الخطاب التداولي في أقول الحرف وأعني أصابعي (2-2)
الإستلزام من قوانين الإقتضاء النصي – نصوص – هاني صبري آل يونس
والفعل المحايث مفهوم إن كان في أول تأسيسه هامشيا في حضور الواقعة التداولية له إلا أنه يمكن أن يكون صورة أخرى لافتراض دلالي يوجه الألفاظ بعيدا عن مراجعها المعجمية: (أو+ أن) تروّض + الموت ، معناه، استدعاء المعطى السياقي في المركب وهو لاحن عرفا لأن ما من فعل يمكنه أن يروّض الموت .
أو أنْ تروّضَ الموت؟!
(البحرُ أسهلُ من دونِ شك).
ستستديرُ الآن
لتقول:
ما لنا وللموتِ في هذه الساعة النادرة؟
(سحقاً، إذنْ، للموت!) .
الروابط الإنشائية :
إن إبراز مقومات التماسك النصي لأيّ بنية كلام يخرجها الاستعمال إلى العلن بحاجة إلى استمكان روابط دلالية تعين المتلقي وتتقاسم معه مؤلفات التوزيع المباشرة لبؤر التواصل ، وهي عناصر تشكيل هائلة تمنح جملة الإفصاح هذه بعدا تنويريا يمكن أن أن تتشظي تنويعاته البيانية على عموم مركبات الإنشاء . ولا غرابة أن تسهم هذه الخوالف المعنوية أعني الروابط بشكل مؤثر في إمضاء الدلالة إلى حيث الإفهام والمفاهمة وهي أقصى حتمية قبولية متبادلة يستدعيها إشهار الخطاب التداولي، أو على الأقل اختراع بدائل لسانية مناسبة تفض الاشتباك الحاصل بين النفس وتجلياتها العارضة في أي وقت ، عيانية كانت أم ذهنية ، ويمكن النظر هنا في هذا النص إلى تنويعات مجلية لإمكانات الرفض والقبول تكتنف بؤرة التأثير في الرابط الإنشائي النافي ( لا ) :
وستضحكُ حقاً
ليس من حلمِكَ الذي تناثرَ فوق البحر
ولا من جسدِكَ الذي لم يعدْ يصخب مثلما البحر
ولا من البحرِ الذي لا يستمع لموسيقاكَ الهائلة
فهو مشغول بعُريه الفادح منذ ألف عام.
ستسخرُ. ممن إذن؟
من الرقص؟
لا.
من الرمل؟
لا.
من الحُبّ؟
لا.
من الحظ؟
لا.
من الخوف؟
لا.
ستكررُ لا ولا ألف مرّة .
ويقود الرابط ( لكن ) إلى إقامة علاقة منطقية بين الجملتين الأولى والثانية في افتقدت الجملتان لأي مظهر من مظاهر التعالق ، غير أن المتلقي هنا يلجأ إليها لمتابعة فهم معضلات الصورة العيانية : لكن + كما + ترى // عيانية ، ولان النفس دائما تميل إلى انتزاع مؤكدات لبعض بؤر الكلام الذي لا نعتاد عليها بسرعة : فإن المؤكدة + الرحلة / متعلقها تنتهيان بتحقيق معلن: قد + انتهت /بسرعة بسبب من هذا ينحدر المتلقي إلى مستويات من الأداء والمفاعلة، تجعله يمتلك قدرة أقل على متابعة توصيفات متوالياته اللغوية .
لكنْ،
كما ترى،
فإنّ الرحلة
قد انتهتْ بسرعة
إلى ما ينبغي لها
أو إلى ما لا ينبغي لها.
ولا فرق! .
