الإنتخابات العامة والبيان الإنتخابي
زكي الوردي
الانتخابات العامة هي اسلوب ديمقراطي منظم يتم بواسطته اختيار اعضاء السلطتين التشريعية والتنفيذية في الدولة عبر صناديق الاقتراع. وفي هذا تمثل الانتخابات صورة من صور المشاركة الشعبية في صناعة القرار. كما تسهم الانتخابات،لدرجة كبيرة، في الحكم الديمقراطي في البلد الذي يتم فيه تشكيل الحكومة من ممثلي الشعب. ان الحكومة التي تأتي عن طريق الانتخابات الحرة والنزيهة هي أفضل شكل من اشكال الحكومات في العالم.
ان الانتخابات تساعد المواطنين على اختيار القادة الذين تناط بهم مسؤولية ادارة شؤون البلاد ويكونوا مسؤولين امام الشعب فيما يتعلق بأدائهم الوظيفي في الدولة. وعندما تكون العملية الانتخابية تنافسية وتفرض على المرشحين التعريف بأنفسهم وأهدافهم وسياساتهم والقضايا التي يتبنونها، تكون الانتخابات منبرا لمناقشة القضايا العامة وفرصة ذهبية للتعبير عن الرأي العام. وعلى اساس ذلك تسهم الانتخابات في الثقافة السياسية للمجتمع وتضمن التمثيل لحكومة ديمقراطية حسب ارادة ابناء البلد. كما تعطي الانتخابات الشرعية لما تقوم به السلطة المنتخبة، وتعزز استقرار وشرعية المجتمع السياسي. ومثلما يحتفل بالأعياد ألوطنية فان الانتخابات توطد العلاقات بين المواطنين وبالتالي تؤكد على حيوية السياسة وتساعد على تسهيل الاندماج الاجتماعي. وأخيرا فان الانتخابات تقوي من اعتزاز المواطن بنفسه واحترامها. والتصويت في الانتخابات يعطي للمواطن فرصة التعبير عن رأيه وإشباع حاجته في الشعور بالإنتماء. وحتى عدم المشاركة في التصويت تشبع حاجة بعض الافراد للتعبير عن نفورهم من المجتمع السياسي.
ان الكفاح الطويل لشعوب العالم من اجل حق الانتخاب والتصويت والمطالبة بالمساواة في المشاركة بالانتخابات يعتبر اظهار لرغبة انسانية ملحة لتحقيق الذات. وللانتخابات جانب شعائري في ان حملات الدعاية الانتخابية التي تسبق الانتخابات ما هي إلا احداث دراماتيكية تثير العواطف وتكسر روتين الحياة أليومية وتسلط الضوء على المصير المشترك. وترافق هذه الاحداث نشاطات متعددة تنطوي على رفع اللافتات ولصق الملصقات والتجمعات ، والتغطية الاعلامية وما شابه ذلك لجذب انتباه الناس الى اهمية الانتخابات والمشاركة فيها لاختيار من يمثلهم في البرلمان من المرشحين. كما ان المرشحين(أفرادا، قوائم، أحزابا، كتلا) الذين يمثلون انواعا متعددة من الاهداف يسعون جاهدين لكسب ثقة وتأييد الناخبين والتصويت لصالحهم. ولكي يحظى المرشحون بذلك يقومون بإصدار بياناتهم الانتخابية.
والبيان الانتخابي هو اعلان يبين فيه المرشح الاسباب التي دعته للترشيح وأهدافه وسياساته ووعوده للمواطنين والتي سوف يلتزم بها وينفذها اذا ما تحقق له الفوز. والبيان الانتخابي بمجمله يمثل رؤى ورسالة ألمرشح ؛ انه اجندة لخطة مستقبلية يلتزم المرشح بتنفيذها. ومن خلال هذا البيان يستطيع الناخبون تحديد اي من المرشحين سوف يقدم الافضل لهم وللبلد. ويقوم المرشح بنشر بيانه الانتخابي عبر الوسائل المتاحة له مثل وسائل الاعلام او توزيعها على الناس خلال التجمعات او في الشارع والأماكن العامة وحتى في المنازل وربما عبر مواقع التواصل الاجتماعي او اية وسيلة اخرى يجدها المرشح مناسبة له ويسمح بها قانون الانتخابات في البلد. ان ما يجعل البيان الانتخابي مهما كونه يساعد الناخبين على معرفة سياسات وبرامج ووعود المرشحين المتنافسين وفي الوقت نفسه يساعد المرشح للوصول الى المواطنين وتعريفهم بنفسه وغاياته من الترشيح للانتخابات. وبعد دراسة البيان الانتخابي وما جاء به من طروحات يستطيع المواطن ان يقرر لمن يصوت وذلك حسب قناعته واختياره. كما ان البيان الانتخابي يمثل تعهدا من طرف المرشح تجاه الناخبين فيما يتعلق بالوعود الصادرة في البيان ويستطيع الناخبون الضغط على الحكومة التي تشكلها الاغلبية الفائزة للإيفاء بتلك الوعود.
