الأسرة أساس المجتمع يتعين المحافظة على كيانها -2-
التجمعات السكانية العشوائية بيئة لتصدير أطفال الشوارع
راضي النداوي
ج- الحق في الحفاظ على الهوية والجنسية والأسم والصلات العائلية .
د- الحق في أعلى مستوى ممكن بلوغه من الصحة .
ذ- التعليم الأبتدائي مجاني وإلزامي .
و- الحماية من الأهمال العائلي .
ز- الحماية من الأستغلال الأقتصادي .
ح- الحماية من الأهمال والأساءة . ط- حماية الأطفال المنحرفين أو المهددين بالأنحراف .
ي- حق الأطفال المعوقين في الحصول على علاج وتربية ورعاية خاصة .
ك- تمتع أطفال الأقليات والشعوب الأصلية بثقافتهم ودينهم ولغتهم بكامل الحرية .
ل- منع أختطاف الأطفال والأتجار بهم (9) .
_ملاحظة :-
أبرم العراق الأتفاقية عام 1994 .
3- تم تأسيس لجنة حقوق الطفل (CRC ) في عام 1989 (10) . وتتألف من ( 18 ) خبيراً في قضايا الطفولة ويتم أنتخابهم من قبل الدول الأعضاء في الأتفاقية ومدة ولايتها ( 4 ) سنوات مهمتها:-
أ- رصد ومتابعة تطبيق أتفاقية حقوق الطفل من جانب الدول الأطراف .
ب- تتلقى التقارير عن نفاذ أحكام الأتفاقية وعن التقدم المحرز في تطبيقها .
ج- تتلقى التقارير من المنظمات الأهلية .
د- تتلقى التقارير من المنظمات المتخصصة في الأمم المتحدة (11).
***
4- وحرصاً من حكومة جمهورية العراق , فقد صادق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الأسبوع الثاني من نيسان 2012 على تنفيذ أحكام البروتوكول الأختياري لأتفاقية حقوق الطفل المتعلق بأشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة .. حيث صرح علي الدباغ الناطق بأسم الحكومة العراقية بأن الأهتمام الكبير الذي يوليه العراق لقضايا الطفولة من خلال أنشاء هيئة الطفولة وأعداد مشروعات قوانين تعنى بشؤون المرأة والطفل بأعتبار أن العراق عضو في الأمم المتحدة منذ عام \ 1945 \ . وأضاف بأن العراق يسعى اليوم ليكون دولة قانون محباً للسلام وحامية لحقوق الأنسان فيما فيها حقوق الطفل ورادعة لأي أنتهاك لهذه الحقوق . وبين الدباغ بأن الحكومة العراقية وضعت برامج خاصة لغرض تمتع الأطفال بطفولتهم بعيداً عن العنف والأعمال الأرهابية كأنشاء برلمان الطفل لتعزيز روح المشاركة في الحياة العامة والتمتع بحرية التعبير عن الرأي في جميع أنحاء العراق والأهتمام بحق التعليم النوعي والجيد ورفع المستوى المعاشي للعوائل العراقية وتطبيق نظام شبكة الحماية الأجتماعية للحد من تأثير الفقر ووضع برامج ناجحة للحد من أنتشار ظاهرة أطفال الشوارع . وأضاف بأن هناك قانون في طريقة للتشريع خاص يمنع الأتجار بالبشر .. وأضاف بأنه تم الأهتمام بالعوائل النازحة والمهجرة لمنع أستغلال أطفال تلك العوائل في أي نزاعات مسلحة أو أعمال عنف والشروع بوضع مشروع قانون خاص بالعنف الأسري (12) .
***
_الواقع المأساوي لأطفال العراق
وبعد أن أستعرضنا ما جاء في دستور العراق وبعض القوانين العراقية الخاصة بحقوق الأطفال والأجراءات الخاصة بحماية الطفولة وآخرها ماتم التصريح به من قبل السيد علي الدباغ الناطق بأسم الحكومة العراقية لوسائل الأعلام العراقية يوم 15\4\2012 والذي نشر في الصحف يوم 16\4\2012 وكذلك ألتزام جمهورية العراق بأحكام العهود الدولية الخاصة بحماية الطفولة والتي كلها مواد رائعة وقوانين محترمة وعهود دولية ذات أبعاد أنسانية رائعة وتصريح للحكومة على لسان ناطقها بأن الأطفال سيعيشوا حياة كريمة تحترم فيها أنسانيتهم , هذا هو الواقع النظري المسطور على الورق أو على لسان الناطق بأسم الحكومة , ولكن ماهي حقيقة الواقع الفعلي والعملي لحــــقوق الطفل وما يعانيه من حياة بائسة ومأساوية ليس فيها أي ذرة من الكرامة الأنسانية وســـــنذكر نماذج من هذه المآسي مع رأي ذوي الصلة في المسؤولية أو منظــــمات المجــــــتمع المدني وكـــــــما يأتي:-
1- أن عمل الطفل يهدد سلامته وصحته , عمل الطفل أستغلال لا أنساني لطفل ضعيف غير قادر على الدفاع عن حقوقه , عمل الطفل أستغلال عمالته الرخيصة بديلة عن عمل الكبار , عمل الطفل لا يساهم في تنميته بل العكس يحدث حيث أنه يعيق تعليم الطفل وتدريبه ويغير حياته ومستقبله , أضافة لما تترتب على عمل الطفل من آثار أجتماعية أخرى . وبالرغم من الطفل في أتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989 قد منعت الأستغلال الأقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطراً أو يمثل أعاقة لتعليمه أو أضرار لصحته أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي وألزمت الأتفاقية الدول الأعضاء أن تكفل هذه الحماية وفرض عقوبات مناسبة لتطبيق هذه النصوص . والمقصود في الطفل هو من كان دون سن 18 عاماً . وبما أن العراق من المصادقين على هذه الأتفاقية إلا أن واقع الحال يشير إلى حالة أرتدادية مخيفة حيث يشير تقرير (منظمة اليونيسيف ) التابعة للأمم المتحدة لعام 2011 حيث تذكر المنظمة وكما جاء على لسان ممثلها في العراق السيد أسكندر خان الأرقام المخيفة الآتية (13) .
