الإنتماء العشائري إلزام أم إلتزام ؟ – عبد الستار جابر الإسماعيلي
لا يختلف إثنان على أن العشيرة من أهم الواجهات المؤثرة في الحياة الاجتماعية ،فلقد ادت العشيرة ولازالت تؤدي دوراً مشهوداً في تنظيم وحل الكثير من الإشكاليات والقضايا التي تحدث بين الافراد والجماعات بالطرق والاساليب المعهودة بما تمتلكه العشيرة من وجوه اجتماعية لها حضور اجتماعي مؤثر…اذ ان العشيرة هي الكيان الذي يتولى رعاية العادات والتقاليد الاجتماعبة بما يتلخص بالعرف الاجتماعي حيث يمثل احد اسس التنظيم الاجتماعي بالاضافة الى الاسس الدينية والقواعد القانونية .
ان النظرة المتفحصة لتاريخنا الإجتماعي توقفنا على حقيقة مهمة وهي أن الأعراف والتقاليد العشائرية كانت هي السائدة قبل تشريع القوانين بل أستمر ومازال تأثيرها حتى يومنا هذا وذلك أمرٌ لا يختلف عليه إثنان ولاسيما إن إنحدارنا الإجتماعي هو من هذه العشائر التي هي موضع إعتزاز وفخر لإرتباطها .بقيم ومبادئ أصيلة توارثتها أجيال متعاقبة وقد أدى العرف العشائري دوره في تنظيم الحياة الإجتماعية قبل تأسيس الدولة العراقية وقبل أن يوجد على هذه الأرض قانون بل نجد ان العشيرة حاضرة في وقت الأزمات، وقد لمسنا ذلك عندما غابت السلطة وإختفى دور القانون حيث أدت العشيرة دوراً إجتماعياً مهماً في تنظيم الحياة الإجتماعية ، وفي حل الإشكاليات التي تحدث هنا وهناك .
ومن خلال إستقراء الظروف الإجتماعية وتأثيرها على النظام الإجتماعي بشكل عام والمجتمع العشائري بشكل خاص نجد أن كثيراً من التغيرات قد حصلت في البنية الإجتماعية وفي أساليب التعامل وحدوث تطورات في المفاهيم التي كانت سائدة بتأثير الظروف الإقتصادية والسياسية والأزمات الخطيرة التي تعرض لها مجتمعنا ومازال يخوض غمارها فتحت تأثير تلك الظروف لم يعد ذلك الإلتزام بهذه القيم والتقاليد كما هو معهود قبل ثلاثةعقود على الأقل بل أننا نجد أن التغير يكبر كلما إقتربنا منواقعنا الحالي.
مؤسسة دينية
وبناءً على ماتقدم فان العشيرة كانت وماتزال تؤدي ذات الدور وهذا الدورالذي لايمكن بأي حال تجاهله او إغفاله…بل لانغالي اذا قلنا ان هناك الكثير من الامور والاشكاليات لم تجد اليها المؤسسة الدينية ولا الدوائر القضائية اليها سبيلاً ليس عجزاً في الدين ولا في القانون وإنما الطبيعة الاجتماعية تفرض ان الاساليب العشائرية هي الاكثر قبولاً في الوسط الاجتماعي لاسباب تتعلق بالموروث الاجتماعي الذي درج عليه ابناء المجتمع …اذ ان هذا الموروث له كبير الاثر في وجود قناعات مؤثرة يجعل من العرف العشائري له تلك السطوة القوية…واذا تمعنا جيداًِ في الاساليب الدينية او الاجراءات القانونية نجد ان هذه الاساليب قد تقتصرعلى اساليب ايقاع الجزاء بحق المتجاوز على حقوق الاخرين بينما الاساليب العشائرية ،فإنها بالاضافة الى ايقاع الجزاء تمثل حالة اعتبارية واجبة الاحترام وجوباً اجتماعياً وبمعنى ادق وجوباً عشائرياً تفرضه التقاليد والاعراف العشائرية ، لان الخروج على هذه التقاليد والاعراف من شأنه ان يضعف قيمة الانسان الاجتماعية ويجعله محط نقد ونظرة متدنية من قبل افراد العشيرة الأمر الذي يجعل من التقيد بما تفرضهُ العشيرة ذو صفة إلزامية كلما اجتمعت في الشخص المعني الصفات الاخلاقية والسلوكية المتوازنة المقترنة بالاحترام والالتزام الاخلاقي والحرص على الانتماء الواقعي بالعشيرة المرتبط بشعور الفخر والاعتزاز بهذا الانتماء وكلما كان مستوى ارتباط الانسان بعشيرته قوياً كلما كان اكثر انصياعاً لما تتوصل اليه العشيرة من قناعات وقرارات وتوصيات…الخ ، فإستجابة افراد العشيرة بهذا المعنى ليس بفعل القوة القسرية وإنما هو بفعل الالتزام الاخلاقي والاعتباري .
