الإهتمام بالجهلة – عدالت عبد الـله
ثمة سؤالٌ مُربكٌ يحفزنا أحيانًا على تغيير نمط تفكيرنا تجاه القضايا العامة وما يرتبط بأحوال البلاد والعباد، ويدفعنا نحو التقهقر إلى نمط آخر من التفكير يمكن تسميته بـ»السوداوي الموضوعي»، وذلك نتيجة لانعدام جدوى الانخراط في مناقشة شؤون الناس وشجونهم، التي تتردى عامًا بعد عام، من دون أن يكون هناك رادع فكري حقيقي يهز ضمائر الأطراف والأفراد المسؤولين عمّا آلت إليه الأوضاع والأوجاع في بلدنا.
هذا السؤال هو: لماذا يا تُرى كل هذا الكم الهائل من الاهتمام بعناصر وفئات جاهلة وانتهازية من قِبل الساسة القادة لإدارة الشأن العام، في مقابل استبعاد الخبرات والعقول والكفاءات من خدمة البلاد وإقصائهم كليًا عن ميدان إدارة العباد؟ لماذا هذا التمسّك بمن هو متجرد من أي إمكانية أو قدرة على إحداث تغيير مرجو، ومحاربة كل من يملك تصورات علمية وطروحات نقدية وإصلاحية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في العراق وإقليمه كردستان؟
لماذا يا تُرى كل هذا الحقد والخوف تجاه الطبقة المتنورة، وأصحاب الخبرات والمبدعين في مجالات اختصاصهم؟ ولماذا يُستعاض عنهم بإبراز وتقدير ذواتٍ جاهلة ومتملقة وانتهازية، ومنحهم اعتبارات اجتماعية وامتيازات حكومية لا يستحقونها أصلًا، لولا دعم قادة الأحزاب المتنفذة لهم وفرضهم على حساب تطلعات الشعب؟
متى تعي القيادات الحزبية أن الانتهازيين والجهلة، في كل زمان ومكان، لا يقدمون للبلد سوى الخراب والتراجع؟ فهم معتادون على التملق والتبجيل لكل ما هو فاسد وضائع ووضيع، طمعًا في رضا المتنفذين والحصول على الامتيازات والمناصب.
كيف وأين بُنيت الدول وازدهرت اعتمادًا على عناصر اجتماعية معروفة باستغلال الأزمات، وفي ظل غياب معايير التقييم والمعالجة؟ أولئك يسعون إلى إبراز أنفسهم والمساهمة في شلّ قدرات الإصلاح وإنتاج المزيد من الأزمات، بفعل غياب الرؤية، وانعدام الحلول العلمية والعملية، وهم ليسوا من أهلها أصلًا. فهذه مهمة أصحاب العقول، ممن يطرحون الحلول عبر الدراسة والتحليل، لا أولئك الذين يحيون وسط الأزمات والصراعات، وتحت تضخم المصالح الخاصة والفئوية التي تُقوّض الحد الأدنى من البصيرة في مقاربة الأزمات والسعي لحلّها.
مواقف سلبية
صحيح أننا نتفق مع المفكر الكندي «آلان دونو– Alain Deneault» في كتابه (نظام التفاهة-2017م) بأننا نعيش مرحلة تاريخية يسيطر فيها التافهون على مفاصل الدولة الحديثة، ويغيب معها الأداء الرفيع ومتطلبات الجودة، وتُهمَّش منظومات القيم. إلا أن هذه الأسئلة، دون إجابات مُرضية ومقنعة، تبقى حاضرة وبقوة في وجدان المخلصين في بلدانهم، بل تدفع كثيرًا من الخيّرين إلى اتخاذ مواقف سلبية من الحياة السياسية، وتغيير نمط تفكيرهم، واختيار العزلة الاجتماعية والابتعاد عن حقل السياسة، الذي هو مجال إدارة الدولة وخدمة الشأن العام.
وهكذا، تتزايد أعداد الانتهازيين وتتراكم الطاقات السلبية، التي تدمّر مقومات العلاقة بين الدولة والمجتمع، وتفتح الأبواب أمام احتمالات قد تضرب استقرار البلاد في الصميم، وتهدم كل ما بُني بكفاح العقول وإرادات أخيار هذا الشعب.