
البسيوني يمزج بين الحنين إلى الأصالة وريادة التجديد:
الإعلام رسالة لا تؤدى بالصوت فقط بل إحترام المستمع
بغداد – جاسم حيدر
في زمنٍ تتسارع فيه وتيرة الإعلام وتتنوع وسائله، تبقى بعض الأصوات شاهدة على نقاء المهنة، تحمل عبق الماضي وتستشرف آفاق المستقبل.ومن بين تلك الأصوات التي حفرت حضورها في ذاكرة الأثير، يبرز اسم الإذاعي عبدالرحمن البسيوني، رمزا من رموز الإعلام المصري والعربي، وواحدا من أولئك الذين اختاروا أن يكونوا للميكروفون ضميرا وللكلمة رسالة.فمنذ أن وطأت قدماه أروقة إذاعة صوت العرب عام 1996، أدرك البسيوني أن العمل الإذاعي ليس مجرد مهنة، بل مسؤولية ورسالة إنسانية.انطلق من المايكروفون إلى قلوب المستمعين بصوته الهادئ العميق، وبأسلوبه القريب من الناس، حتى أصبح أحد أبرز الأصوات التي تحمل روح الإذاعة المصرية في أبهى صورها.
سنوات قليلة كانت كافية ليبرهن على موهبته وتميزه، فتدرج في المناصب حتى تولى إدارة التنفيذ ثم إدارة المذيعين في شبكة صوت العرب، قبل أن يصدر قرار رئيس الإذاعة المصرية محمد نوار في ايلول /سبتمبر 2024 بتعيينه رئيسًا لشبكة صوت العرب — في خطوة حظيت بتقدير واسع داخل الأوساط الإعلامية لما عُرف عنه من إخلاص واحترافية ورؤية تطويرية طموحة.لكن رحلة البسيوني لم تتوقف عند حدود الميكروفون؛ فقد جمع بين الإعلامي الميداني والباحث الأكاديمي، وبين المذيع وصانع المحتوى الرقمي.
عمل مذيعا بإذاعة أم القيوين بالإمارات لأربع سنوات، قبل أن ينتقل إلى عالم الاقتصاد عبر شبكة CNBC عربية بالقاهرة، حيث عمل مراسلا ومنتجا لعقد من الزمن، كما خاض تجربة الإعلام الرقمي بإدارته موقع مجلة «الطبيب»، وهو ما أتاح له فهما عميقا للتحولات التكنولوجية التي أعادت رسم ملامح المشهد الإعلامي.
مجال اكاديمي
ولم يقتصر نشاطه على العمل الإعلامي فحسب، بل امتد إلى المجال الأكاديمي، حيث قدم محاضرات وورشا تدريبية في عدد من كليات وأكاديميات الإعلام، وأسهم في إعداد جيل جديد من المذيعين الشباب الذين تتلمذوا على يديه، مستفيدين من خبرته وعمقه المهني.أما في الجانب السياحي والثقافي، فقد تولى منصب نائب رئيس الاتحاد العربي للإعلام التراثي وعضوية مجلس إدارة الاتحاد العربي للإعلام السياحي، مؤمنا بأن الإعلام التراثي والسياحي هو بوابة الوعي والانتماء، وجسر التواصل بين الحاضر وجذور الهوية.
كما أن في رصيده عدد من البرامج الإذاعية التي حفرت أثرا عميقا في ذاكرة المستمعين، من بينها «تليفون وميكروفون» و»أرصاد شخصية» و»سبع صنايع»، وهي برامج جمعت بين الأصالة والمتعة والمضمون.أما برنامجه «يارب» الذي يُذاع في ساعات الفجر الأولى، فقد حمل نفحات روحية وإنسانية جعلته الأقرب إلى القلوب، بصوته الخاشع وكلماته المضيئة التي تبعث السكينة في لحظات الصفاء.ورغم تعدد المناصب والنجاحات، يبقى عبدالرحمن البسيوني في جوهره إذاعيا بالفطرة، لا يفصله عن الميكروفون إلا ليعود إليه من زاوية أعمق.
رؤيته لتطوير شبكة صوت العرب تنطلق من إيمانه بأن الإذاعة يجب أن تتجدد دون أن تفقد هويتها، وأن صوت العرب الذي صدح يوما من القاهرة إلى كل الوطن العربي، لا يزال قادرا على أن يواكب العصر ويخاطب الأجيال الجديدة بنفس الروح والعقيدة. يقول البسيوني والذي التقيته لعدة مرات و زرته في محل عمله بمقر اذاعة صوت العرب، ان : «الإعلام رسالة لا تُؤدى بالصوت فقط، بل بالفكر، والوعي، والاحترام للمستمع.»ولهذا يصفه زملاؤه بأنه مزيج نادر من الرصانة والتجديد، ومن الحنين إلى الأصالة والرغبة في التغيير، وهذا الشيء لمسته بنفسي خلال لقاءاتي معه.
رغم مسيرته الإذاعية الطويلة، يظل عبدالرحمن البسيوني نموذجا للإذاعي الذي لم تغره الشهرة، ولم تغيره المناصب، بل ظل وفيا لصوت آمن أنه مسؤولية قبل أن يكون مجدا.
هو ابن المدرسة الإذاعية التي تربت على الصدق والرسالة، وعلى أن الميكروفون لا يحتمل الزيف، بل يحتفي فقط بمن يملك قلبا صادقا وصوتا يحمل الحياة.



