ولكن مما يمكن أن يحذر منه هنا ،هو الإيغال في القوانين القسرية لتمثيل الربط بينها وبين غيرها من الخوالف الثنائية في إدامة زخم الإقناع : لم + يعد ، فالمركب الدلالي هذا قد خرج من وظيفته الترابطية لتذهب إلى وظيفة أخرى وإن كانت إنشائية أيضا إلا أنها تحيل الجملة إلى زمن مغاير تشترك معه في إيداع هذه الصورة الشعرية ، يقرّ معه ثقل ورزانة الظرف البعدي المشتمل ( هناك ) والجميل في الأمر كله ، قفل الصورة برائعة التسكين التنغيمي ( إذن ) ، كي يرشح حاضره الضعيف الآني القصير إلى استمرار دائم ، لأن ذلك يقلل كثيرا من تراكمات التفويت على الذاكرة المتخمة بالتمرد عند الشاعر : لم + تكن + هناك : آلهة مما حدا بالنسق الرافض(لا) إلى أن يكرّر نفسه وباحتمالية نصية قوية تمثلت بتظافر دلالات الرابط النسقي المكرر( الواو) مع متعلقاتها المحظورة (:لا + أنبياء // لا مريدون // لا + مُهرّجون) :
لم تعدْ هناك شمسٌ، إذنْ،
فوق صقرك.
ولم يعدْ هناك صقرٌ، إذنْ،
فوق شمسك.
صقرُكَ حلّقَ عالياً عالياً
بعدما سقطتْ شمسُكَ في البحر
ولم تكنْ هناك آلهةٌ لتستقبلها
ولا أنبياء
ولا مُريدون
ولا مُهرّجون! .
ويحيل أديب كمال الدين المسكوت العقدي إلى وهم افتراضي مصطنع في مشهد درامي حزين يسوده صوت النون بشكل متراكب : في جهنم // باسمين = يرتعدون أو + في الجنة // واجمين = لا ينطقون ، كما ينبغي أن لا ننسى أن صناعة التوازي في هذا المقطع كانت متقنة جدا: يرتعدون ينطقون علاوة على الترديد البديعي الجامع بين قوليه: باسمين + واجمين هذا التشكيل المموسق غرائبي جدا ، لأنه يصور الموتى على هذا النحو المريع وهم يراجعون لوائح أسمائهم . لكن لا فرق عنده في المقابلة بين الجنة والنار وهذا شعريا محبط جدا لكن أظن أن التخيير هنا في دلالة (أو) هو الفيصل في وعي المتلقي لا ( الإباحة ) التي تجبر النص على أبدية غير مستساغة أو خرافة لغوية رصينة يصعب التعامل معها على نحو أدائي منفرد :
وفوقَ ساحلكَ الوهميّ
يرقبُ السفنَ وهي تغرق
أو تتيه في الأزرقِ اللانهائيّ
ويرقبُ الموتى وهم يراجعون
لوائحَ أسمائهم
في جهنّم باسمين يرتعدون
أو في الجنّةِ واجمين لا ينطقون .
ما نريد أن نصل إليه ، هو أن الشاعر إذا أراد أن يحسن من استخدام أدواته النظمية عليه أن يحسن الإفادة من سياقات استخدامه للأدوات الرابطة في نصه ، فهي الأساس وعليها كل المعول الدلالي ، مثلا الربط المنطقي بـ (كي) هنا مسوغ سببي لتعاقب النتيجة بعد إثارة المسبب ( فتحت = كي + أجد ) وهذا النمط من المركبات يمتلك القدرة على إخراج المعتاد من الكلام الموصوف، نقول إخراجه من إكراهات العقل والمنطق، ونقله إلى فضاء الحركة والتجديد :
في الطفولة
فتحتُ يدَ الحرف
كي أجدَ قلمَ حبرٍ أخضر
فوجدتُ وردةَ دفلى ذابلة.
وفتحتُ يدَ النقطة
فوجدتُ دمعةَ عيدٍ قتيل .
وهو فضاء دلالي متقد يحرر إرادة الإنسان في الإقناع لدى كل من المتكلم والمتلقي بوصفهما منتجين فكريين ،يتقبل احدهما الآخر.
