قصة قصيرة
الإشارة – نصوص – عادل المعموري
يجلس على الكرسي المتحرك ..عيناه الصغيرتان .تنظران إلى المراجعين ،
الداخلين والخارجين من المستسفى،في كل وقت ، فمه الكبير يمضغ طعاما ما ..أو يلوك علبة شكولا ..يهديها له ،أحدهم تقديرا له لإيصال مريضه إلى السيارة ،أو داخلاً به في قسم الطواريء، لفحصه عند الطبيب لم يكن يكتفي ِ بالهدايا البسيطة ،علبة مشروب غازي أو شكولا،انه يريد أن تندس اليد بجيبه لتترك له مبلغاً من المال ليفرح به عروسه الجديدة ،جراء نقل مريضه بالكرسي المتحرك من وإلى ،
-كرسي ..كرسي ..عندي حالة طارئة ؟
نهض من كرسيه وهو يدفع كرشه الكبير أمامه. والكرسي المتحرك بين فخذيه الضخمين ، واتجه صوب سيارة الأجرة الصفراء ،وعاد بمريض كان يرافقه رجل وامرأة ..كان المريض رجلا كبيراً طاعناً بالسن
يبدو في حالة اغماء ..انحنى عليه الطبيب المقيم ، جسَّ نبضه،تفحص صدره وظهره بسماعة الفحص ..ثم أشار إلى عامل الخدمة ..بإيماءة ،بحركة من يده ..هّز العامل رأسه الكبير… وطفق يدفع الكرسي المتحرك ..عبر قسم الطواريْ
واتجه في الممر الطويل يتبعانه الرجل الشاب وامرأة ثلاثينية بدينة
أنهى الممر الطويل بأضوائه الخافتة ، المطلة على حديقة جانبية كبيرة بدت فيهاالازهار تتلألأ تحت ضوء الشمس الجانحة نحو المغيب ..قطع نهاية الممر ودفع الكرسي ، داخلاً إلى بناية منفردة ..وصل الباب الكبير ..وتوقف وهو ينظر إلى الشاب والمرأة ..ضيّقَ الشاب مابين عينيه ،وأخذ يدقق في اللوحة المعلقة فوق الباب ..فتح عينيه على اتساعهما ، وشملته فورة غضب جنونية وصاح به
– إلى أين تأخذ والدي ؟!
-إلى ثلاجة الموتى .
جفلت المرأة بفزع وهي تحملق بوجه الراقد في الكرسي وإلى الشاب
ثم.. بلا شعور منها ، تمسك بقميص عامل الخدمة وتصرخ به بصوت عال
___أأنت مجنون ؟!! من قال لك أن أبي ميت ؟
تراجعَ عامل الخدمة متقهقراً ،وهو يدلق لسانه ببلاهة ممزوجة بدهشة غير متوقعة ..تمتم الشاب بكلمات مبهمة يشوبها غضب شديد ..
وصفع عامل الخدمة على رأسه ..تدحرجت كتلة اللحم على الرصيف الإسمني ..هزّ الشاب كتف الرجل النائم ،فتح عينين ذابلتين ، ثم أغمضهما حملهُ بكلتا يديه وأسرع يركض به إلى قسم الطواريء ..من جديد
فيما أخذت المرأة تجري خلفهما .. عين على أبيها المحمول بين الأذرع
وعين أخرى، على عامل الخدمة ، الذي ظل منكفئًا على نفسه ..ينظر بذهول إلى كرسيه الفــــــارغ.


















