البلاد تتلو نشيد المدن
عبد الجبار الجبوري
البلاد حزينة…
والزمان جريح ..
قال المذيع في نشرة الأخبار..
بغداد عرس ودار..
يأخذني النشيد إليها مكبلا بالنشيد..
هي الآن تغلق أبوابها بوجه..،
الغزاة والطغاة والزناة والعبيد..
قالت للريح …،
انتظري عودة القوافل المهاجرة ..
هذا هشيم النار يقترب…
ينهض الليل بقامته…،
ويغوي الفرات…
تسير العصور كلها في هودج….،
الغيوم..
الآن….
يخرج من حانات الكوفة ..،
طويس …
ويقرأ على الملأ..
أحجية وهتافات للعبيد…
ويقول..:-
هل قامت الحرب ..
-لا…
يقولون…
ولكن ابن آوى يدق بأعناق النخيل الحرب إلى بصرى.
ويرفع أعناق الطوائف..،
الذليلة ..
إحنا مشينا للحرب تردد الجموع…
لكن ببغاوات قم وطهران..
(يرددون بيننا وبينهم بحر من الدم )…
ها هي كف السماء تطوي الليل …،
في بصرة السياب ..
وتجلب البشرى ….،
في الليلة القتيلة..
هنا الحسن البصري..
وأزد البصرة وتميم الكوفة…
وهنا الأضرحة الثكلى ..
في أعلى حضرموت..
هل عاد كورش…
كي يحرق بابل..
كورش عاد ليحرق بابل وبغداد..
كورش عاد…
يتدحرج رأس كورش الآن ..
يتدحرج ثانية رأس الخراساني في شوارع بغداد….
من معبد (آبو)..
تخرج أرتال الجراد..
فهذا مالك ابن دينار ..
يخطب في بادية البصرة..
وذاك واصل بن عطاء رأس المعتزلة..،
ورأس الفتنة ..
يحاكم أبي حازم الأعرج ووهب بن منبه …،
ونصر بن سيار..
وهذا سيف سفيان الثوري…..،
يجزُ رأس الفتنة في بغداد..
إياس بن معاوية قاضي البصرة..،
يجيد قراءة الألواح..
ويسخر من شعوذة المختار الثقفي..،
وأراجيفه …
ها هو يعيد لنا ..
نكتته البليدة- بيننا وبينهم بحر من الدم..
صدقت أيها الفقاعة..،
الأخيرة في مؤخرة الحمار..
أنت وكهنة قم ..
(كلالهم بكلالهم)..
هكذا تنتضون سيوف الطائفية ..،
من عصر المملوك أبن سبأ حتى عصر..،
المملوك ابن جناجة ….
هزيمة اثر هزيمة..
فهناك هزيمة ابن الأشعث بدير الجماجم..
وهنا هزيمة المعتوه ابن جناجة….،
بأعلى الفلوجة…
هكذا تلوح دائما …،
كف السماء بالمطر …
وتلوح نينوى …،
بكف اشوربانيبال يوما…،
في عيلام…
علامة النصر الأكيد…
حين جز اشوربانيبال….،
رأس الأفعى…،
تيومان وعلق رأسه العفن ..،
على شجرة في نينوى…
هنا نينوى..
هنا مرقد النبي يونس…..،
وشيت وجرجيس ..
هنا قرة سراي وباشطابيا..
هنا تل قوينجو وبوابة نركال وكالح..
هنا قلعة آشور….،
وخوسيباد ومكتبة اشوربانيبال..
هنا منارة الحدباء تعلو…
وهنا مهد الحضارات..،
ومجد أمتها …
فمن أين تأتي علوج كسرى…
لتسرق رأس سنطروق ومردوخ ….،
وننماخ وسنحاريب واسر حدون …
من نينوى الآن انطلق فجر …،
العراق…
قمر يأفل إثره قمر ..
ونجمة تأفل إثرها نجمة ..
وينهض العراق على مجد البطولة …
هكذا يولد العراق…
من رحم الشهادة وضوء الزمان…
يتسع جرحه بحجم السماء ..،
ويلتئم في لحظة العناق…
انه سورة في كتاب الكلام..
لوحة تتخلق من طين..،
الكلام ..
انه رقيم هذا الزمان ..
حين ينهض على وقع الدفوف وضرب الصنوج ..
من أعلى جبال هندرين..،
حتى لوح القيروان..
يخرج من كهوف هزار ميرد وشانيدر..،
وجرمو واشنونة ولكش والوركاء..
انه زمن البهاء ..
لازمن السفهاء..
زمن المجد..
لا زمن الدمج..
حين تكون الكلمة سيف ..
والموقف حرف..
كانت آلهة بابل تكتب على طين نينوى ..،
لوحة المدن الجريحة ..
وتغزل من أسمال آلهة ننماخ..
ثياب انكيدو..
مات كلكامش على سرير أفعى ..
ولم يمت الكلام…..،
في أور الذبيحة …
ها هو اوتونابشتم يكشف أسرار أريدو ..
من على منصة التاريخ …،
في مدن الظلام..
ولا ظلام سوى ظلام العمائم…،
في ارض بابل…
التي احرقها كورش واردشير وتيومان…،
وابن جناجة ذات يوم…….
بابل التي قتل فيها مجد العصور..
أبصرها الآن..،
تختصر العصور ..
هذا شيخ البصرة ابن الحكمة يرسم ضحكتها …،
بالدم ..
ويرفعها إلى أبهة الكلام فيها ..
هي مدن الكلام ..
يرعى بها الآن الازارقة والخوارج والعلوج والعجم ..
لقد مزقتها أسياف الظلام …،
واكف شياطين قم..
فمن أور سرى نور نينوى…،
الى قرى دمشق وحوران ..
وتأبد شجرا في ربى حطين ….
هناك آلهة المطر الفينيقي …،
ولعنة التاريخ ..
حجر البلاد يتلو…،
نشيد الخراب …
إنها المدن التائهة في ليل السراب ..
تدق دفوف الليل …
وتنشر رمل مدائنها على أديم الريح ..
هنا تتوقف الحرب …
يخرج من بين أصابع الرماد ..
صوت بغداد ..
فيغسل وجه العراق بالمطر القدسي ..
وترقص الطفولة في شوارع المدن الحجرية …
ترش الماء على عتبة الباب القديم..
ويبدأ العراق …
ويعلو النشيد..وطن مد على الأفق جناحا ….وارتدى مجد الحضارات وشاحا ….
انه نشيد البلاد..
انه نشيد العراق ….