أ- حجم عمالة الأطفال بين سن الخامسة وال 14 سنة يصل إلى (800,000 ) ثمنمائة ألف طفل .
ب- وجود مليون طفل تحت خط الفقر .
ج- وجود مليون و ( 500 ) ألف طفل يعانون نقص التغذية .
د- وجود حوالي ( 750 ) ألف طفل غير مسجلين في المدارس الأبتدائية نصف هذا العدد من المناطق الريفية .
ذ- وجود ( 800 ) ألف طفل يتيم .
و- وجود ( 900 ) ألف طفل من المهجرين في الداخل .
***
وزارة العمل والشؤون الأجتماعية شككت بهذه الأرقام ولكنها لم تقدم أحصائية بديلة وقالت كوثر أبراهيم مديرة هيئة الرعاية في الوزارة بأنه لا يمكن أعطاء هكذا أحصائيات إلا من خلال التعداد السكاني في العراق (14) . وبالتأكيد أن هذا الجواب من الوزارة المعنية غير مقبول لأن منظمات المجتمع المدني هي منظمات أنسانية غايتها العناية بالطفولة في العراق وليس العكس ويفترض بالوزارة أن تتعاون مع هذه المنظمات إذا لم تكن لديها آلية أو أمكانيات لمتابعة هذه الحالة المأساوية لما آلت أليه شريحة الأطفال . ونعود لأستكمال هذا الموضوع الحيوي حيث أن ذكر الحالة بشكل مجرد وبدون ذكر الآثار والأنعكاسات المترتبة عليها تكون بدون جدوى ويمكن حصر الآثار بالآتي (15) :- أولاً – الآثار الجسدية :- حيث أن عمالة الأطفال بسن مبكرة تعرضهم للعاهات والأضرار الجسدية أو أصابتهم بأمراض ذات طبيعة معينة ترتبط بنوعية العمل الذي يمارسه الطفل ويؤكد المختصون بالطفل بأن هناك علاقة طبيعية بين العمل المبكر وبين أصابة الطفل بعاهة أو مرض معين , وقد يدفعهم الحال أيضاً إلى ممارسة عادة التدخين وما يترتب عليها . كما أن صحة الطفل من حيث التناسق العضوي والبصر والسمع التي قد تتأثر نتيجة الجروح والكدمات الجسدية التي يتعرض اليها من جراء العمالة .
ثانياً – الآثار السلوكية :- أن ممارسة الأطفال للعمل بعيداً عن متابعة الأبوين أو المرشد تؤدي إلى أن يمارس الطفل العديد من الممارسات السلوكية كأرتياد دور السينما أو أماكن ألعاب متنوعة ,ويندفع قسم منهم إلى تناول المخدرات أو الحبوب المهدئة والتي يمكن أن تحرف الطفل سلوكياً عن الطريق السوي .
ثالثاً – الآثار الأقتصادية :- هناك آثار وتداعيات أقتصادية تؤثر سلباً على الدولة حيث أن ترك الطفل المدرسة وأنخراطه في العمل يحمل الدولة أعباء أقتصادية كبيرة أضافة إلى التكاليف الأجتماعية، فمكاسب تعليم الأطفال وتأهيلهم تفوق ( 6,7 ) مرات ما إذا تركوا التعليم وأنخرطوا في العمل .
رابعاً – الآثار الأجتماعية :- أن زج الأطفال في العمل يكون سبباً في ترك المدرسة وبالتالي ضعف قدرته العلمية وأنخفاض قدراته الأخرى وبالتالي يصبح من الصعب عليه الأندماج في المجتمع.
***
بعد أن عرفنا الآثار المترتبة على عمالة الأطفال لابد لنا أن نتوقف عند الأسباب التي أدت إلى أنتشار هذه الظاهرة بهذا الشكل المأساوي , حيث يعيد البعض بروز ظاهرة عمالة الأطفال إلى سنوات الحصار الأقتصادي الجائر الذي فرض على البلاد في تسعينات القرن الماضي والذي كان المتضرر الرئيسي من جراءه هو الشعب العراقي المسكين , وقد أزدادت هذه الظاهرة وأتسعت لتشمل أكثر محافظات العراق ناهيك عن العاصمة بغداد ذات الكثافة السكانية العالية جداً بعد الأحتلال الأمريكي للعراق 2003 (16) ، حيث خلف هذا الأحتلال الأرهاب الأعمى والجريمة المنظمة ( وثقافة العنف ) التي أثرت تأثيراً كارثياً على جميع طبقات المجتمع العراقي وخاصة شريحة الأطفال ، حيث دفعتهم نتائج الأحتلال إلى ترك الدراسة في سن مبكرة والعمل في أصعب الظروف (17) . وما زاد ظاهرة أتساع عمالة الأطفال حالة التهجير القسري , آبان الحرب الطائفية عامي ( 2006 – 2007 ) حيث ساعدت هذه الظاهرة إلى أستفحال تسرب الأطفال من المدارس والأتجاه إلى العمالة (18) . وقد أشار قانون العمل العراقي المرقم (71 ) لسنة ( 1987 ) يقصد بالطفل الشخص الذي لم يكمل الثامنة عشر من العمر . ويضاف إلى الأسباب الرئيسية أعلاه عامل مهم جداً هو عامل ( الفقر ) أضافة إلى عامل ( حجم الأسرة ) وعامل (مرض أو عوق المعيل ) ويلاحظ بأن الأطفال العامــــــلين يبدأون من سن ( 5 ) سنوات وآخرين بأنه يبدأ بسن ( 8 ) سنوات ولكلا الجنسين (19) . وعن رأي المعنيين بشؤون الطفولة العراقية من ذوي الأختصاصات الأنسانية المختلفة أو من الناشطين في حقوق الطفل نذكر الآتي :-
– الناشطة بمجال المرأة والطفولة (رنا هادي سعيد ) عضو جمعية الثقافة للجميع أوعزت السبب الرئيسي لظاهرة عمالة الأطفال إلى ( البطالة ) التي يعاني منها الآباء إلى جانب عمليات التهجير والحرمان مما يدفع الأطفال في سن مبكرة للتسرب من المدرسة والأتجاه نحو العمل (20) .
