التجربة البرلمانية المغربية السادسة.. رصد وتحليل – 2

التجربة البرلمانية المغربية السادسة.. رصد وتحليل – 2

حكومة إئتلافية بمشاركة أحزاب أغلبية سابقة تنقصها صفة المعارضة

محمود صالح الكروي

أستاذ العلوم السياسية /جامعة بغداد

المقدمة

تبقى التجربة البرلمانية في المغرب مثار اهتمام السياسيين والباحثين الأكاديميين والعاملين في مجالات الإعلام والصحافة ومراكز البحوث ، نظرا لما تتميز به من سمات جديرة بالدراسة والبحث والتقصي في مقدمتها الاستمرارية التاريخية لهذه التجربة وتطورها على مدى مايقارب خمسة عقود من الزمن ،على رغم من بعض التوقفات التي عرفتها وما سجل عليها من ملاحظات .

الحملة الانتخابية

تزامنت الحملة الانتخابية في المغرب مع سياق عوامل عدة أبرزها:

  1. أنها جاءت إثر التعديلات الدستورية التي أدخلت على دستور 1996 والذي حظي بإجماع القوى السياسية المؤثرة في البلاد (14) .
  2. أنها جاءت اثر التوافق الذي حصل بين الملك الحسن الثاني وبعض مكونات المعارضة البرلمانية الممثلة بأحزاب الكتلة الديمقراطية. فشكل هذا التوافق مخرجا للتصالح بين المؤسسة الملكية وأغلبية أحزاب المعارضة (15). لابل أسهم في إعادة بناء الثقة بين الأحزاب والنظام الملكي من جهة وإعادة الاعتبار للعمل السياسي والحزبي من جهة أخرى. ولضمان إعطاء رسالة للداخل والخارج بأن المغرب يسير في طريق التغيير والإصلاح.
  3. أنها جرت في ظل بنية مؤسساتية جديدة اقرها دستور 1996،من ابرز عناصرها إقرار العمل بالجهة التي عدها الدستور (جماعة محلية)، وتم تأطيرها قانونيا بإصدار القانون رقم 47 لسنة 1996 المتعلق بتنظيم الجهات، وثانيا: إقرار العمل بنظام المجلسين داخل البرلمان(16).

بدأت الحملة الانتخابية منذ 1/ تشرين الثاني/نوفمبر 1997 وحتى الثالث عشر منه (17). وقد شارك فيها (16)حزبا سياسيا من بينها أحزاب المعارضة، وكذلك مشاركة حزب ذي توجه إسلامي لأول مرة في تاريخ المغرب السياسي المعاصر (18) وكانت الحملة الانتخابية تهدف إلى جذب الناخب المغربي، وقيام الأحزاب السياسية بشرح برامجها السياسية والاقتصادية التي جاءت في اغلبها متشابهة إلى حد ما، تتصف بطابع التعميم والوعود ؛ فيما يتعلق: بالتنمية،إصلاح النظام التربوي، تحديث الإدارة،محاربة البطالة، إيجاد فرص عمل ومحاربة الرشوة والفساد وبذلك لم يتمكن أي حزب سياسي من تقديم برنامج واضح ومحدد المعالم (19)وهي بذلك لم توفق في صياغة برامج انتخابية جديرة بهذا الاسم بل صاغت المقترحات الانتخابية (20). وقد استخدمت وسائل الإعلام من إذاعة وتلفزة وصحافة حزبية في الدعاية الانتخابية للأحزاب فيما ركزت الدعاية على ألألوان المميزة لكل حزب، وقد طبعت تلك الألوان على بطاقة التصويت كي يتمكن الناخب من اختيار اسم الحزب والمرشح(21)  وهذا يؤكد أن الأحزاب السياسية لا تستطيع التعريف بنفسها في مجتمع أمي إلا باللون والرمز(22). ترافق ذلك مع حصول خروقات في الدعاية الانتخابية لبعض المرشحين، فضلا عن عدم حصول حوار سياسي على مستوى وسائل الإعلام بين الأحزاب السياسية مما يؤكد غياب التواصل السياسي للانتخابات .

نتائج انتخابات مجلس النواب:

أسفرت نتائج الانتخابات التشريعية المباشرة التي أجريت يوم 14/11/1997 عن عدد المقاعد التي حصل عليها كل حزب من الاحزاب المشاركة في الانتخابات، وكما مبين في الجدول أدناه (23).

