البعير الذي قصم ظهر القشة – عبد الخالق الشاهر
وليس القشة التي قصمت ظهر البعير .. .انها الصواريخ التي اطلقت مؤخرا على السفارة الامريكية والتي هي ليست (كاتيوشا) كونها كانت شبه دقيقة حيث انها رغم كونها كسابقاتها لا بد ان تصيب اهدافا مدنية الا انها هذه المرة كانت مجهولة العدد ، وأحد تلك الصواريخ على الاقل اصاب السفارة الامريكية للمرة الاولى . ويدعم رأيي ان هناك فصيل مسلح لا اتذكره تحدث عن الهدنة وتحدث عن استخدام صواريخ غير الكاتيوشا لاحقا ، وكان ذلك قبل شهر تقريبا (زائد- ناقص).
هدف اطلاق تلك الصواريخ وأبعاده السياسية كان مختلفا ايضا خصوصا وأن الحزمة كانت اكبر ، وكانت هناك حزمة اخرى معدة للإطلاق تم افشالها ، والدقة اكثر والتوقيت بتصور الجهات التي اطلقتها كان الافضل حيث حصل تصور خاطئ بتقديري المتواضع وهو ان اطلاقها بهذا التوقيت (شهر واحد ويرحل ترامب ويأت بايدن) وترامب ليس لديه وقت للرد وبالتالي هي رسالة للرئيس بايدن مختصرها اننا هنا.
فضلا عن ذلك نجد ان السيد الكاظمي مختلف في رده هذه المرة حيث كان يظهر القوة والصرامة وقيم العمل بأنه عمل (ارهابي وجبان)، بل واجتمع بالسيدين رئيس ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي فقط لا غير – اي دون الاجهزة الامنية الاخرى ليطلب منهما تحديدا سرعة العمل لكشف الفاعلين ، وهذا ما لم يحصل سابقا حسب علمي ، فضلا عن قيامه باعتقال آمري القواطع التي انطلقت منها الصواريخ .. وترافق ذلك مع حملة امنية غير مسبوقة للتفتيش من لدن قوات مكافحة الارهاب ، والمتغير الأخر هو ان لجنة الامن والدفاع النيابية كانت متحمسة في تطابقها مع نهج الدولة . فضلا عن اعلان وزير الداخلية القاء القبض على احد مطلقي الصواريخ ، وليس هنا تكمن الاهمية بل هي تكمن في انه لم يسلم الى امن الحشد الشعبي وهذا تصريح ليس بالهين حيث انه يعني امكانية اكتشاف (الجهة) مما يعني ان الدولة قررت المضي في الطريق الى النهاية ان حالفتها الظروف ، ويبدو ان الظروف مناسبة من خلال تصريحات القادة الرسميين ومن خلال الجو التراجيدي التي خلقته الولايات المتحدة و(إسرائيل ) من ضربات جراحية في سوريا وتصريحات نارية وسيل من الطائرات التي تملأ سماء العراق والمحملة بما لذ وطاب ، وغواصات نووية وقاذفات ضخمة تذكرنا بسيناريو مرحلة التحشد لشن العدوان على العراق . . يقابل ذلك موقف ايراني متناقض ومختلف ففي الوقت الذي ادانت فيه (تقريبا) الكاتيوشا الا ان السيد ريحاني صرح تصريحا خطيرا للغاية اوردته قناة دجلة حين قال اننا سنقطع ارجل امريكا مقابل قطع يد سليماني.