النمذجة الزمانية
لعل ، ما يمكن أن يتداول على الإبلاغ اللساني، تلك النمذجة القسرية لمفهوم الرابط الزماني (حين) فهو هنا يقلب دلالة الفعل ولا سيما المضارع من زمنه الإفرادي إلى زمن مستمر ينشأ من التعليق بين الرابط وفعله ، وبذلك سيكون الرابط محولا توليديا يضفي على نص الإنشاء بؤرة دلالة ثرية: (حين + يجلس الحرف // استعارة لاحنة + جملة الجواب ( لا+ تتكلم ) ) بسبب ما يبديه الاتساع النصي بين جملة الرابط وجملة جوابه من اكتناز معرفي يستنطق الحرف ثيمة شعرية:( وابكِ/ جملة الرابط + حين + يئن م الجواب ) وهذا لا يتحقق وحده دون تتداخل قوانين خطابية أخرى كالتصريح باستعارة غير العاقل في الجلوس والأنين المسندين إلى الحرف وهذا محول لساني يواكب فضاء الحركة بين زمن النص وحدثه:
حين يجلس الحرفُ قبالتك
لا تتكلمْ قبل أن يبدأ الكلام.
اصغِ إليه حين ينطق
وابكِ حين يئنّ
وقبّلْه في جبينه المضيء
حين يقبّلك .
إنها مجموع من الرغبات الكامنة في ذهن المتلقي تنتظر من يرفع عنها الحجاب، أو هي رغبات مكتنزة يعلنها المتلقي في دائرة واحدة من دوائر انسجامه :
وحين يشتعلُ الحرف
من الموتِ والحبّ
(وكثيراً ما يشتعلُ الحرف
من الموتِ والحبّ)
ضعْ إصبعكَ على شفتيكَ علامةَ السكوت
وابدأْ كتابةَ القصيدةِ فوق الماء! .
لأنّ المعرفة الواعية التي تنطلق لتؤسس أبعادها الفكرية تمنح للآخر بؤرة من الإقناع، تجعله يطلبها لحظة ما يشاء لذلك يرفع الشاعر يديه إلى السماء : بدعاء (لبيك) وهي خالفة دلالية مهمة يتصل جراها التركيب بمحول سياقي آخر مفسر يحاول أن يخرج تأويله إلى دلالة مخالفة لدلالة الاستسلام المتأتية من إلقاء القول في (لبيك) : (فعل قولي / أصرخ + لبيك + كيف + جملتها) بجذرها ودلالتها ، فضلا عن تسخيره لوظيفة (أبي تراب) العلامية من هالة وسيف إلى رفض يأتي خجولا أول مرة حتى ينقلب إلى ضدية معلنة في وجه الإله : الله أكبر، بوصفهما مؤلفين مهمين من مؤلفات الانجاز في الخطاب التداولي، إن الاتصال الروحي ثقافة براغماتية مهمة، يستهدف أول ما يستهدف إثارة الدوافع النفسية للمتكلمين بمجموعة من المولدات التي تنغرز في ذاتية ثقافة التلقي :
ورأسي أشعث
أصرخ لبّيك،
كيف يُسْلَبُ قلبُ النبوّة؟
لبّيك،
كيف يُغْتَالُ بريقُ سيفِ أبي تراب؟
لبّيك،
كيف تناوشتْ سيوفُ الحثالة
ضياءَ الإله؟
الله أكبر! .
ويستدعيها إلى منطقة الاتساق بين الرسالة و مضمونها، أو بين الموضوع ودلالته، ولنقل بين الثيمة وما تسفر عنه ، وتلك هي غاية قنوات الاتصال كلها ، اللفظية منها وغير اللفظية .
الاستلزام الخطابي :
يبدو أن الاستلزام الخطابي واحد من قوانين الاقتضاء النصي الذي يسوغ للتعالق بين أركان جملة الإنشاء وعلى نحو تداولي مهم ، إذ إن الحدث الخطابي يستلزم لتحققه اقتضاء تحقق مسبب له أو ربما نتيجة حاصلة ، فلبعض الأقوال خاصية استلزام أقوال أخرى . إن إنجازية الرسالة تقتضي أول ما تقتضي ، تبعثر الدلالات المشكلة لها ومن ثم الجمع بين هذه المتواليات على أساس أولية الاستلزام ، فالقول : {كيف + يرقص الأوغاد // كالقردة // يستلزم قوله : فرحين حد الجنون } ، ولعل مسرب الاقتضاء يكمن في دلالة / فرحين / حد الجنون/ الذي يتسق في استلزامه الخطابي مع رقص القردة . وهذا وجه تواصلي مقبول .
