الإنتخابات النيابية وإستطلاعات الرأي العام
زكي الوردي
الاستطلاع هو عملية ترمي الى معرفة اراء الناس حول موضوع ما او سلسلة من الموضوعات. وبصورة عامة تستخدم استطلاعات الرأي لمعرفة او لتوقع:
– ما يعتقده الناس ؛
– كيف يشعر الناس حول شيء ما ؛ او
– بأي طريقة سوف يتصرفوا .
وفي هذا توفر استطلاعات الرأي معلومات الى الاكاديميين والباحثين والحكومة وواضعي السياسات تساعدهم في عملية صنع القرارات. وان الكثير مما تعرفه مؤسسات الدولة حول طبيعة التعرض لوسائل الاعلام ، وسوق العمل، والأداء التعليمي، وضحايا ألجرائم، والظروف الاجتماعية وغيرها من القضايا المجتمعية يعتمد على البيانات التي يتم الحصول عليها عن طريق استطلاعات الرأي. وعلى اساس ذلك غدت استطلاعات الرأي اداة ضرورية لمعرفة ما يفكر به افراد المجتمع لغرض الوصول الى استدلالات حول ذلك المجتمع فيما يتعلق بموضوع من الموضوعات. اما استطلاعات الرأي حول الانتخابات النيابية او الرئاسية فتعني قياس اتجاهات الجمهور من حيث المشاركة في الانتخابات او خياراتهم بالنسبة للمرشحين، افراداً او قوائم، من خلال عينة مختارة عشوائيا من الجمهور المستهدف في الاستطلاع. وتعد استطلاعات الرأي حول الانتخابات من اساسيات المجتمعات الديمقراطية للتعرف على اتجاهات الجمهور واختياراته المفضلة.
لقد نشأت استطلاعات الرأي في المجتمعات الديمقراطية كتوأم للانتخابات النيابية والرئاسية. وفي هذا نستطيع القول بان الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية كانت السبب في ولادة استطلاعات الرأي وإنها كانت الدافع وراء الاهتمام المتزايد والتطوير المستمر لطرق قياس الرأي العام. ويشار الى ان اول استطلاع للرأي العام قد تم اجراؤه سنة 1824 في انتخابات الرئاسة الأمريكية وانتشرت بعد ذلك الاستطلاعات رغم انها كانت محلية الى عام 1916 عندما اجري استطلاع للرأي على نطاق الولايات المتحدة الامريكية في انتخابات الرئاسة انذاك تلاه استطلاع 1920، 1924، 1929، 1932. في سنة 1935 أسس جورج كالوب، وهو احصائي أمريكي، المعهد الامريكي للرأي العام واستخدم طريقة العينة لأول مرة لتمثيل المجتمع الامريكي في انتخابات الرئاسة. وقد مهد تأسيس المعهد الأمريكي للرأي العام الى تأسيس مؤسسة كالوب. ولضمان الاستقلالية والموضوعية، قرر كالوب عدم اجراء اي استطلاع مدفوع الثمن بأي شكل من الاشكال من قبل جماعات الضغط او المصالح الخاصة. والجدير بالذكر ان مؤسسة كالوب هي من اكبر المؤسسات في العالم المهتمة بإجراء استطلاعات الرأي بانتظام في الولايات المتحدة الامريكية وأكثر من 140 دولة، وقد حصلت هذه المؤسسة على شهرتها بوصفها مؤسسة موثوق بها وموضوعية لقياس الرأي وتنشر نتائج استطلاعاتها والتحليلات يوميا عبر موقعها على الانترنت على شكل اخبار. وفي الخمسينيات من القرن الماضي انتشرت استطلاعات الرأي في معظم البلدان الديمقراطية واليوم نجدها في كل مكان بالرغم من انها تتجنب الموضوعات السياسية الحساسة في ظل نظم الحكم الاستبدادية. تعد استطلاعات الراي احدى الادوات المهمة لاستقرار وتطوير العملية السياسية وإرساء الحكم الرشيد في اي بلد من البلدان. فهي تسهم في تحقيق المساءلة من خلال الاهتمام برأي المواطن في اداء اجهزة الدولة وكفاءة تقديم الخدمات وتسهم ايضا في تحقيق مبدأ المشاركة من خلال معرفة رأي المواطن في التعامل مع المشكلات التي تواجه المجتمع بحيث يصبح جزءا من الحل وليس جزءا من المشكلة. وفي الانتخابات تكمن اهمية الاستطلاعات في انها تعطي تقديرات جيدة لاتجاهات وخيارات الجمهور في الانتخابات. ويستفيد من نتائج الاستطلاعات كل من الجمهور والمرشحين في الحصول على صورة عامة لوجهات نظر الجمهور تجاه الانتخابات او لمرشحين بعينهم مما يساعد المرشح في توجيه حملاته الانتخابية مستندا على ما ترشح عن الاستطلاعات من توقعات.