بيئة اقليمية
هناك ما يحيط بالحدث في البيئة الاقليمية وهو ان ايران وأذرعها في المنطقة باتت شيئا فشيئا ليست القوة الاقليمية الاولى فهناك صعود اقتصادي عسكري سياسي لتركيا بات واقعا مرا لأيران خصوصا بعد تسييرها لقطار مباشر منها الى الصين(طريق الحرير) غير المعلن، ولا يمر بإيران ، وعسكريا بات لها اذرع وقواعد في المنطقة وأذرعها تركية اكثر منها غير تركية ، ولها علاقات مستدامة وواعدة مع الصين وروسيا (اس400) فضلا عن علاقات لا تنفصل مع العملاق الامريكي وحلف الاطلسي ، ومع الاتحاد الاوربي ، هذا فضلا عن استمرار صعود مصر كقوة اقليمية أما (اسرائيل ) فهي القوة الاقليمية الاولى وبدأت تثبت ذلك من خلال عملياتها الجراحية الناجحة في التصدي للوجود الايراني في سوريا فضلا عن العملية المتطورة للغاية في اغتيال العالم النووي الايراني . والهجمات السي برانية التي يعتقد ان (اسرائيل) هي منفذتها وآخرها تهديدات نتنياهو الصلفة امس 23 حيث وعد بعدم السماح بعدم السماح بسلاح نووي ايراني مطلقا ، وكذلك لا تواجد ايراني في سوريا ونفذ اليوم ضربة بطائرة مسيرة على فصيل (فاطميون) اسقطت عدد من الضحايا .فضلا عن تصريحه (( اننا لن نتسامح تجاه الصواريخ الايرانية عالية الدقة)
اما ايران فلم تقف في مكانها بل هي ادهشت العالم بالضربة الصاروخية الدقيقة والمباغتة رغم بعد المسافة لمنشآت ارامكو السعودية ، وهذا ما شكل تهديدا جديا لم ينكره خصومها بل باتوا يخططون لتحجيمه من خلال ربط موضوع الصواريخ بالاتفاق النووي باعتبارها وسائل ايصال للرؤوس النووية ، وبهذه الحجة تمكنت الولايات المتحدة من تشديد العقوبات لتحييد تلك القدرة الصاروخية ، وبما انها شكلت هاجسا امنيا للولايات المتحدة فأن ذلك انتقل الى الاتحاد الاوربي اسرع من انتقال كوفيد 20 وهو حتما انتقل من ترامب الى بايدن.. بل ان اطراف اتفاق فينا الاوروبيين اعترفوا مؤخرا ان ايران تهدد الاستقرار في المنطقة والعالم ، وطلبت من ايران الالتزام بالاتفاق وايقاف نشاطاتها الاخيرة . بل ان نتنياهو لمح بوضوح انه ليس الخطر النووي الايراني بل (الصواريخ الدقيقة) المنتشرة . كل ذلك يقودنا للاستنتاج بأن الطريق لعودة الحوار النووي غير ممهد بل ووعر للغاية خصوصا وأن ايران استغلت خروج امريكا من الاتفاق لتطوير وزيادة عدد اجهزة الطرد المركزي وغير ذلك من الامور التي رصدتها اقمار المراقبة ..
طرق النجاة
كل شيء متوقع في السياسة حيث يقول احد فلاسفتها (( قد يخيل الينا احيانا اننا يمكن ان نضع شيخا في المهد ونهزه)) ..وللذين يتوقعون ان بايدن سيرمي طوق النجاة لأيران ويرفع عنها العقوبات (بشخطة قلم) ويعود للاتفاق النووي بسلاسة… اقول ان هذا بتقديري المتواضع ما سوف لن يحصل بل ان الذي سيحصل في احسن الاحوال هو العودة الى مربع الحوار الاول (اتفاق فينا) وسيجري التركيز على الصواريخ التي اسماها نتنياهو ( العالية الدقة) وقد يجري خلال الحوار بعض التخفيف عن العقوبات الامريكية هذا هو احسن الاحوال وسوف لن يقصم البعير ظهر القشة .. الا اذا حصل الاحتمال القائم وهو ضربة ترامبية وداعية لأيران او اذرعها او الاثنان معا قبل مغادرته بساعات او ايام وأن ردت ايران فستكون الفرصة قائمة له بالاستمرار لفترة اشهر بحسب قانون طوارئ او غيره والرئيس ترامب لا يعدم وسائله ، او على الاقل يغادر ودولته العظمى غير مهانة.الاحتمال الثاني سيكون هو المرجح ان حصلت ضربة ايرانية انتقامية غير مدروسة قبل ان تكون الشمس عامودية على البيت الابيض يوم 20/1 وهو موعد تسليم السلطة في واشنطن ، وبكل الاحوال نحن نقترب من ضربة/ضربات امريكية ستكون للساحة العراقية حصة فيها، ومع ذلك فأن تلك الضربات لن توجه ضد الحكومة ومؤسساتها بل الى مطلقي الصواريخ باتجاه السفارة الامريكية ، ومن يدعمهم.