– فلاح الآلوسي عضو منظمة سلام الرافدين وهي أحدى منظمات المجتمع المدني يرى بأن عمالة الأطفال تشكل ما نسبته 25 بالمئة من العاملين حسب أستبيان شمل عدة مناطق مكتظة وهي مناطق تجارية حيث أن غالبية العمال هم من الأطفال لا تتجاوز أعمارهم ( 13 ) سنة حيث أشار بأن التجار وأصحاب المحال التجارية يلجأون إلى عمالة الأطفال لقلة مرتباتهم وأجورهم (21) .
– الدكتور سعد مطر عبود دكتوراه علم النفس يرجع موضوع العمل بالنسبة للطفل بدافع من الأهل للعمل في الشارع وهو بذلك يختلط بالأكبر سناً وطبعاً بغياب المتابعة يبدأ بممارسة سلوكيات خاطئة مما يجعله يعيش حياة خارج طفولته (22) .
***
– أستاذ القانون الدكتور أحمد جبار الزبيدي يقول بأن القصور هو من الدولة العراقية لعدم تطبيقها القوانين الخاصة برعاية وحماية الطفولة من خلال الرعاية الأجتماعية والصحية والتعليمية . ويؤكد بأن المادة ( 37 ) الفقرة الثالثة من الدستور تقرر تحريم العمل القسري والعبودية ويحرم الأتجار بالنساء والأطفال والأتجار بالجنس (23) .
– أستاذ الأجتماع مصطفى جبار الدليمي فهو يحمل المسؤولية لهذه الظاهرة على من أنجبوا هؤلاء الكثرة من الأطفال المساكين ثم ألقوهم في الشوارع لأسباب لا تمت للمنطق والواقع بشيء حيث تبدأ معاناتهم في مواجهة المصير المجهول وأحتمالية كبيرة في أنسياقهم إلى عالم الجريمة والأجرام بلا حسيب أو رقيب عليهم (24) .
– إمام وخطيب جامع النور في حي القادسية بقضاء تكريت شدد على أن الدين الأسلامي والسنة النبوية يشددون على حماية الأطفال ومراعاتهم وكفل حقوقهم لينشأوا نشأة صالحة وتتحمل الدولة والأسرة هذه المسؤولية , حيث على الحكومة من خلال مؤسساتها القيام بواجب الرعاية بما يحقق العدالة والمساواة الأجتماعية . وأكد بأن عمل الأطفال في الشوارع والأعمال الشاقة والقسوة عليهم سيحرمهم من التعليم وسيسلكوا سلوكاً سيئاً بالنتيجة ضرره سيكون على الأمن المجتمعي كبير جداً (25) .
– رشيد حميد أستاذ علم النفس فيعيد أسباب هذه الظاهرة إلى الحصار الأقتصادي الذي عانى منه العراق ما يقارب عشر سنين فضلاً عن الحروب التي خاضها العراق منذ عام 1980 دفعت العوائل العراقية الفقيرة بسبب وطأة الجوع والعوز المادي إلى دفع أبنائهم من سن ( 9 – 15 ) سنة للعمل في ظروف قاسية جداً لتوفير لقمة العيش للأسرة (26) .
2- ظاهرة أطفال الشوارع :- قد لا تكون هذه الظاهرة منفصلة عن الظاهر الأخرى المتعلقة بالطفولة في العراق لأنها تشكل سلسلة مترابطة وأسبابها أحياناً نفسها أو متقاربة , ففي مجموعة لقاءات أجرتها جريدة المستقبل والكاتب جاسم الطيب مع نماذج عشوائية من أطفال الشوارع ( جامعي العلب المعدنية الفارغة , بائعي أكياس التنظيف , المتسولون في التقاطعات , الباحثون في القمامة عن أي شئ معدني ) سواء من الأولاد أم البنات فالطفل ( سامر ) أبوه قتل في الطريق بين الأنبار وبغداد يعمل في جمع العلب المعدنية عمره ( 15 ) سنة يقول أن سبب ما هو فيه العوز والحرمان المادي وعائلة من أم مريضة وخمسة أطفال .