واذا ماتأملنا ودققنا في التاريخ العشائري وبحثنا موضوع التزام افراد العشيرة نتوصل الى حقيقة مهمة لانجد حرجاً من الاشارة اليها وهي ان مستوى هذا الالتزام يزداد كلما توغلنا في الماضي وتفسير ذلك ان العشيرة في سالف العهود كانت تمثل سلطة تستمد قوتها من ذلك التخويل الاعتباري الذي تضفيه عدة عوامل من بينها ان السلطات الحاكمة انذاك كانت تعطي للعشيرة مساحة من الصلاحيةوالقيمةالاعتبارية ، يساعد على ذلك الطبيعة الاجتماعية للافراد ومستوى معيشتهم وطريقة تفكيرهم ونظرتهم للحياة .فإرتباطهم بالارض وانشغالهم بالزراعة والصيد والرعي…الخ . يجعلهم يعيشون عالمهم الخاص بهم بعيداً عن تأثيرات وبالتالي كان ارتباط الافراد بذلك العالم ارتباطاً على درجة من قوة الآصرة مايجعلهم يولون قضايا العشيرة وشؤونها ومتطلباتها الاهتمام الكبير.
وبعد التطورات الكبيرة التي حدثت في بنية المجتمع بشكل عام والتأثيرات الثقافية والعلمية وتأثير الهجرة من الريف الى المدينة
حصلت تغيرات كبيرة في بنية العشيرة وانعكس ذلك على علاقة الفرد بعشيرته فمن علاقة قريبة مواكبة للاحداث الى علاقة ارتباط رمزي بسبب الانتقال المكاني والانشغال الوظيفي والعملي ،وتدريجياً اصبحت علاقة الفرد بالعشيرة علاقة انتماء اعتباري ورمزي ولم تعد العلاقة بتلك القوة المعهوده حين كان الفرد فلاحاً بعيدا ً عن ارهاصات الواقع السياسي القائم واجواء المدينةوبالتالي كان ارتباط الافراد بذلك العالم ارتباطاً على درجة من قوة الآصرة مايجعلهم يولون قضايا العشيرة وشؤونها ومتطلباتها الاهتمام الكبير.وبعد التطورات الكبيرة التي حدثت في بنية المجتمع بشكل عام والتأثيرات الثقافية والعلمية وتأثير الهجرة من الريف الى المدينة حصلت تغيرات كبيرة في بنية العشيرة وانعكس ذلك على علاقة الفرد بعشيرته فمن علاقة قريبة مواكبة للاحداث الى علاقة ارتباط رمزي بسبب الانتقال المكاني والانشغال الوظيفي والعملي ، وتدريجياً اصبحت علاقة الفرد بالعشيرة علاقة انتماء اعتباري ورمزي ولم تعد العلاقة بتلك القوة المعهودة حين كان الفرد فلاحاًفإذا مافقد تأثير هذا العامل الاعتباري والاخلاقي في توازن شخصية اي فرد من افراد العشيرة كان على بقية الافراد واجب الاستنكار والرفض بل والمقاطعة اذا استلزم الأمر وهو مايتمثل في القرارات التي تتخذها بعض العشائر في استبعاد مَن يقدم على تكرار الاعمال المشينة من العشيرة.
مستوى الزام
بهذا المقدار بإمكاننا ان نتصور مستوى الإلزام الذي تفرضه العشيرة على افرادها .
وبطبيعة يتعزز هذا الإلزام متى ما وجد إلتزاماً اخلاقياً من قبل الافراد.
وعلى ضوء ماتقدم يتضح لنا ان الانتماء العشائري يمثل احد اسس البناء الاجتماعي ومن اهم روافد استقرار الحياة الاجتماعية
وأن العشيرة تستمد قوتها من الإلتزام الأخلاقي وان المفروض على أفرادها تجاهها . واذا حدث خلل بهذا الإلتزام انعكس ذلك على قوة العلاقة معها والإستجابة لقضاياها ومتطلباتها وإحترام قراراتها . لذا يصبح من لوازم ديمومة قوة العشيرة تفَقُد مستوى ذلك الإلتزام وإصلاح الخلل.