الإله الأسود الصغير ــ رشيد أهلال

الإله الأسود الصغير ــ رشيد أهلال
اهداء إلى الشاعر عبد الجواد العوفير
عودني صديقي الشاعر دائما على استغلال لحظات انتشائه و هو يتفحص الوجوه الغريبة التي نصادفها في طريقنا، لكي يخلق لها الأسماء و الأوصاف، ثم يلحقها فيما بعد، بقصائده التي يكتبها في غفلة مني، عندما يكون وحيدا. و عندما شذ هذه المرة عن القاعدة مع السيد الأسود الأخرس، قلت في نفسي بأن الشعراء ليسوا أفضل من القصاصين في شيء، و هكذا اخترت أن أقص عليكم حكايتنا. بعد مدة طويلة من ترددنا على واحدة من أشهر المقاهي بالمدينة، قررنا أخيرا أن نخرج خادمها ذو البشرة السوداء و القامة القصيرة، من صمته، و ذلك بعد أن أقنعني صديقي الشاعر بأن الرجل مجرد مهووس بالصمت و ليس أخرسا، سايرته و قررت أن أكون من الغاوين. عندما آوينا إلى ركننا المعتاد في المقهى، تقدم الخادم نحونا بخطواته الواثقة، و وقف على رؤوسنا، قمنا بتحية الرجل
السلام عليكم…
رد الرجل مومئا، لكننا عاودنا التحية مرة ثانية، فثالثة و رابعة، لكنه ظل على حاله، ينتظر أن نعلن عن طلباتنا التي حفظها عن ظهر قلب، إلا أنه لا مجال للخطأ لدى الخادم الأمين و لا مجال للكلام أيضا. أومأ إلي الشاعر بأن نمر إلى المرحلة الثانية من الخطة، فإذا بي أزيح، عني رهبة الرجل، و أخذت أدغدغه في كل أنحاء جسمه المسموح بلمسها، لكنه أخذ يتهرب مني و يتحاشى يدي، دون أن يجرأ على دفعي بعيدا أو أن ينطق بكلمة ترد عنه حماقتي و ترد عنا، نحن الاثنين، ثقل اللغز، الذي أطبق أكثر فأكثر على صديقي، ما جعله يرتمي هو الآخر في اتجاه الخادم و يطبق بأصابع يده على الجزء الغير المسموح بلمسه، فإذا بالخادم يقفز من مكانه صارخا … آآآآآآآآآآآآه، لكن هذه الآه، رغم قوة ترددها، لا تكفي لوحدها كي تبرهن على أنه إنسان ناطق، و لم يكن بمقدورنا أيضا أن ننتظر منه المزيد، لربما أسمعنا شيئا من الكلام البذيء، الذي تعلمه من عاهرات المقهى، اللواتي ينادونه تحببا، بالأشقر الغالي. قفزنا أنا و صديقي من أماكننا و اتجهنا مهرولين نحو الخارج، نستحث الخطى، كي لا نلفت انتباه عيون السلطة المنتشرين في الشارع. و على بعد أمتار، التفتنا إلى الوراء، فإذا بنا نفاجأ بالخادم يطل من الباب، كما لو أنه لا يمتلك شجاعة الخروج إلى الشارع. رأيناه يشير بيده و يصرخ، لكن لم يكن بإمكاننا أن نتأكد من أنه يقول شيئا، لأن صراخ المعطلين الذين يذرعون الشارع الشهير و هم يتوعدون مدبري الشأن العام بالقتل، قضى على آخر آمل لنا في فك اللغز و لأن شعار .. اقتلوهم اعدمهوم، أولاد الشعب سيخلفونهم .. الذي يرفعه هؤلاء المعطلون، جعلني أطرح السؤال أو ليس نصف هؤلاء الذين يدبرون الشأن العام كانوا يوما ما من أولاد الشعب، التفت إلي صديقي قائلا، إنها شعارات ستزول بمجرد أن تتوفر لهم مناصب مالية. لكن ماذا عن الخادم المسكين، الذي لم نستطع أن نميز صوته من بين الأصوات المرتفعة، قال لي صديقي إن الرجل ناطق، ألم تسمعه يصرخ في المقهى، فقلت له، إنه شيء طبيعي أن يصرخ الإنسان، حتى لو كان أخرسا. أكملنا طريقنا في صمت و إذا بالشاعر يضحك و يقول غريب أمر السيد الأسود… التفت إليه و استغربت من وصف السيد الأسود الأخرس فرد علي، لماذا أضفت وصف الأخرس، آلم أقل السيد الأسود فقط، فصرخت في وجهه الشعراء ليسوا أفضل من القصاصين في شيء.
AZP09

مشاركة