و ( محمد ) أبن ( 14 ) سنة سبب ما هو فيه أب ضرير وأم متوفية وأربعة أخوة وهم من المهجرين (عامل بناء ) . والطفل ( غزوان ) أبن ( 14 ) سنة والده معتقل وبدون راتب ترك المدرسة ويعمل في بلدية الفلوجة . وطفل عمره ( 10 ) سنوات لم يفصح عن أسمه يسكن في بيت طين في أطراف تكريت يبيع الحلويات في الشارع وقرب المدارس وسبب ماهو فيه عوق والده .. وهذه النماذج من أطفال الشوارع هم نماذج عشوائية من محافظات الأنبار وصلاح الدين وبغداد (27) . وهناك نماذج سنأخذها لأنها تذكر لنا .
***
أسباب أخرى , الطفل ( علاء حسين) عمره ( 14 ) سنه ولكنه بدأ العمل في الشارع منذ ( 5 ) سنوات بعد مقتل والده وعدم تعويض الدولة للعائلة على أساس أنه قتل قبل 1\5\2004 . طفلة عمرها ( 10 ) سنوات والدها مخطوف وتم تهجير عائلتها قسراً وهي تعيل والدتها وشقيقها من خلال البحث في القمامة عن مواد معدنية . وهذا الحال يشمل الطفل ( سلام حسين ) (28) .
الدكتور رافد علاء الخزاعي في مقال عن أطفال الشوارع تحت عنوان ( أطفال الشوارع .. قنبلة موقوتة وجرح نازف في مجتمع العدالة الأجتماعية ) حيث يذكر الدكتور الخزاعي في بدايه مقاله بأنه واجب الدولة الأسلامية هو ضمان معيشة الأفراد عبر الوسائل الآتية :-
أ- توفير فرص العمل لهم للأرتزاق حد الكفاية .
ب- في حالة عدم وجود فرص عمل، عليها أن تضمن معيشتهم الأساسية من خلال صندوق الحدود الشرعية .
ج- أن تنشأ لهم هيئات ولجان متخصصة لأستحداث مختلف الأعمال في الزراعة والصناعة والأعمال التجارية . أن الفرد ( مهما كان عمره أو جنسه أو دينه أو قوميته ) حسب النظرة الأسلامية ليس كياناً مادياً فحسب بل هو كيان مادي وروحي شريف , والجوع يمزق هذا الكيان ويحط من قدره . لذا لابد من أشباع حاجاته الأساسية في العيش الكريم أنطلاقاً من الآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) (29) .
أطفال الشوارع جرح نازف في ضمير الأنسانية في مجتمع ليس فقيراً ودولة يرفع فيها الآذان خمس مرات في اليوم وحكومات أتخذت من الدين ستاراً لها للقفز على عقول الجماهير (30).
وفي دولة لها دستور يعني بأكثر من مادة بالطفولة ودولة لها ألتزامات دولية تجاه الطفولة من خلال تصديقها على الأتفاقات الخاصة بالطفولة وألتزامها أمام الأمم المتحدة بالقيام بدورها الفعلي في رعاية وحماية الأطفال كما ورد ذكره سابقاً . أن مفهوم أطفال الشوارع يعني ( أي طفل كان ذكر أم أنثى يجد في الشارع مأوى له ويعتمد على الشارع في سكنه ومأكله ومشربه بدون رقيب أو أشراف من شخص مسؤول ) .. ويقسم أطفال الشوارع إلى ثلاثة أصناف :-
الصنف الأول – أطفال يعيشون في الشارع والبيت .
الصنف الثاني – أطفال يشتغلون بالشوارع وأغلبهم يحققون دخلاً لا بأس به .
الصنف الثالث – أطفال يتعرضون للأستغلال الجسدي من طرف الشارع .
***
وهذه الأصناف ليسوا في العراق فحسب أنما في أكثر من بلد ومدينة عربية وهي مشكلة يغذيها الفقر والنزاع الذي يجعل الأسر تدفع أبناءها إلى ممارسة التجارة بسلع هامشية أو التسول ما يعرضهم لأنحرافات ومخاطر الشارع . حيث ينتشر أطفال الشوارع في مواقف السيارات، قرب المطاعم , على الأرصفة، في الحدائق ( هؤلاء ممن لا بيت لهم ) وهؤلاء الأسرع في الأنحراف بأتجاه تعاطي المخدرات والكحول ويتطور الأمر ليصل إلى حد الأجرام أحياناً .. هؤلاء ضحايا عوامل مجتمعية وأقتصادية لم ترحمهم ولم تترك لهم فرصة للخيار أمام صعوبة الظروف التي يعيشونها (31) .
ويرجع الدكتور الخزاعي أسباب هذه الظاهرة الخطرة في مدننا على أمتداد أرض العراق إلى :-
أولاً – التفكك الأسري .
ثانياً – الفقر .
ثالثاً – المشاكل الأسرية .
رابعاً – الأنقطاع عن الدراسة .
خامساً – نمو وأنتشار التجمعات السكنية العشوائية التي تمثل البؤر الأولى والأساسية المستقبلة لأطفال الشوارع كنتيجة لتفاقم حدة مشكلة الأسكان وعدم تناسب السكن مع حجم الأسرة .
سادساً – أرتفاع نسبة البطالة بين أرباب الأسر التي تدفع بأطفالها للخروج إلى الشارع (32) .
أن عمالة الأطفال في الشوارع منافية للقوانين والأعراف الوطنية والدولية , حيث تذكر السيدة سناء البديري الناشطة في الدفاع عن حقوق الطفل قائلة :- أن هذه الظاهرة منافية للقوانين والأعراف الدولية كما أنه مناف للدستور العراقي الذي كفل ضمان حقـــــوق الفرد العراقي بالتعلم والعيش الرغيد والأمان خاصة وأن العراق أحد الدول الموقعة على أتفــــــــــاقية منع عمالة الأطفــــــــال دون السن القانونية (33) .