وباختصار فان البيان الانتخابي يركز على خمس نقاط جوهرية تهم الناخبين وتسهم في تقدير اختياراتهم وهي :
1- شعار يكون عنوانا للبيان
2- معلومات شخصية عن المرشح باختصار.. أسمه، تأريخه، سمعته، مؤهلاته، خبرته المهنية وايجابياته الاجتماعية.
3- الدوافع التي تدعوه لأن يكون عضوا في البرلمان.
4- القضايا التي يريد المرشح العمل عليها لمصلحة لناس والبلد.
5 – التباين بين المرشح والمرشحين الاخرين ، اي لماذا يرى المرشح نفسه مناسبا اكثر من غيره لعضوية البرلمان.
وبالإضافة الى هذه النقاط الجوهرية ، يمكن ان يتضمن البيان امورا اخرى خاصة بالحزب او الإئتلاف الحاكم والمعارضة. فالحزب او الإئتلاف الحاكم يخبر الناس بانجازاته خلال مدة ولايته، اما المعارضة فتتحدث في البيان عن الاخفاقات التي منيت بها الحكومة والبرلمان وتعبئ الرأي العام ضدها.
وهناك بعض الاعتبارات يجب الانتباه اليها عند اعداد البيان الانتخابي والتي تنطوي على الاتي:
أ- ان يدرك المرشح اي نوع من الرؤى يريــــــــد طبعـــــه في اذهان ألناس، الرؤى التي تشجعـــــهم على التصـــــويت له.
ب- ان يتلاءم البيان مع الصورة الذهنية المحببة والمرغوبة لدى الناخبين.
ت- عدم اطلاق الوعود الكاذبة التي لا يمكن تحقيقها والتأكيد على الممكن وعلى الواقعية والمصداقية وان تكون الوعود قريبة من احتياجات الناس وتتماهى مع مصالحهم وتلامس الواقع الذي يتمنونه.
ث-ترتيب القضايا التي يتطرق لها البيان حسب الاولويات بفقرات محكمة وواضحة وسهلة الفهم.
ج-تجنب الانتقاص او التشويه عند انتقاد المرشحين الاخرين.
ح- دعم الاقوال بأدلة من الخبرات.
خ-أن يجعل المشرح نفسه معروفا من خلال بيانه ألانتخابي لا ان يجعل البيان معروفا من خلاله. وفي الانتخابات العامة الماضية التي جرت في العراق لم يشهد المواطن العراقي أي بيان انتخابي يستعين به في اتخاذ قرار الاختيار من بين مجاميع المرشحين والتصويت الى من يقتنع بنزاهته وكفاءته وصلاحيته. ولم يشهد المواطنون انذاك سوى اللافتات والملصقات التي تحمل اسم المرشح والقائمة التي ينتمي اليها ورقم القائمة ورقم المرشح.
ان البيان الانتخابي الذي يعبر بصدق عن مؤهلات ونيات المرشح يسهم لدرجة كبيرة في التصويت للأصلح من المرشحين. وفي ظل غياب البيانات في الانتخابات الماضية لعبت عوامل الانتماءات الحزبية والطائفية والعشائرية والقومية دورا ملحوظا في اختيار المرشحين والتصويت لهم. ونتيجة لذلك فاز في الانتخابات مرشحون تعوزهم الخبرة والكفاءة في العمل النيابي فضلا عن ان البعض منهم تعوزه الروح الوطنية والنزاهة. وقد ظهر ذلك جليا من خلال الخلافات والصراعات داخل مجلس النواب مما ادى الى ارباك وتعطيل عمل ألمجلس ولنا في اقرار قانون الموازنة في كل عام مثلا على العديد من حالات الارباك والتعطيل. واذا ما ظل الحال على ما عليه – عدم اصدار البيانات الانتخابية من قبل المرشحين – فان التشكيلة القادمة للبرلمان ستكون كمثيلاتها السابقة (لا سامح الله). ان عدم اصدار وتوزيع البيانات الانتخابية يلحق ضررا بالمرشح والناخب وبالبلد. فالمرشح الذي يصدر بيانا انتخابيا يكون حظه اوفر في الحصول على اصوات اكثر مما يحصل عليه من دون بيان يتعرف عليه الناس من خلاله. كما ان الناخب من المحتمل ان يعطي صوته لمرشح لا يستحق ذلك بسبب غياب المعلومات التي تساعده على الاختيار الصحيح. اما جانب الضرر الذي يلحق بالبلد فيتمثل بوصول اناس غير مؤهلين الى البرلمان فتتعطل اعمال المجلس ويتأخر اصدار القوانين وتتأثر اعمال الحكومة وينعكس كل ذلك على حياة الناس اجمع. وفي خاتمة القول ، ان الناخب الذي لا يمتلك المعلومات الكافية عن المرشحين يعتمد على تخميناته الشخصية في الاختيار والتصويت.. تخميناته التي ربما تخطئ وربما تصيب كاليانصيب.