في ضوء هذه النتائج كانت نسبة المشاركة في الانتخابات ضعيفة إذ لم تتجاوز 58،30 بالمئة؛ لذلك تعد اضعف مشاركة عرفتها الانتخابات المغربية (24)، فمن أصل 12790631 مواطن مسجل، كان عدد المصوتين 7456996،في حين إن عدد البطاقات الملغاة كان 1086366 ؛ بمعنى أن عدد الأصوات المعبر عنها هو 6371630 موزعة على 325 دائرة (25) ؛وقد عرفت هذه الانتخابات بالخصوص أخطر عمليات تزوير (26) وتوظيف للمال السياسي، مما أثار استياء العديد من الاحزاب السياسية (27) على رغم من تعهد الملك الحسن الثاني والحكومة بأن تكون هذه الانتخابات نزيهة.

وهكذا يتضح،أن الاحزاب السياسية استجابت لدعوى الملك الحسن الثاني بتشكيل تجمعات سياسية تضم اليمين واليسار والوسط،إلا إن أي من هذه التجمعات الحزبية الثلاثة لم يحصل على أغلبية تمكنه من تشكيل الحكومة بمفرده .

4- تصدر حزب الاتحاد الاشتراكي الموقع الأول في الانتخابات بحصوله على 57 مقعدا، وهو الذي يمثل المعارضة طوال أكثر من ثلاثة عقود . بينما حصل حزب الاتحاد الدستوري والذي يحضى برعاية ملكية على المرتبة الثانية في الانتخابات إذ حصل على 50 مقعداً.

5- تراجع حزب الاستقلال، ثاني اكبر أحزاب المعارضة وأقدم الاحزاب في الساحة الوطنية المغربية من الناحية التاريخية والنضالية ؛ وأكثرها تجربة إلى المرتبة الخامسة حيث حصل على 32 مقعدا فقط .

6- تصدر حزب الحركة الديمقراطية الاجتماعية الذي أنشئ قبل اقل من سنة من الانتخابات إلى الواجهة السياسية وذلك بحصوله على 32 مقعدا، وكان ذلك من المفاجآت التي تمخضت عنها الانتخابات. في حين لم يحصل حزب الحركة الوطنية الشعبية (الأم) الذي انشق عنها الحزب انف الذكر، إلا على 19 مقعدا. والمفاجأة الثانية هي حصول جبهة القوى الديمقراطية التي انشقت عن حزب التقدم والاشتراكية على 9 مقاعد (33). وهذا يفصح بوضوح عن حالات التغيير في السلوك الانتخابي للمواطن المغربي .

أن ما يميز هذه الانتخابات إنها لم تعان من استقطاب حاد، عزز ذلك مشاركة بعض فصائل الحركة الإسلامية فيها (حركة التوحيد والإصلاح) والتي لم تتمكن من الحصول إلا على 9 مقاعد ممثلة في حزب الحركة الشعبية الدستورية الديمقراطية، مما جعل الساحة السياسية في المغرب  اقل عرضة للانقسام منها في أقطار عربية أخرى تأخذ بنظام التعددية الحزبية، كما إن التوافق العام تجاه القضية الوطنية الرئيسة في المغرب (الصحراء المغربية) يوفر قدرا من الانسجام بين الاحزاب المختلفة (34) فضلا عن انه يوفر جسورا مفتوحة بين النظام الملكي والمعارضة (35).

7- إن الانتخابات مهدت الطريق أمام اندماج الحركة الإسلامية ذات التوجه السلمي للدخول إلى البرلمان للمرة الاولى في تاريخ المغرب المعاصر لتكون شريكاً فاعلاً في المجال السياسي الرسمي.

8- المفارقة أللافتة للنظر انه من مجموع (69) أمرأة مرشحة في الانتخابات فازت (2) منهما في عضوية مجلس النواب (36). وإذ الاحزاب ترجع ذلك إلى عدم مصداقية الانتخابات، فإن هذا الحضور الهزيل يبين بدون أدنى شك  تهميش دور المرأة على مستوى المؤسسات المنتخبة وتغييب دورها في تقرير الشأن العام على رغم من أن النساء يشكلن نسبة عالية في المجتمع المغربي وأعداد المنتخبين.