ج- الحق في الحفاظ على الهوية والجنسية والأسم والصلات العائلية .
د- الحق في أعلى مستوى ممكن بلوغه من الصحة .
ذ- التعليم الأبتدائي مجاني وإلزامي .
و- الحماية من الأهمال العائلي .
ز- الحماية من الأستغلال الأقتصادي .
ح- الحماية من الأهمال والأساءة . ط- حماية الأطفال المنحرفين أو المهددين بالأنحراف .
ي- حق الأطفال المعوقين في الحصول على علاج وتربية ورعاية خاصة .
ك- تمتع أطفال الأقليات والشعوب الأصلية بثقافتهم ودينهم ولغتهم بكامل الحرية .
ل- منع أختطاف الأطفال والأتجار بهم (9) .
_ملاحظة :-
أبرم العراق الأتفاقية عام 1994 .
3- تم تأسيس لجنة حقوق الطفل (CRC ) في عام 1989 (10) . وتتألف من ( 18 ) خبيراً في قضايا الطفولة ويتم أنتخابهم من قبل الدول الأعضاء في الأتفاقية ومدة ولايتها ( 4 ) سنوات مهمتها:-
أ- رصد ومتابعة تطبيق أتفاقية حقوق الطفل من جانب الدول الأطراف .
ب- تتلقى التقارير عن نفاذ أحكام الأتفاقية وعن التقدم المحرز في تطبيقها .
ج- تتلقى التقارير من المنظمات الأهلية .
د- تتلقى التقارير من المنظمات المتخصصة في الأمم المتحدة (11).
***
4- وحرصاً من حكومة جمهورية العراق , فقد صادق مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في الأسبوع الثاني من نيسان 2012 على تنفيذ أحكام البروتوكول الأختياري لأتفاقية حقوق الطفل المتعلق بأشتراك الأطفال في النزاعات المسلحة .. حيث صرح علي الدباغ الناطق بأسم الحكومة العراقية بأن الأهتمام الكبير الذي يوليه العراق لقضايا الطفولة من خلال أنشاء هيئة الطفولة وأعداد مشروعات قوانين تعنى بشؤون المرأة والطفل بأعتبار أن العراق عضو في الأمم المتحدة منذ عام \ 1945 \ . وأضاف بأن العراق يسعى اليوم ليكون دولة قانون محباً للسلام وحامية لحقوق الأنسان فيما فيها حقوق الطفل ورادعة لأي أنتهاك لهذه الحقوق . وبين الدباغ بأن الحكومة العراقية وضعت برامج خاصة لغرض تمتع الأطفال بطفولتهم بعيداً عن العنف والأعمال الأرهابية كأنشاء برلمان الطفل لتعزيز روح المشاركة في الحياة العامة والتمتع بحرية التعبير عن الرأي في جميع أنحاء العراق والأهتمام بحق التعليم النوعي والجيد ورفع المستوى المعاشي للعوائل العراقية وتطبيق نظام شبكة الحماية الأجتماعية للحد من تأثير الفقر ووضع برامج ناجحة للحد من أنتشار ظاهرة أطفال الشوارع . وأضاف بأن هناك قانون في طريقة للتشريع خاص يمنع الأتجار بالبشر .. وأضاف بأنه تم الأهتمام بالعوائل النازحة والمهجرة لمنع أستغلال أطفال تلك العوائل في أي نزاعات مسلحة أو أعمال عنف والشروع بوضع مشروع قانون خاص بالعنف الأسري (12) .
***
_الواقع المأساوي لأطفال العراق
وبعد أن أستعرضنا ما جاء في دستور العراق وبعض القوانين العراقية الخاصة بحقوق الأطفال والأجراءات الخاصة بحماية الطفولة وآخرها ماتم التصريح به من قبل السيد علي الدباغ الناطق بأسم الحكومة العراقية لوسائل الأعلام العراقية يوم 15\4\2012 والذي نشر في الصحف يوم 16\4\2012 وكذلك ألتزام جمهورية العراق بأحكام العهود الدولية الخاصة بحماية الطفولة والتي كلها مواد رائعة وقوانين محترمة وعهود دولية ذات أبعاد أنسانية رائعة وتصريح للحكومة على لسان ناطقها بأن الأطفال سيعيشوا حياة كريمة تحترم فيها أنسانيتهم , هذا هو الواقع النظري المسطور على الورق أو على لسان الناطق بأسم الحكومة , ولكن ماهي حقيقة الواقع الفعلي والعملي لحــــقوق الطفل وما يعانيه من حياة بائسة ومأساوية ليس فيها أي ذرة من الكرامة الأنسانية وســـــنذكر نماذج من هذه المآسي مع رأي ذوي الصلة في المسؤولية أو منظــــمات المجــــــتمع المدني وكـــــــما يأتي:-
1- أن عمل الطفل يهدد سلامته وصحته , عمل الطفل أستغلال لا أنساني لطفل ضعيف غير قادر على الدفاع عن حقوقه , عمل الطفل أستغلال عمالته الرخيصة بديلة عن عمل الكبار , عمل الطفل لا يساهم في تنميته بل العكس يحدث حيث أنه يعيق تعليم الطفل وتدريبه ويغير حياته ومستقبله , أضافة لما تترتب على عمل الطفل من آثار أجتماعية أخرى . وبالرغم من الطفل في أتفاقية حقوق الطفل الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1989 قد منعت الأستغلال الأقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطراً أو يمثل أعاقة لتعليمه أو أضرار لصحته أو نموه البدني أو العقلي أو الروحي وألزمت الأتفاقية الدول الأعضاء أن تكفل هذه الحماية وفرض عقوبات مناسبة لتطبيق هذه النصوص . والمقصود في الطفل هو من كان دون سن 18 عاماً . وبما أن العراق من المصادقين على هذه الأتفاقية إلا أن واقع الحال يشير إلى حالة أرتدادية مخيفة حيث يشير تقرير (منظمة اليونيسيف ) التابعة للأمم المتحدة لعام 2011 حيث تذكر المنظمة وكما جاء على لسان ممثلها في العراق السيد أسكندر خان الأرقام المخيفة الآتية (13) .
