الإنسان والسلطة – جاسم مراد
لاندري هل هي دعوة الوجع الدائم ، أم إن خياراتنا مكبلة بانانية الانتماء والاختيار ، فالتاريخ البعيد والقريب ، لم يسجل ضعف الانسان في الرفض ، ولا قبولة الهوان ، فقـــــد قدم هذا الانسان نخباً رائعة في التضــــــحية ، وطنيـــــة وشيوعية واسلامـــــية وعروبية وناصرية مدنيــــــة وعسكرية مبدعة ومفكرة ، واعداداً هائلة من الناس المضحين من اجل الحرية والاستــــــقلال والدولة الجـــــامعة القوية .
الانسان في العراق ، بطبيعته تساؤلي ، لم يعط ولاءه إلا بعد التيقن ، وإذا ما اجبر فانه يكظم إرادته ويخفي مواقفه إلا من يطمئن له، وهو طموح بطبعه ، حداثي في نواياه وممارساته .
بعد سنوات القهر السياسي، والاجبار على الانتماء للون الواحد، والاختيار الواحد ، وغياب الوطنية والمواطنة، لصالح سلطة القيادة الواحدة ، والشعار الواحد، والرأي الواحد، برزت الانتهازية باعلى مراحلها، وصارت لغة المداهنة في سوق التزلف ، واحدة من ابرز عناصر الموالاة، وضاع في هذا الازدحام الكثير من اصحاب الرأي والموقف في العشيرة والمدينة، واصبح الزحام مكتظا بين هذا وذاك ، ودخلت البلاد في خوانق لاضرورة لها من الحروب العبثية التي فجرت الطاقات البشرية في مكانات انهكت تماما النفوس وقطعت اوصال الانتماء، وفرغت البلاد من الحركات الوطنية والقوى الحية والشخصيات الموثوقة بالرأي ، فمنهم من هاجر وبعضهم من انكفا، والكثير من تيبست اجسادهم .
في ظل هذه المرحلة القاسية ، جاء الغزو وفعل فعلته في رسم خارطة جديدة بين الناس، خارطة الانتماء للمذهب والمنطقة على حساب الوطن والمواطنة ، واشيع بين الناس بان اختيارات المذاهب والاعراق هو الضامن للحقوق بغيىة ترسيخ محاصصة السلطة وتوزيعها على هذا الاساس على وفق شروط مجلس الحكم ، واصبح أي رأي وموقف مخالف متهم بتخريب ديمقراطية بريمر ، أو انه من اتباع سلطة النظام الزائل .
جاء الغزو وكانت الساحة العراقية خالية من القوى الفاعلة ، إلا القليل منهم مما ساعد في بروز اطراف وشخصيات ركبت موجة التفريق ، وساعدت في تسهيل مهمة المشروع الاستعماري الاحتلالي قبل الغزو وبعدة .
إلا طرفان فقط رفضا الاجتياح العسكري الغربي للعراق ، وهما حزب الدعوة الاسلامية والحزب الشيوعي العراقي . وبعد ذلك بدأت سياسات ترسيخ المحاصصة واصبحت الدولة مكشوفة ، وتغلبت مفاهيم السلطة الاستحواذية على الدولة القانونية ، وانهارت عمدا أو اهمالا معظم إن لم نقل كل عوامل القوة الاقتصادية والانتاجية المحلية ، وصار اللهاث وراء الاستيرادات والشركات الوهمية وعمليات التلاعب بالمال العام من ابرز نشاطات منظومات المحاصصة المسيطرة مفاعيل السلطة . مثل هذا السلوك هو ماتريدة القوى الاحتلالية ، لانه ليس من مصلحتها بناء دولة قوية وسلطة فارضة حضورها على كل المفاصل ..
وتغيرت الكثير من المفاهيم الاخلاقية والانسانية والوطنية ، وصار الانسان الذي كان يلعب دورا رياديا في التغيرات السياسية مشغولا بمفاهيم المذهبية والعرقية ، واصبح العراق في كل محطة اختلافية بين الاطراف الحاكمة مهددا بالتقسيم واعلان الفيدراليات الفاشلة التي تتعكز على الدستور الاشكالية .
الحرية والديمقراطية ليست منة من احد ، وإنما تنتزعها إرادة الشعوب الحرة ، والمذهبية والعرقية وسلطات المحاصصة المبنية عليهما ، لايمكنها ابدا ان تبني نظاما ودولة قوية منتجة تحقق مصالح الناس ، وتنهض بالبلاد اقتصاديا وثقافيا وتنمويا ، وهذا ماكشفته السنوات الماضية من حكم المحاصصات المذهبية .
نحن مؤمنون بان الشعب الذي انتفض عبر التاريخ المعاصر وقدم الاف الشهداء لايمكنه الاستكانة على الوضع القائم ، ومؤمنون بان هناك شخصيات تعمل لتغيير المعادلة باتجاه ترصين دولة القانون ، فبلاد الرافدين وانسانها الذي دوخته السياسات الملتهبة لابد وان ينهض باتجاه تحقيق السلطة القوية المستندة لقوانين الدولة ومفاهيم المواطنة ، وان التلكؤ في اختيارات الافضل لادارة مفاصل السلطة، نعتقد هي مقدمات مهمة للانسان العراقي ومعه المخلصون المهتمون لتغيير السياسات القائمة وتحقيق سلطة الوطن والانسان معا.