ثانيا – مجلس المستشارين:

هو الغرفة الثانية في البرلمان، ينتخب بالاقتراع غير المباشر (37)، والذي استحدث بموجب الفصل 38 من دستور 1996 (38)، وبذلك تحولت السلطة التشريعية في المغرب من مؤسسة ذات مجلس واحد إلى مؤسسة بمجلسين في سياق إصلاح النظام البرلماني وتحديثه . وللملك حق حل مجلسي البرلمان أو أحداهما طبقا للفصل 27 من الدستور . وتمارس هذه الغرفة المسؤوليات نفسها التي يمارسها مجلس النواب وتطبعهما روح المنافسة ؛ لكن مجلس المستشارين ينفرد بحق توجيه تنبيه أو تقديم ملتمس رقابة ضد الحكومة ؛ قد يؤدي إلى استقالتها على رغم انه ينتخب بالاقتراع غير المباشر (39). علما أن دول الثنائية البرلمانية تعطي الامتياز للمجلس الشعبي. فيما يرى آخرون أن وجود مجلس ثان يساعد على تخفيف حدة النزاع بين الحكومة والمجلس الأول الذي قد يغلب عليه طابع الحماس، كما انه يمكن من إزالة الأخطاء والغموض الذي يعلق بمقترحات القوانين والذي قد يكون مصدر نزاع في المستقبل (40) وتبقى الوظيفة الأهم لمجلس المستشارين في المغرب بعد الوظيفة التشريعية بأنه ذو أبعاد ودوافع سياسية في المقام الأول يهدف إلى إيجاد نوع من التوازن بين الكتل السياسية ومن ثم العمل على خلق استقرار حكومي وسياسي والحيلولة دون الوقوع تحت سيطرة حزب سياسي معين، أو سيطرة جهة معينة على تسيير الشأن العام في المغرب.

وقد حدد القانون التنظيمي الخاص بتأليف مجلس المستشارين عدد أعضائه بــ (270) عضوا (41) ينتخبون بطريقة غير مباشرة من قبل هيئات انتخابية محلية وطنية لولاية مدتها تسع سنوات (مما يجعلهم يبتعدون لمدة طويلة عن الناخبين وعن الشعب) (42)، يتم تجديد ثلث أعضاء مجلس المستشارين كل ثلاث سنوات . وينتخبون في البداية على وفق التقسيم الآتي:

1- ينتخب ممثلو المجالس المحلية والإقليمية (162) عضوا من أعضاء مجلس المستشارين يمثلون قطاعات الصناعة والزراعة .

2- بينما ينتخب ممثلو الاتحادات النقابية والمهنية (108) أعضاء.

الترشيح والحملة الانتخابية:

حضيت عملية الترشيح والحملة الانتخابية لمجلس المستشارين باهتمام واسع من قبل مؤسسات الدولة المعنية والأحزاب السياسية المتنافسة للحصول على اكبر عدد ممكن من المقاعد في مجلس المستشارين . ومارست وسائل الأعلام الرسمية من إذاعة وتلفزة و الصحافة الحزبية دورا أساسيا في تنشيطها على رغم من تشابه شعارات الاحزاب وصعوبة التمييز فيما بينها مما جعلها تتخذ شكلا واحدا حتى في الجانب الاقتصادي على رغم الاختلافات البسيطة (43)، وكانت جميع هذه الشعارات والبرامج تصب في اتجاه التغيير والارتقاء بمستوى الأداء الحكومي والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والقضاء على البطالة وتوفير فرص عمل ومحاربة الرشوة والفساد الإداري. لكن الاحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات لم تقدم برامج سياسية حقيقية ليختار المواطنون على أساسها ؛ بمعنى آخر تكرار تجربة انتخابات مجلس النواب التي لم تقدم برامج سياسية حقيقية وإنما استخدمت الخطاب الدعائي الانتخابي الصالح عادة للاستهلاك اليومي مع تضخيم الوعود.

شارك في انتخابات مجلس المستشارين (16) حزبا سياسيا، وبلغ عدد مرشحيهم للانتخابات (2391) مرشحا . وقد جرت الانتخابات في 5/12/1997 ضمن إطار سياسة التوافق والتراضي اللتين دعا إليهما الملك الحسن الثاني. وكانت نتائج الانتخابات على النحو الآتي (44):

– أحزاب الوسط (90) مقعدا .