أ- حجم عمالة الأطفال بين سن الخامسة وال 14 سنة يصل إلى (800,000 ) ثمنمائة ألف طفل .
ب- وجود مليون طفل تحت خط الفقر .
ج- وجود مليون و ( 500 ) ألف طفل يعانون نقص التغذية .
د- وجود حوالي ( 750 ) ألف طفل غير مسجلين في المدارس الأبتدائية نصف هذا العدد من المناطق الريفية .
ذ- وجود ( 800 ) ألف طفل يتيم .
و- وجود ( 900 ) ألف طفل من المهجرين في الداخل .
***
وزارة العمل والشؤون الأجتماعية شككت بهذه الأرقام ولكنها لم تقدم أحصائية بديلة وقالت كوثر أبراهيم مديرة هيئة الرعاية في الوزارة بأنه لا يمكن أعطاء هكذا أحصائيات إلا من خلال التعداد السكاني في العراق (14) . وبالتأكيد أن هذا الجواب من الوزارة المعنية غير مقبول لأن منظمات المجتمع المدني هي منظمات أنسانية غايتها العناية بالطفولة في العراق وليس العكس ويفترض بالوزارة أن تتعاون مع هذه المنظمات إذا لم تكن لديها آلية أو أمكانيات لمتابعة هذه الحالة المأساوية لما آلت أليه شريحة الأطفال . ونعود لأستكمال هذا الموضوع الحيوي حيث أن ذكر الحالة بشكل مجرد وبدون ذكر الآثار والأنعكاسات المترتبة عليها تكون بدون جدوى ويمكن حصر الآثار بالآتي (15) :- أولاً – الآثار الجسدية :- حيث أن عمالة الأطفال بسن مبكرة تعرضهم للعاهات والأضرار الجسدية أو أصابتهم بأمراض ذات طبيعة معينة ترتبط بنوعية العمل الذي يمارسه الطفل ويؤكد المختصون بالطفل بأن هناك علاقة طبيعية بين العمل المبكر وبين أصابة الطفل بعاهة أو مرض معين , وقد يدفعهم الحال أيضاً إلى ممارسة عادة التدخين وما يترتب عليها . كما أن صحة الطفل من حيث التناسق العضوي والبصر والسمع التي قد تتأثر نتيجة الجروح والكدمات الجسدية التي يتعرض اليها من جراء العمالة .
ثانياً – الآثار السلوكية :- أن ممارسة الأطفال للعمل بعيداً عن متابعة الأبوين أو المرشد تؤدي إلى أن يمارس الطفل العديد من الممارسات السلوكية كأرتياد دور السينما أو أماكن ألعاب متنوعة ,ويندفع قسم منهم إلى تناول المخدرات أو الحبوب المهدئة والتي يمكن أن تحرف الطفل سلوكياً عن الطريق السوي .
ثالثاً – الآثار الأقتصادية :- هناك آثار وتداعيات أقتصادية تؤثر سلباً على الدولة حيث أن ترك الطفل المدرسة وأنخراطه في العمل يحمل الدولة أعباء أقتصادية كبيرة أضافة إلى التكاليف الأجتماعية، فمكاسب تعليم الأطفال وتأهيلهم تفوق ( 6,7 ) مرات ما إذا تركوا التعليم وأنخرطوا في العمل .
رابعاً – الآثار الأجتماعية :- أن زج الأطفال في العمل يكون سبباً في ترك المدرسة وبالتالي ضعف قدرته العلمية وأنخفاض قدراته الأخرى وبالتالي يصبح من الصعب عليه الأندماج في المجتمع.
***
بعد أن عرفنا الآثار المترتبة على عمالة الأطفال لابد لنا أن نتوقف عند الأسباب التي أدت إلى أنتشار هذه الظاهرة بهذا الشكل المأساوي , حيث يعيد البعض بروز ظاهرة عمالة الأطفال إلى سنوات الحصار الأقتصادي الجائر الذي فرض على البلاد في تسعينات القرن الماضي والذي كان المتضرر الرئيسي من جراءه هو الشعب العراقي المسكين , وقد أزدادت هذه الظاهرة وأتسعت لتشمل أكثر محافظات العراق ناهيك عن العاصمة بغداد ذات الكثافة السكانية العالية جداً بعد الأحتلال الأمريكي للعراق 2003 (16) ، حيث خلف هذا الأحتلال الأرهاب الأعمى والجريمة المنظمة ( وثقافة العنف ) التي أثرت تأثيراً كارثياً على جميع طبقات المجتمع العراقي وخاصة شريحة الأطفال ، حيث دفعتهم نتائج الأحتلال إلى ترك الدراسة في سن مبكرة والعمل في أصعب الظروف (17) . وما زاد ظاهرة أتساع عمالة الأطفال حالة التهجير القسري , آبان الحرب الطائفية عامي ( 2006 – 2007 ) حيث ساعدت هذه الظاهرة إلى أستفحال تسرب الأطفال من المدارس والأتجاه إلى العمالة (18) . وقد أشار قانون العمل العراقي المرقم (71 ) لسنة ( 1987 ) يقصد بالطفل الشخص الذي لم يكمل الثامنة عشر من العمر . ويضاف إلى الأسباب الرئيسية أعلاه عامل مهم جداً هو عامل ( الفقر ) أضافة إلى عامل ( حجم الأسرة ) وعامل (مرض أو عوق المعيل ) ويلاحظ بأن الأطفال العامــــــلين يبدأون من سن ( 5 ) سنوات وآخرين بأنه يبدأ بسن ( 8 ) سنوات ولكلا الجنسين (19) . وعن رأي المعنيين بشؤون الطفولة العراقية من ذوي الأختصاصات الأنسانية المختلفة أو من الناشطين في حقوق الطفل نذكر الآتي :-
– الناشطة بمجال المرأة والطفولة (رنا هادي سعيد ) عضو جمعية الثقافة للجميع أوعزت السبب الرئيسي لظاهرة عمالة الأطفال إلى ( البطالة ) التي يعاني منها الآباء إلى جانب عمليات التهجير والحرمان مما يدفع الأطفال في سن مبكرة للتسرب من المدرسة والأتجاه نحو العمل (20) .
