الاذكياء والأغبياء

فاتح عبدالسلام

‭ ‬ما‭ ‬اضيق‭ ‬الحياة‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬حين‭ ‬تنحسر‭ ‬كل‭ ‬الهموم‭ ‬والاحلام‭ ‬فيما‭ ‬توافق‭ ‬عليه‭ ‬السياسيون‭ ‬او‭ ‬اختلفوا،‭ ‬وما‭ ‬أصغر‭ ‬اسم‭ ‬العراق‭ ‬حين‭ ‬يقرنه‭ ‬بعض‭ ‬الموهومين‭ ‬باسم‭ ‬حزبه‭ ‬أو‭ ‬زعيمه‭ ‬أو‭ ‬طائفته‭ ‬أو‭ ‬خرافاته‭.‬

ما‭ ‬أكبر‭ ‬اسم‭ ‬العراق،‭ ‬حين‭ ‬تتجلى‭ ‬مواهب‭ ‬أبنائه‭ ‬من‭ ‬المبدعين‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬المجالات‭ ‬يجولون‭ ‬العالم‭ ‬ويقيمون‭ ‬في‭ ‬ابرز‭ ‬عواصمه‭ ‬حاملين‭ ‬شعلة‭ ‬تألقهم‭ ‬التي‭ ‬تشير‭ ‬الى‭ ‬جذور‭ ‬انتمائهم‭ ‬للبلد‭ ‬الذي‭ ‬غادروه‭ ‬منذ‭ ‬عقود،‭ ‬وربّما‭ ‬لم‭ ‬يعودوا‭ ‬اليه‭ ‬ولا‭ ‬يفكرون‭ ‬في‭ ‬العودة‭ ‬الى‭ ‬حضنه‭ ‬بعد‭ ‬ما‭ ‬رأوا‭ ‬وسمعوا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬فيه‭ ‬من‭ ‬تراجع‭ ‬في‭ ‬مقومات‭ ‬علو‭ ‬اسمه‭ ‬وسمو‭ ‬شأنه‭.‬

لكن‭ ‬في‭ ‬الجانب‭ ‬الاخر،‭ ‬هناك‭ ‬جيل‭ ‬جديد‭ ‬ينمو‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬مليء‭ ‬بالآمال‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تستطع‭ ‬أن‭ ‬تكسرها‭ ‬كوارث‭ ‬الأحزاب‭ ‬والسياسيين‭ ‬طوال‭ ‬تسع‭ ‬عشرة‭ ‬سنة‭. ‬هذا‭ ‬الجيل‭ ‬فيه‭ ‬مواهب‭ ‬علمية

‭ ‬رأينا‭ ‬انّ‭ ‬هناك‭ ‬مدارس‭ ‬معدودة‭ ‬للمتفوقين‭ ‬عائدة‭ ‬الى‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬ومديرياتها‭ ‬العامة‭ ‬في‭ ‬المحافظات،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬لا‭ ‬يكفي‭ ‬،‭ ‬والمواهب،‭ ‬ليست‭ ‬خاضعة‭ ‬لتقييم‭ ‬الدرجات‭ ‬فقط،‭ ‬وانها‭ ‬يمكن‭ ‬ان‭ ‬تندثر‭ ‬وتضعف‭ ‬وتفقد‭ ‬بريقها‭ ‬،‭ ‬اذا‭ ‬بقيت‭ ‬في‭ ‬مسارات‭ ‬المدارس‭ ‬وحدها‭ ‬مهما‭ ‬كانت‭ ‬العناية‭ ‬كبيرة‭ ‬بها‭ ‬لأنّ‭  ‬أصحاب‭ ‬المواهب‭ ‬العلمية‭ ‬في‭ ‬الرياضيات‭ ‬والفيزياء‭ ‬والعلوم‭ ‬الأخرى‭ ‬سينتقلون‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬في‭ ‬جامعات‭ ‬عراقية،‭ ‬تبدو‭ ‬غير‭ ‬مستعدة‭ ‬لاستقبال‭ ‬المواهب‭ ‬التي‭ ‬تتفوق‭ ‬علميا‭ ‬على‭ ‬القابليات‭ ‬العادية‭ ‬من‭ ‬الطلبة‭ ‬الناجحين‭ ‬او‭ ‬المجتهدين‭ .‬

‭ ‬اعلم‭ ‬ان‭ ‬القوانين‭ ‬تراعي‭ ‬في‭ ‬القبول‭ ‬بالجامعات‭ ‬الدرجات‭ ‬المستحصلة‭ ‬في‭ ‬الامتحانات‭ ‬العامة‭ ‬،‭ ‬لكن‭ ‬هذا‭ ‬النظام‭ ‬قديم‭ ‬جدا،‭ ‬وانه‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬استناده‭ ‬الى‭ ‬تجربة‭ ‬التعليم‭ ‬الإنكليزية‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬منذ‭ ‬مطلع‭ ‬القرن‭ ‬العشرين‭ ‬وليس‭ ‬الان،‭ ‬إذ‭ ‬تُجري‭ ‬الجامعات‭ ‬في‭ ‬بريطانيا‭ ‬نفسها،‭ ‬مقابلات‭ ‬منذ‭ ‬منتصف‭ ‬السنة‭ ‬الدراسية‭ ‬الأخيرة‭ ‬مع‭ ‬الطلبة‭ ‬المتفوقين‭ ‬والمتوقع‭ ‬قبولهم‭ ‬فيها،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬تختار‭ ‬الطلبة‭ ‬المناسبين‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬انّ‭ ‬جميع‭ ‬الطلبة‭ ‬قد‭ ‬يكونون‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬الدرجات‭ ‬النهائية،‭ ‬فذلك‭ ‬لا‭ ‬يهم‭ ‬ولا‭ ‬تتأثر‭ ‬فيه‭ ‬الجامعات‭ ‬الكبيرة‭ ‬التي‭ ‬تنتقي‭ ‬طلبتها‭ ‬من‭ ‬الثانويات‭ ‬قبل‭ ‬دخول‭ ‬الامتحانات‭ ‬العامة‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬تأتي‭ ‬المفاضلة‭ ‬بالدرجات‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬العدد‭  ‬اكبر‭ ‬من‭ ‬قابلية‭ ‬الجامعة‭ ‬على‭ ‬استقباله‭.‬

مواهب‭ ‬التلاميذ‭ ‬العلمية،‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬مجمل‭ ‬المؤسسات‭ ‬والوزارات‭ ‬وليس‭ ‬وزارة‭ ‬التربية‭ ‬فقط‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬بدَّ‭ ‬من‭ ‬الالتفات‭ ‬الى‭ ‬الاذكياء‭ ‬قبل‭ ‬ان‭ ‬يتلوثوا‭ ‬بمؤثرات‭ ‬السخام‭ ‬السياسي‭ ‬المطبق‭ ‬على‭ ‬البلاد‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬صوب‭ ‬وحدب‭.‬

رئيس التحرير-الطبعة الدولية

fatihabdulsalam@hotmail.com

مشاركة