لقد كانت الاستطلاعات ولسنين عديدة تجرى وجها لوجه اما في الشارع او في المنازل ومع التطورات المتلاحقة في تقنيات المعلومات والاتصال استحدثت اساليب جديدة لتنفيذ الاستطلاعات مما ساهم في انتشارها بشكل كبير ومن هذه الأساليب الاتصالات الهاتفية البريد ألورقي، البريد الالكتروني، المدونات، الصحف الورقية والالكترونية، ومواقع التواصل الاجتماعي. وتتم عملية استطلاع الرأي على خطوات اولها اختيار العينة التي تمثل المجتمع ألمستهدف ومن ثم تصميم استمارة الاستطلاع ووضع الاسئلة المناسبة وبعدها تحديد الية توزيع وجمع استمارات ألاستطلاع ومن ثم تحليل البيانات واستخراج النتائج ونشرها عبر وسائط النشر المتاحة التي تأتي وسائل الاعلام في مقدمتها. ومن الجدير بالذكر ان استطلاعات الرأي حول الانتخابات النيابية لا تكتفي باستطلاع واحد بل تستمر ما دامت عجلة الانتخابات تدور لان الكثير من الذين يتم استجوابهم في المرة الاولى ربما يغيرون رأيهم واتجاهاتهم واختياراتهم؛ وهناك من الناخبين من يحسم امر اختياره والتصويت قبل سويعات من وصوله الى صناديق الاقتراع.
ومن الممارسات التي تؤاخذ عليها استطلاعات الرأي والتي تؤثر على مصداقية ودقة النتائج:
1- اعلان النتائج خلال فترة الصمت الانتخابي بما يتضمنه ذلك من تجاوزات مهنية وأخلاقية وقانونية.
2- تطبيق الاستطلاع على عينة لا تمثل المجتمع الانتخابي بشكل صادق ودقيق.
3- استخدام الانترنت في بعض الاحيان اداة لجمع البيانات بما تحمله من تحيز واضح لفئة المشتركين بهذه الخدمة على حساب غير المشتركين.
4- احتواء استمارة الاستطلاع على اسئلة ايحائية قد تقود الافراد للإجابة في اتجاه معين يريده القائم بالاستطلاع.
5- عدم حصول من يقوم بجمع البيانات على التدريبات الكافية للتعامل الامثل مع الافراد.
6- ميل بعض الاستطلاعات الى تشكيل الرأي العام في اتجاه محدد يخدم مصالح محددة لأشخاص او لقوى سياسية او لمرشحين بعينهم.