– فلاح الآلوسي عضو منظمة سلام الرافدين وهي أحدى منظمات المجتمع المدني يرى بأن عمالة الأطفال تشكل ما نسبته 25 بالمئة من العاملين حسب أستبيان شمل عدة مناطق مكتظة وهي مناطق تجارية حيث أن غالبية العمال هم من الأطفال لا تتجاوز أعمارهم ( 13 ) سنة حيث أشار بأن التجار وأصحاب المحال التجارية يلجأون إلى عمالة الأطفال لقلة مرتباتهم وأجورهم (21) .
– الدكتور سعد مطر عبود دكتوراه علم النفس يرجع موضوع العمل بالنسبة للطفل بدافع من الأهل للعمل في الشارع وهو بذلك يختلط بالأكبر سناً وطبعاً بغياب المتابعة يبدأ بممارسة سلوكيات خاطئة مما يجعله يعيش حياة خارج طفولته (22) .
***
– أستاذ القانون الدكتور أحمد جبار الزبيدي يقول بأن القصور هو من الدولة العراقية لعدم تطبيقها القوانين الخاصة برعاية وحماية الطفولة من خلال الرعاية الأجتماعية والصحية والتعليمية . ويؤكد بأن المادة ( 37 ) الفقرة الثالثة من الدستور تقرر تحريم العمل القسري والعبودية ويحرم الأتجار بالنساء والأطفال والأتجار بالجنس (23) .
– أستاذ الأجتماع مصطفى جبار الدليمي فهو يحمل المسؤولية لهذه الظاهرة على من أنجبوا هؤلاء الكثرة من الأطفال المساكين ثم ألقوهم في الشوارع لأسباب لا تمت للمنطق والواقع بشيء حيث تبدأ معاناتهم في مواجهة المصير المجهول وأحتمالية كبيرة في أنسياقهم إلى عالم الجريمة والأجرام بلا حسيب أو رقيب عليهم (24) .
– إمام وخطيب جامع النور في حي القادسية بقضاء تكريت شدد على أن الدين الأسلامي والسنة النبوية يشددون على حماية الأطفال ومراعاتهم وكفل حقوقهم لينشأوا نشأة صالحة وتتحمل الدولة والأسرة هذه المسؤولية , حيث على الحكومة من خلال مؤسساتها القيام بواجب الرعاية بما يحقق العدالة والمساواة الأجتماعية . وأكد بأن عمل الأطفال في الشوارع والأعمال الشاقة والقسوة عليهم سيحرمهم من التعليم وسيسلكوا سلوكاً سيئاً بالنتيجة ضرره سيكون على الأمن المجتمعي كبير جداً (25) .
– رشيد حميد أستاذ علم النفس فيعيد أسباب هذه الظاهرة إلى الحصار الأقتصادي الذي عانى منه العراق ما يقارب عشر سنين فضلاً عن الحروب التي خاضها العراق منذ عام 1980 دفعت العوائل العراقية الفقيرة بسبب وطأة الجوع والعوز المادي إلى دفع أبنائهم من سن ( 9 – 15 ) سنة للعمل في ظروف قاسية جداً لتوفير لقمة العيش للأسرة (26) .
2- ظاهرة أطفال الشوارع :- قد لا تكون هذه الظاهرة منفصلة عن الظاهر الأخرى المتعلقة بالطفولة في العراق لأنها تشكل سلسلة مترابطة وأسبابها أحياناً نفسها أو متقاربة , ففي مجموعة لقاءات أجرتها جريدة المستقبل والكاتب جاسم الطيب مع نماذج عشوائية من أطفال الشوارع ( جامعي العلب المعدنية الفارغة , بائعي أكياس التنظيف , المتسولون في التقاطعات , الباحثون في القمامة عن أي شئ معدني ) سواء من الأولاد أم البنات فالطفل ( سامر ) أبوه قتل في الطريق بين الأنبار وبغداد يعمل في جمع العلب المعدنية عمره ( 15 ) سنة يقول أن سبب ما هو فيه العوز والحرمان المادي وعائلة من أم مريضة وخمسة أطفال .
