج وتعتبر المملكة العربية السعودية هي مفتاح هذا التوسيع. ومن اللزام البدء بالاصلاح الاقتصادي والانفتاح على رجال الاعمال والشركات لتوفير فرص عمل ودعم الاستقرار.
5- على الحكومة الاتحادية في بغداد ترتيب الاولويات والتعامل مع كل من واشنطن وايران، وعلى البلدين تفهم الوضع العراقي في صراعهما وسياساتهما. ومن المهم ان لا يمس نفوذ اي بلد السيادة العراقية ولا يعرقل التطور الاقتصادي ولا يزعزع استقراره السياسي ولا يورط العراقيين في حروب خارج حدوده. حيث يحتاج العراق للغرب لتطوير قواته الامنية وبناء اقتصاده واعادة اعمار مناطقه المحررة من داعش.
6- التعامل بمسؤولية مع الملف الاقتصادي واشكالياته بين الاقليم وبغداد وعدم جعل رواتب موظفي الاقليم جزءا من الاشكاليات السياسية، كما يجدر بالحكومة الاتحادية ان تحترم السياقات الدستورية وتضع سقفا زمنيا محددا لتطبيع الاوضاع في المناطق الخاضعة للمادة 140من الدستور وتتعامل مع قوات البيشمرگة كجزء اساسي من المنظومة الدفاعية العراقية وتوفر لها الدعم اللوجستي والمالي ولا ترضخ للمزايدات السياسية من بعض الاصوات التي تحاول اضعاف اللحمة الوطنية لمصلحة اجندات خارجية وذاتية.
وجود قوات التحالف الدولي
ابرمت الحكومة العراقية مع الولايات المتحدة اتفاقا بسحب قواته من العراق وشرع البرلمان العراقي ذلك في القانون رقم 51 لسنة 2008، وقد اتفق الطرفان على اطار استراتيجي للتعاون في مجالات متعدد ووضع ذلك في اطار القانون رقم 52 لسنة 2008 وانسحبت القوات في نهاية .2011 في عام 2014 وبعد سيطرت داعش على مناطق واسعة من العراق، طلبت الحكومة العراقية قدوم قوات من التحالف الدولي بما فيها الولايات المتحدة لدحر داعش ومساعدة العراق وتدريب قواته والمخابرات للتعامل مستقبلا مع التهديدات الامنية والمنظمات الارهابية. وعلى ضوء ذلك بنيت قواعد مشتركة بين قوات التحالف الدولي والقوات العراقية.
إن عدد قوات التحالف الدولي ضئيلة ولا تؤدي مهام قتالية وانما تقوم بالتدريب والتوجيه والتخطيط وتهيئتها لمحاربة الارهاب وردع المخاطر بشكل افضل وتطويرها. وقد تم التطرق الى هذا الامر في الحوار الاستراتيجي بين العراق وامريكا، ومن الجدير بالذكر في هذا الشأن ان القرار الذي اصدره البرلمان العراقي اخذ صبغة طائفية بسبب مقاطعة مكونين اساسيين لتلك الجلسة بالاضافة الى ان قرارات البرلمان غير ملزمة للحكومة ولا يحق لمجلس النواب اصدار قرارات ذو بعد تشريعي استنادا الى قرار المحكمة الاتحادية. كما ان مغادرة قوات التحالف الدولي ستترك اثارا خطيرة على الوضع الامني والاقتصادي للعراق.
اخيرا وليس اخرا، فإن المهمة الصعبة للحكومة الاتحادية العراقية برئاسة الكاظمي في هذه المرحلة هي خلق التوازن بين النفوذ الايراني عبر وسائله المتعددة وبين النفوذ الامريكي وتأثيراته على الاقتصاد العراقي من خلال قواته التقليدية، والمصلحة العراقية تقتضي خلق هذا التوازن لضمان الاستقرار السياسي والامني وبناء الاقتصاد العراقي.
{ مستشار الرئيس مسعود بارزاني