البديل عن المأزق – عماد آل جلال
لدينا واقع معاش ثابت على الارض هو نتيجة لعملية سياسية انبثقت عن رؤية قاصرة تبناها المحتل وفرضها على القوى المتصدرة التي اما قبلتها عن مضض او انها تماهت معها. حاليا هناك من بين القوميين من كل الاطراف الاثنية الكبرى التي ترى ان العراق او المناطق التي تعيش عليها تلك الاثنيات لا يساوي الا جزءا من مشروع اكبر يمتد خارج العراق، او ان اجزاء العراق هي جزء من ذلك المشروع الاكبر، وهذا ما نجده لدى القوميين العرب والقوميين الكرد. فكل من القوميتين يسود بينهما تيار قوي لا ينظر للعراق كدولة موحدة وطنية انما العراق هو جزء من اجزاء اكبر كان يفترض ان تكون كل منها دول بعد الحرب العالمية الاولى ومنها الدولة الكردية العربية.وهناك من بين الاسلاميين، الذين يبنون تقسيماتهم وفق رؤية شمولية، لا ترى في العراق دولة لها سيادة وإنما يعد العراق في نظرهم، جزءا من مشروع اوسع ينتمون اليه يمتد ليشمل كل دول الانتماء العقيدي، ومن ثم فأن مشروع الدولة غير واضح المعالم، كما ان الشعور الديني يفضي الى توظيف كل امكانات الدولة في خدمة مشروعها الذي تعتقد انه هو النظام الامثل لبناء الانسان والمجتمع.وهناك من بين العلمانيين الذين يحلمون بعراق ليبرالي، وطالما ان الدولة في الاساس هي مشروع علماني وليس ديني، فالدين لا يقترن بالدولة كأساس كونه عبارة عن انتماءات مفتوحة لمريديه وشأن شخصي وهو لا يساوي بين المواطنين، أما الدولة فهي اجراءات ذات صبغة علمانية، وما نقصده هنا هو حلمهم بأن يسود العمل السياسي العلماني الليبرالي على العمل السياسي الذي يتخفى خلف الانتماءات الدينية. إلا ان التطبيق قد جاء خلاف ذلك فقد ضعفت العلمانية في ظل تعاظم ضغوط الطرحين القومي والاسلامي، وعلى هذا بدا التيار العلماني واقطابه بلا غطاء وبلا دعم، وانسحب مريدوه تحت طلب الحماية الشخصية عن النفس حتى صار بلا اساس يستطيع ان يعتمده او قاعدة ينطلق منها. ناهيك على افتقاره لمشروع سياسي واجتماعي في ظرف اتجهت غالبية المجتمع نحو خيارات اخرى، اما اقتناعاً بها او طلباً للحماية او طلباً لمصادر الرزق، لقد جاء ذلك بسبب انتهاء دور الدولة المدنية.وهناك القبليون ومن ليس لهم حلم سوى الحلم بالعيش بعيداً عن كل ما تقدم من اطروحات، وهؤلاء يمثلون اغلبية صامتة، لكنها اغلبية غير منظمة لا تستطيع العمل في ظل هذا الواقع، والنظر في علاقات القوى تجعل المواطنين الذين لهم هذه القناعات في اضعف حال. المهم ان هذا التيار ومريديه لا زال غير مرصود ولم يظهر الى السطح بعد.
في ظل هذا الواقع المشتت ينبغي على النخب البحث عن حلول جذرية لانتاج واقع جديد يلبي طموح الشعب في قيام دولة مدنية ديمقراطية تمثل جميع العراقيين دون استثناء يسود فيها العدل والقانون.
كيف ومتي… هو ما يوجب على النخب والكفاءات والمخلصين اعلان رايهم الصريح والواضح فيها. فلا مناص من ذلك ومن المؤكد ان القلة من ابناء الشعب راهنت على الحكومات السابقة والقلة أيضا من تراهن على حكومة السوداني الحالية التي تمر عبر الخندق نفسه الذي مرت به جميع الحكومات السابقة سيما ان فشل اي حكومة لا يلحق الضرر بها فحسب، بل بالعراق ومحيطه العربي والدولي.