و ( محمد ) أبن ( 14 ) سنة سبب ما هو فيه أب ضرير وأم متوفية وأربعة أخوة وهم من المهجرين (عامل بناء ) . والطفل ( غزوان ) أبن ( 14 ) سنة والده معتقل وبدون راتب ترك المدرسة ويعمل في بلدية الفلوجة . وطفل عمره ( 10 ) سنوات لم يفصح عن أسمه يسكن في بيت طين في أطراف تكريت يبيع الحلويات في الشارع وقرب المدارس وسبب ماهو فيه عوق والده .. وهذه النماذج من أطفال الشوارع هم نماذج عشوائية من محافظات الأنبار وصلاح الدين وبغداد (27) . وهناك نماذج سنأخذها لأنها تذكر لنا .
***
أسباب أخرى , الطفل ( علاء حسين) عمره ( 14 ) سنه ولكنه بدأ العمل في الشارع منذ ( 5 ) سنوات بعد مقتل والده وعدم تعويض الدولة للعائلة على أساس أنه قتل قبل 1\5\2004 . طفلة عمرها ( 10 ) سنوات والدها مخطوف وتم تهجير عائلتها قسراً وهي تعيل والدتها وشقيقها من خلال البحث في القمامة عن مواد معدنية . وهذا الحال يشمل الطفل ( سلام حسين ) (28) .
الدكتور رافد علاء الخزاعي في مقال عن أطفال الشوارع تحت عنوان ( أطفال الشوارع .. قنبلة موقوتة وجرح نازف في مجتمع العدالة الأجتماعية ) حيث يذكر الدكتور الخزاعي في بدايه مقاله بأنه واجب الدولة الأسلامية هو ضمان معيشة الأفراد عبر الوسائل الآتية :-
أ- توفير فرص العمل لهم للأرتزاق حد الكفاية .
ب- في حالة عدم وجود فرص عمل، عليها أن تضمن معيشتهم الأساسية من خلال صندوق الحدود الشرعية .
ج- أن تنشأ لهم هيئات ولجان متخصصة لأستحداث مختلف الأعمال في الزراعة والصناعة والأعمال التجارية . أن الفرد ( مهما كان عمره أو جنسه أو دينه أو قوميته ) حسب النظرة الأسلامية ليس كياناً مادياً فحسب بل هو كيان مادي وروحي شريف , والجوع يمزق هذا الكيان ويحط من قدره . لذا لابد من أشباع حاجاته الأساسية في العيش الكريم أنطلاقاً من الآية الكريمة في قوله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) (29) .
أطفال الشوارع جرح نازف في ضمير الأنسانية في مجتمع ليس فقيراً ودولة يرفع فيها الآذان خمس مرات في اليوم وحكومات أتخذت من الدين ستاراً لها للقفز على عقول الجماهير (30).
وفي دولة لها دستور يعني بأكثر من مادة بالطفولة ودولة لها ألتزامات دولية تجاه الطفولة من خلال تصديقها على الأتفاقات الخاصة بالطفولة وألتزامها أمام الأمم المتحدة بالقيام بدورها الفعلي في رعاية وحماية الأطفال كما ورد ذكره سابقاً . أن مفهوم أطفال الشوارع يعني ( أي طفل كان ذكر أم أنثى يجد في الشارع مأوى له ويعتمد على الشارع في سكنه ومأكله ومشربه بدون رقيب أو أشراف من شخص مسؤول ) .. ويقسم أطفال الشوارع إلى ثلاثة أصناف :-
الصنف الأول – أطفال يعيشون في الشارع والبيت .
الصنف الثاني – أطفال يشتغلون بالشوارع وأغلبهم يحققون دخلاً لا بأس به .
الصنف الثالث – أطفال يتعرضون للأستغلال الجسدي من طرف الشارع .
***
وهذه الأصناف ليسوا في العراق فحسب أنما في أكثر من بلد ومدينة عربية وهي مشكلة يغذيها الفقر والنزاع الذي يجعل الأسر تدفع أبناءها إلى ممارسة التجارة بسلع هامشية أو التسول ما يعرضهم لأنحرافات ومخاطر الشارع . حيث ينتشر أطفال الشوارع في مواقف السيارات، قرب المطاعم , على الأرصفة، في الحدائق ( هؤلاء ممن لا بيت لهم ) وهؤلاء الأسرع في الأنحراف بأتجاه تعاطي المخدرات والكحول ويتطور الأمر ليصل إلى حد الأجرام أحياناً .. هؤلاء ضحايا عوامل مجتمعية وأقتصادية لم ترحمهم ولم تترك لهم فرصة للخيار أمام صعوبة الظروف التي يعيشونها (31) .
ويرجع الدكتور الخزاعي أسباب هذه الظاهرة الخطرة في مدننا على أمتداد أرض العراق إلى :-
أولاً – التفكك الأسري .
ثانياً – الفقر .
ثالثاً – المشاكل الأسرية .
رابعاً – الأنقطاع عن الدراسة .
خامساً – نمو وأنتشار التجمعات السكنية العشوائية التي تمثل البؤر الأولى والأساسية المستقبلة لأطفال الشوارع كنتيجة لتفاقم حدة مشكلة الأسكان وعدم تناسب السكن مع حجم الأسرة .
سادساً – أرتفاع نسبة البطالة بين أرباب الأسر التي تدفع بأطفالها للخروج إلى الشارع (32) .
أن عمالة الأطفال في الشوارع منافية للقوانين والأعراف الوطنية والدولية , حيث تذكر السيدة سناء البديري الناشطة في الدفاع عن حقوق الطفل قائلة :- أن هذه الظاهرة منافية للقوانين والأعراف الدولية كما أنه مناف للدستور العراقي الذي كفل ضمان حقـــــوق الفرد العراقي بالتعلم والعيش الرغيد والأمان خاصة وأن العراق أحد الدول الموقعة على أتفــــــــــاقية منع عمالة الأطفــــــــال دون السن القانونية (33) .