7- عدم الالتزام بالمنهجية الاحصائية مما يضع علامة استفهام حول المقاييس الكمية المستخدمة. ولتجنب هذه الممارسات السلبية، على القائم بالاستطلاع الالتزام بالجوانب الاخلاقية والقانونية والمنهجية ذات الصلة بإجراء استطلاعات الرأي حول الانتخابات النيابية. وللجوانب الاخلاقية قوة معنوية يدعمها المجتمع ومؤسساته. أما الجوانب القانونية فهي تلك التي تنظمها التشريعات السائدة في المجتمع والتي يسنها المشرع لحماية المجتمع وأفراده من الممارسات الضارة المرتبطة بالمراحل المختلفة لإجراء الاستطلاع. اما الاعتبارات المنهجية فتنطوي على تحديد العينة وحجمها وأسلوب اختيار مفرداتها، وحجم خطأ العينة ونسب الاستجابة واستخراج النتائج وتحليلها. ان التقيد التام بهذه الجوانب انما يصب في السعي وراء مصداقية ودقة نتائج الاستطلاع. في الحديث عن استطلاعات الرأي لابد من الاشارة الى العلاقة بين الاعلام واستطلاعات الرأي. يعتبر الاعلام مصدرا هاما للموضوعات التي يمكن ان تتناولها استطلاعات الرأي كونه احد الادوات الرئيسية في تشكيل الرأي العام ؛ وفي ذات الوقت توفر الاستطلاعات للإعلام مصدرا مباشرا للمعلومات حول الرأي العام ومادة هامة للأخبار. كما ان الاعلام هو الوسيط الرئيسي لنشر نتائج الاستطلاعات لإشباع حاجة الجمهور وحقه في ان يعرف حول الاحداث الجارية التي تمس حياته كالانتخابات. وفي احيان اخرى تقوم وسائل الاعلام باستطلاعات للرأي العام حول الانتخابات وغيرها من الموضوعات ذات الاهتمام العام. ولكي تقوم وسائل الاعلام بنشر نتائج الاستطلاعات حول الانتخابات النيابية، فعليها ان تعرف : الجهة التي قامت بتنفيذها ومصادر تمويلها، وملامح العينة التي طبقت عليها والتوقيتات والظروف التي اجريت فيها، والإجراءات العلمية التي تم الاستناد اليها في اختيار اسلوب جمع البيانات وتحليلها، وتدريب الباحثين. فإذا توفرت معلومات ذات مضامين ايجابية حول هذه ألمفردات فهذا يعني ان الاستطلاعات قد اجريت من قبل جهات تتمتع بسمعة جيدة في هذا المجال، وعليه فان نتائجها تستحق النشر. وبالرغم من الصعوبات فان استطلاعات الرأي التي يتم اجراؤها بإتباع المنهجية العلمية هي المقياس الواقعي الافضل لأراء الناس. وفي العراق فان استطلاعات الرأي حول الانتخابات النيابية وغيرها من القضايا هي صناعة وليدة تحتاج الى احتضانها وتبنيها وزيادة الوعي بأهميتهما واستثارة الطلب المجتمعي على خدماتها، وخلق البيئة التي تشجع على وجود كيانات مستقلة تتوافر بها المصداقية والمهنية؛ تتنافس من اجل المساهمة في تنشيط احدى الاليات الهامة في العملية السياسية وتحديث المجتمع. ففي الوقت الذي نجد في دول العالم مؤسسات خاصة، ومراكز بحوث ودراسات انشأت اصلا لغرض القيام باستطلاعات الرأي كمهمة رئيسية لها، نجد ان ما ينفذ في العراق من استطلاعات للرأي العام هو عبارة عن فعاليات فردية وموسمية تقوم بها بعض المؤسسات الإعلامية، والأكاديمية، والبحثية كجزء من فعالياتها وليست كمهام رئيسية قد انشئت من أجلها او انها جزء ثابت في سياساتها وخططها وبرامجها. وفي ضوء اهمية القيام باستطلاعات الرأي ألعام، وفي ضوء ان تأتي نتائجها مبنية على منهج علمي رصين ومنهج اخلاقي قويم، فان الحاجة تدعو الى قيام كيانات مستقلة متخصصة باستطلاعات الرأي وذلك بالتعاون والتشاور بين منظمات المجتمع ألمدني والحكومة والإعلام ولا ضير في الاستفادة من خبرات الذين سبقونا في هذا المجال. كيانات تدعمها وتحافظ على وجودها واستمراريتها تشريعات خاصة بها باعتبارها من الشواخص الديمــــــــقراطية في العراق الجديد.