محمد السهر
على الرغم من أن الذكرى المئوية لولادة الشاعرة العراقية الكبيرة نازك الملائكة ستكون عند الثالث والعشرين من آب المقبل، لكن حسناً فعلت الحكومة العراقية ووزارة التربية باعتماد يوم 16 آذار مناسبةً للاحتفال بهذه الذكرى المهمة في المدارس العراقية على طول الوطن وعرضه، وها هي ذي الشاعرة الكبيرة تمنحنا فرصة نادرة للاندماج الوطني الذي نحن بحاجة ماسة إليه..
…
لقد كنا في غفلة عن موت نازك في العشرين من حزيران 2007 بسبب انشغالنا بهموم الوطن في تلك السنة العصيبة، لكننا نعود لنحتفل بذكرى ميلادها ليكون لنا نبراساً، وأملاً بمستقبل لا بد أن نعمل على أن يكون أفضل من خلال التمسك بوحدتنا التي لا غنى لنا عنها بأية حال من الأحوال..
….
قبل مائة عام مضت، والدولة العراقية الحديثة لم يكن قد مضى على ولادتها سوى عامين؛ ولدت نازك صادق الملائكة في العاصمة بغداد. ولقد بدا نبوغ هذه الفتاة مبكراً عندما شكلت مع بدر شاكر السياب، وعبد الوهاب البياتي،وبلند الحيدري، وشاذل طاقة أول مجموعة للشعر الحر على مستوى الوطن العربي بأسره؛ ولقد كانت نازك المرأة الوحيدة من بين هذه المجموعة التي استطاعت أن تؤسس نمطا جديدا للشعر خارج عن النمط الكلاسيكي القديم..
….
وتأتي أهمية نازك الملائكة من كونها أول امرأة كتبت في الشعر الحديث، وذلك من خلال قصيدتها( الكوليرا) التي سبقت بها حتى السياب والبياتي وطاقة والحيدري الذين لحقوا بها بمدة قصيرة. ولقد صدرت لنازك بعد ذلك عدة مجاميع شعرية كان من أهمها:( عاشقة الليل، والصلاة والثورة، وشظايا ورماد، والبحر يغير ألوانه، وقرارة الموجة)، كما أصدرت عدد من الكتب المهمة منها:( الصومعة والشرفة الحمراء، وسيكولوجيا الشعر، وقضايا الشعر الحديث، والشمس وراء القمة، والتجزيئية في المجتمع العربي)، ولقد صدرَ عنها عشرات الكتب، ورسائل الماجستير، واطروحات الدكتوراه..
….
إن احتفالا بالذكرى المائة لولادة شاعرة أنما يعد بارقة أمل وشعاع من النور يبدد الظلمة التي تغشى دروبنا بين مدة وأخرى، كما أنها تعد محاولة إنعاش ذاكرتنا وتنقيتها من مفردات الرثاثة التي تحاصرنا في كل مكان..
إن الأمم الحية والعظيمة تحرص على الاحتفال بذكرى مبدعيها من أجل الافتخار بهم من جهة، ومن جهة أخرى في سبيل تعريف أجيالها الناشئة بالمبدعين من أبناء الوطن على أمل الاقتداء بهم والسير على هداهم..
أكاد أُجزم بأن ليس مئات آلاف التلاميذ فحسب، بل مئات المعلمين سيتفاجئون يوم غداً بأن هناك شاعرة عراقية كانت الرائدة الأولى على مستوى الوطن العربي في التأسيس للشعر الحديث..
…
وفي العراق هنالكَ الكثير من الأسماء العظيمة التي تستحق الإشادة والاحتفال وتعريف الناس بها؛ إذ نازك الشاعرة لا تقل أهميةً عن زها حديد المهندسة المعمارية العالمية الشهيرة، وهذه لا تقل أهمية عن نزيهة الدليمي أول وزيرة على مستوى الوطن العربي..
من هنا يبدو لنا كم نحن مقصرون بحق أنفسنا، وبحق رموزنا والتعريف بهم، والاحتفاء بإرثهم، والاحتفال بذكرى ميلادهم من أجل إعادة تنقية الذاكرة الجمعية على الأقل..