كيف يرقصُ الأوغادُ كالقِرَدة
فرحين حدّ الجنون؟
كيف يُسْتَبدَلُ حلمُ الأمين
بحلمِ الغدر؟
بل كيف يُسْلبُ قلبُ الأمين
في كوفة الوعد. أيّ وعد ؟ .
أن الولوج في صناعة صور الاقتضاء الدلالية ينبغي أن تشترك فيها أفعال الكلام مع كل الأقوال الإنشائية : فقوله : لم نكن أذكياء // وهي مقولة إنشائية تستلزم أفعالا كلامية متطابقة : أننا + نعرف // توصيف دلالي= إن النخلة //توصيف دلالي ، ولا تصنع دلالة الاقتضاء هنا إلا بحسب الرابط السببي (إذن) ، تأويل الاستلزام إننا لايمكن أن نعرف إننا أذكياء إلا إذا عرفنا إن النخلة رمز الله في الاقتضاء .
لم نكنْ أذكياء، إذن،
رغم أننا نعرفُ بهدوءٍ لا يسبقُ العاصفة
أنّ النخلةَ رمز الله
بل هي فاتحة قصيدته الغامضة.
وهي صورة حرفه
وبوّابة نقطته
وبيت نبيّه .
لأنّ الرسالة لا تحتمل واقعة اقتضاء واحدة فحسب وإنما هي وعي معرفي متجدد لذا فإن بعض أركان الاستلزام قد يكون مغيبا أو مسكوتا عنه لصالح النص ويترك أمر تجليه للمتلقي حصرا : ( أنتِ + معي // اختفى الطريق = مقولة الاستلزام المغيبة ، تأويلها : كيف سيكون حال الطريق وأنتِ لستِ معي ) .
مثل كلّ مرّة
اختفى الطريقُ إلى البيت
وأنتِ معي.
فماذا سأقول؟
بل ماذا سأفعل
والظلامُ يحيطُ بي من كلِّ صوب
كما يحيطُ الصبيةُ العابثون بمجنون؟
وكيف لي
وسط ليلٍ يستقبلني بحجارةٍ من سجّيل
أنْ أقودكِ ثانيةً .
فالاقتضاء هنا لا يكون كاملا لكنه متجدد يتنشط كثيرا بتداعيات المقال والمقام : آخر الرقصة = آخر النبضة ، معناه ، إن تنشيط الاستلزام استدعى مركبين مقابل مركب واحد للنتيجة : نزفت آخر نبضة ـــــــــــ غفوت آخر الرقصة = مررت بين البطين والأذين ، يعني : أن مرورها بين البطين والأذين ما كان له أن يتم لولا نزفه لآخر قطرة ومن ثم إغفاءة ــــــــــ إلى أبد الآبدين ، فمفهوم الاستبطان في ظاهرة الاستلزام وقانونه الاقتضاء خاضع كثيرا لتأويلات العرف ومرجعيات المسكوت عنه وقد يتم الإبلاغ عن هذا المسكوت بطرق عقلانية وواعية :
ولكنّي غفوتُ في آخرِ الرقصة
بعدما نزفتُ آخرَ نبضةٍ في قلبي
وآخرَ قطرةٍ من دمي.
غفوتُ
فمررتِ بين البُطين وبين الأُذين
إلى أبدِ الآبدين .
والاستلزام قد يكون خطاب نخبة يمارسه القلّة من المبدعين، فهو في هذا المقطع ، التقليل يترادف كثيرا مع دلالة الشك في الرابط ( لعل ) الراسم لوعي القلة : 1- تمسك بها ــــــــــ1- علّها تكون المعين 2- علّها تعلمنا الرقص / وجه الاستلزام التداولي : مثل الدراويش على باب بغداد ــــــــــ 4- جملة الاقتضاء : كيف نجمع شظايا الشمس، وهو وعي معرفي يمارس كثيرا من الضغط على أطراف الرسالة اللغوية بفعل التكرار الحاصل لدلالة الرابط لعل .
قلتُ له:
تمسّكْ بها واستعنْ!