– أحزاب الوفاق (أحزاب السلطة) (76) مقعدا .

– أحزاب الكتلة الديمقراطية (أحزاب المعارضة) (44) مقعدا.

–  باقي الاحزاب اقتسمت(33) مقعدا.

– النقابيون (27) مقعداً.

في ضوء تحليل معطيات نتائج انتخابات مجلس المستشارين، يتضح، تصدر أحزاب الوسط الموقع الأول في المجلس من خلال حصولها على نسبة عالية من المقاعد في حين لم تحصل أحزاب الكتلة الديمقراطية إلا على نسبة ضئيلة جدا من المقاعد مع إنها تصدرت الموقع الأول في مجلس النواب . هذا التطور الانتخابي الجديد أحدث تحولا في الخريطة السياسية داخل مؤسسة البرلمان تمثل بتحقيق نوع من التوازن بين مختلف الأحزاب وممثلي المجتمع المدني . مما دفع ذلك أحزاب الكتلة الديمقراطية الى التنسيق مع أحزاب الوسط لإشراكها في تشكيل الحكومة.

المبحث الثالث: تشكيل حكومة التناوب وما رافقها:

ما إن أعلنت نتائج الانتخابات التشريعية عن تصدر حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الموقع الأول في الانتخابات . حتى جعلت الملك الحسن الثاني يعلن يوم 4/شباط – فبراير 1998 عن تكليف عبد الرحمن اليوسفي (45) أمين عام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بتشكيل الحكومة التي عرفت في المغرب بإسم حكومة (التناوب)(46) . إثرها قام اليوسفي بمشاورات سياسية عدة مع قيادات الأحزاب السياسية الفائزة في الانتخابات وكانت نتيجة ذلك إن تم التوافق على تشكيل حكومة ائتلافية برئاسة عبدالرحمن اليوسفي وزيرا أول،أعلن عنها بظهير ملكي في  14/3/ 1998،و تضم تحالفا من سبعة أحزاب، دون ان يؤثر ذلك على مسار التناوب، لكل حزب منها رؤيته ومشاربه، إلا أنها قبلت بالتوافق على برنامج الكتلة الديمقراطية وأسهمت في اغنائه باقتراحاتها (47)، وهذه الأحزاب هي (48):

1- حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية .

2- حزب الاستقلال.

3- حزب التجمع الوطني للأحرار.

4- حزب التقدم والاشتراكية.

5- حزب الحركة الوطنية الشعبية.

6- جبهة القوى الديمقراطية.

7- الحزب الاشتراكي الديمقراطي.

فضلا عن التكنوقراط الذين لاينتمون لأي حزب سياسي . والذين هم يمثلون وزارات السيادة: (الداخلية، الخارجية، العدل، الأوقاف والشؤون الإسلامية، الأمانة العامة للحكومة، وكتابة الدولة في الدفاع الوطني) ؛ والتي هي بالمحصلة خارج دائرة التناوب التوافقي ويتم تعيين شخصياتها بأمرمن الملك .على وفق ذلك،فأن قرارات اليوسفي ستكون مقيدة برؤى وزارات السيادة داخل الحكومة (49) ؛ يعزز هذا القيد رأي الوزراء من خارج الكتلة في حكومته (50) . لذلك فالتناوب الذي حصل في المغرب هو تناوب توافقي وليس تناوبا سياسيا (51).لأنه لم يكن إستنادا لنص دستوري.

إزاء ذلك ينبغي التعامل مع مصطلح التناوب في التجربة المغربية بحذر مفاهيمي، لان الحكومة المشكلة هي حكومة ائتلافية تشارك فيها أحزاب كانت من الأغلبية السابقة تنقصها صفة المعارضة، كما إن الدور المكثف للملك في تحديد السياسة العامة للدولة يجعل التغيير الحاصل محدودا(52) . فضلا عن أن التناوب طبقا للتجربة المغربية لايتعلق بمجموع السلطة، وإنما يقتصر على التدبير الحكومي والتنظيمي لهذا اصطلح عليه بالتناوب التوافقي. (53)

مشاركة