علّها تكون المعين لنا
وسط زمجرةِ البحر،
علّها تعلّمنا كيف نرقص
ذاتَ يومٍ
مثل الدراويش على بابِ بغداد
أو علّها تعلّمنا
كيفَ نجمعُ شظايا الشمس
حين يصطادنا الموت .
والاقتضاء هنا يميل إلى إشاعة نوع من التتابع في سياق نص الرابط (لذا) ، فضلا عن أنه يأتي متقبلا على هذا النحو: 1- لأنني خرافة مقدسة 2- وأنتِ خرافة نُزع منها: التاج والصولجان / مفسرـــــــــــــ3- الحوار معك لا يجوز، من ضرورات واقعة الاستلزام أن يمد جذوره إلى أفانين رحبة من التأويل والتشكيل والتحليل فهذه معطيات نصية ، يجب أن يظهر على منوالها ، كثير من استعمالات المتكلم لفرادته في تقانة الخطاب :
قالت الشجرةُ الوحيدة،
الشجرة التي أزورها كلّ يوم
عند عشّ الطائر ونهاية النهر،
قالتْ: لأنني خرافةٌ مُقدّسة
وأنتَ خرافةٌ نُزِعَ منها التاجُ والصولجان
لذا فالحوارُ معكَ لا يجوز .
أو لنقل أن قدرة التواصل، وبلوغ الذروة في الإقناع ، هنا يستلزم أحيانا بعض الرصانة في التشكل اللساني أو تراتبا عمقيا خاصا على مستوى تطور البنى ، علاوة على أن ابتناء الرابط السببي ( إذن ) لأشكال مختلفة من الاستعارات المتممة لجمالية الاقتضاء هنا من نحو قوله : رأيت = 1- لهيب النار 2- لمعان الذهب 3- شباك الحلم 4- دائرة الرغبة5 – مثلث الجسد 6- جملة الاقتضاء : تهت ، وهو نمط قد لا يبدو ، للمرّة الأولى سائغا ولأن تمثيل خطاب التداول ليس بالأمر الهيّن على الشعراء لذلك وجدنا الشاعر أديب كمال الدين قد أظهر في نصه مرانا خاصا ومتطورا لأنه استطاع أن يخضع بناه المعرفية للمنطق التداولي بسهولة متناهية مع كثير من التأمل ورهافة حادة في التعامل مع إشعاعات الألفاظ وإيماضات الصورة:
إذن، تهتُ وأنا أنظرُ إليك،
ففيكِ رأيتُ لهيبَ النار
ولمعان الذهب
وشبّاكَ الحلم
ودائرةَ الرغبة
ومثلثَ الجسد .
يعني، إن الإبلاغ في الرسالة بحاجة إلى أفانين من التعجب في الحجاج الفكري 🙁 أنت + اقترحت 1- للرفقة دمعة= ضحكة 2- للفرات عنوانا 3- للعيد فجرا = أرجوحة ــــــ كيف + مت) .
يعني أن موتك ما كان له أن يحدث لأنك أنت من اقترحت الطيب عنوانا عاما في العيد والفجر والضحكة . إن مثل هذه الأنساق التقانية قد تعين الشاعر في الوصول إلى دالته الغائية إلا أن المداومة على تنميطها أو الاستعانة بقواعد التنصيص الأخرى في التماسك والتتابع والربط قد تكون كفيلة بإيصال الرسالة الخطابية في الإنجاز على نحو أدق من السلاسة والتيسير .
كيف متَّ
أنتَ الذي اقترحتَ للعيدِ فجراً وأرجوحة،
وللفراتِ عنوانه السعيد،
وللرفقةِ دمعةً وضحكة .
ولابأس من استخدام إمكانات السيمياء في الاستلزام فـ (الرأس) عند الشاعر هنا مرآة لذات صادمة : { رأسي = حُمِلَ + فوق + الرماح // جمل الاستلزام : 1- من واقعة إلى واقعة 2- من عطش إلى عطش 3- من بلد إلى بلد ــــــــــــ جملة الاقتضاء: فهو شمسي = هو + مَن سيذكرني + الرابط الشرطي + جملته / هلّ اسمي} فتحرير تراتب نظام الاقتضاء هذا فيه شيء كثير من العنت على المتلقي أو على الصورة الذهنية حتى قبل تشكلها العلني لأن دوائر التواصل قد لا تتسع لكل هذا الكم الهائل من الاتساع الدلالي أو من التراكب الصوري المجحف ، وهو لا ريب سيطرح لدى المتلقي العرفاني تساؤلات مهمة حول جدوى هذه التقانة الموغلة في الحفر اللساني :
قال: اتركوه فهو شمسي.
هو مَن سيذكرني كلّما هلَّ اسمي.
وسيكتبُ عن رأسي وقد تناهبه الغبار
وحُمِلَ فوق الرماح
من بلدٍ إلى بلد
ومن عطشٍ إلى عطش
ومن واقعةٍ إلى واقعة .
الخاتمة :
إن تطلب قيم شعرية تراود ظلال الإقناع في مبادلة إنجازية أو مناورة نصية أساسها الاقتضاء ينبغي أن يكشف في المحاججة عن غور دفين من خطابات تداولية مفارقة احتفلت بها مجموعة : ( أقول الحرف وأعني أصابعي ) للشاعر أديب كمال الدين ، فالباحث في هذه المجموعة سيذهل أيّما إذهال عندما يرى أن لغة المجموعة تمتلك قدرا كبيرا من إمكنات التمظهر القويم في منواله النحوي وقدرا لا بأس به من التنوع في استثمار روابطه النصية وصيرورة مغايرة في اعتماده أنظمة استلزام تداولية توزعت على سياق مركبات الإنشاء وغيرها من أفعال الكلام ، إن الخوض في تقانات الشاعر أديب كمال الدين التداولية لا تتم إلا بمتابعات محايثة ، تتشكل أو يتشكل على ضوئها بيان الإنجازية الأول في الشعر العراقي الحديث ربما لقدرة فعل الحفر لديه أو لما يتأتى له من بوادره نفسية ومنازع معرفية فضلا عن اغترافه لمعين لا ينضب من تشوّفات صوفية ، و إيماضات عرفانية رافق كل ذلك تناسق لأنظمة كلية لسانية سعت إلى إثارة الآخر في إحساسات العرف أو هدفت إلى بعث الخراب في بعض انزياحات النظام ، لنقل إن استخدامه لغائية مفرطة في الحنين إلى موئل الهجرة الأولى : البحر والسفينة وإنسانية مرجعيات الكون لديه وانتظام الوجود وإيقاع لغته السردي كان الملهم الأول له في تبنيه لتشكيل آلية إبلاغ خاصة بخطابه التداولي.
المصادر والمراجع
– أقول الحرف وأعني أصابعي ، أديب كمال الدين ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، بيروت ، لبنان ، ط1 2011 م .
2- علم اللغة العام ، دوسوسير ، ترجمة : د. يوئيل يوسف عزيز ، سلسلة آفاق عربية ، بغداد ،1985 م 3- القاموس الموسوعي للتداولية، جاك موشلر و آن ريبول ، ترجمة : مجموعة من الباحثين ، تونس ، دار سيناترا ،2010 م .
4- اللسانيات وتحليل الخطاب ، د. رابح بو حوش ، عالم الكتب الحديث ، جدارا للكتاب ، عمان ، الأردن ، ط1 2007 م .
5- اللسان العربي واشكالية التلقي ، حافظ اسماعيل عليوي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت ،لبنان ،2007 م.
6- المصطلحات الأساسية في لسانيات النص، د.نعمان بو قرة ،دار جدارا ، عمان ، الأردن ، ط1 2009 م .
7- المصطلحات المفاتيح في اللسانيات ، ماري نوال غاري، ترجمة: عبد القادر الشيباتي،الجزائر، ط1 2007 م.
8- النظرية الأدبية المعاصرة ، رامان سلدن ، ترجمة : د. جابر عصفور ن دار قباء ، القاهرة ،1988 م.
9- النظرية اللغوية العربية الحديثة ، د. جعفر دك الباب، منشورات اتحاد الكتاب العرب ، دمشق،1996 م.



















