الإرهاب وسوريا

الإرهاب وسوريا
توني كارتالوكسي ـ ترجمة بشار عبدالله
وصل خطاب الولايات المتحدة الذي يزداد توترا إلى مستوى جديد من العبث هذا الأسبوع عندما دعت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الدول الغربية وعملائهم العرب أن يوضحوا بأن روسيا والصين ستدفعان ثمن وقوفهما بوجه تقدم حملة الارهاب والعنف التي تقودها الولايات المتحدة مع سبق الإصرار لتغيير النظام في سوريا. لقد جرى منذ العام 2007 الكشف عبر تقرير سيمور هيرش الموسوم إعادة توجيه الذي نشرفي مجلة نيويوركر، عن ان الولايات المتحدة وإسرائيل والمملكة العربية السعودية وغيرها تحشد، وتمول وتسلح، وتنشر جبهة قوامها متطرفون طائفيون عنيفون، لديهم صلات وثيقة بتنظيم القاعدة، هدفهم تقويض لبنان وسوريا وايران وزعزعة الاستقرار فيها ومن ثم الإطاحة بحكوماتها. وتوالت حملة العنف علنا وعلى المكشوف في أعقاب الخدعة الجيوسياسية المرسومة سلفا مع سبق الإصرار، وما صار يطلق عليها لاحقا اسم الربيع العربي ، ومنذ ذلك الحين انكشفت تلك الحملة بوضوح بأنها شبكات ارهابية تستهوي العنف. ومن المفارقات أن هذه الشبكات الإرهابية هي نفسها التي كانت قوة الدفع لتنفيذ مخطط الحرب على الإرهاب ، وهي الآن تتلقى تمويلها، وتسليحها ودعمها السياسي من الغرب.
وكانت أفادت الأنباء بأن الإرهابيين لاليبيين بقيادة عبد الحكيم بلحاج، قائد الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة والمدرجة في قائمة وزارة الخارجية الأمريكية كـ منظمة ارهابية اجنبية ، انظموا إلى ما يسمى بـ الجيش السوري الحر جنبا إلى جنب مع متطرفين طائفيين من العراق، مختصين بالتفجيرات الإرهابية العشوائية التي تعصف سوريا الآن.
وواقع المر، أن حقيقة المتمردين في سوريا باتت معروفة جيدا، بحبث بات معروفا جدا أن الغاية من محاولاتهم الأخيرة للتأثير على الرأي العام عبر تقارير متواصلة، بلا أساس لها من الصحة عن فظائع ترتكب، هي محاولات لتشويه صورة الحكومة السورية التي كانت وما تزال تقابل بالتشكيك، والارتياب وحتى سخط الجمهور، وهو ما يمنح دولا مثل روسيا والصين لا تكتفي باغتنام الفرصة لتحدي الإملاءات الغربية، وانما تتعداها إلى اعتبار ما تقوم به واجبا أخلاقيا أيضا.
الشرعية المنهارة تؤدي إلى إمبراطوريات منهارة
لقد جرى بناء الهيمنة العالمية من وول ستريت ولندن من وراء واجهة حقوق الإنسان ، و الحرية ، و الديمقراطية . ولكن مع تآكل هذه المبادئ في الغرب نفسه الذي كان وما يزال يتخذها واجهة، صار استخدامها اليوم موظف لتغطية عري النهج الإمبريالي عارية، واحتكار الشركات، والعدوان العسكري في الخارج الذي صار على المكشوف وهو يفقد فاعليته باستمرار.
وفي حين تحاول وزيرة الخارجية الامريكية إلقاء اللوم على روسيا والصين لاعقتهما تقدم حملة الغرب المتعمدة زعزعة الاستقرار في سوريا، يبدو أن فقدان الغرب نفسه شرعيته ربما هو السبب الحقيقي الذي يجعله عاجزا حتى الان عن أن ينجح في إقناع العالم من أجل أن يسايره على ما يبدو بشكل متزايد أجندة لخدمة مصالح ذاتية، لا يمكن البتة الدفاع عنها.
وهنا أقول إنه في حال فشلت محاولات الولايات المتحدة في قلب نظام الحكم في سوريا، ومن المحتمل جدا أنها حتى لو أنها تمكنت حتى الان من إحراز نجاح ما، فإن الضرر كبير للغاية ذلك الذي لحق بمصداقية الغرب، وكذلك بمصداقية مؤسساته التي يزعم أنها مستقلة، إلى حد يجعل من الصعب للغاية تنفيذ مناورات مستقبلية. والاقتصاد في الغرب ومع انهيار اقتصاد الغرب ونفوذه الجيوسياسي، ومع انهيار قوته التي تصبح أقل دقة وأكثر عدائية، فإن أصحاب الأسهم المالية سيسعون إلى البحث عن أمن أكبر لاستثمارات، على المستويات كلها المالية والسياسية وحتى التكتيكية. ثمة بديهية تقول إن دوام أي إمبراطورية يتوقف على بنية تحتية عالمية هائلة وهي بنية ما يزال يمتلكها الغرب، ولكنها بنية تحتية تواجه منافسة ليس من دول الهيمنة المنافسة فحسب، بل حتى من داخل تلك الدول كلا على حدة، على الصعيدين الوطني والشعبي. كما تبنى الإمبراطوريات على عوامل نفسية مثل الثقة بمؤسساتها والخوف من براعتها العسكرية. وقد تعثر الغرب على نحو الدوام بكل ما يتصل بعالم تصير فيه هذه المفاهيم تحديات متصاعدة جراء التحول الذي تمر به النماذج الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية.
إن ما يتوجب على الغرب فعله هو أن يقوم بتهيئة نفسه لهذا العالم المتغير لكن الواقع يقول أن هذا الغر ما يزال يتشبث بامبراطورية منهارة، تسعى جاهدة لبناء نموذج عالمي مات حتى قبل مدة طويلة من تنفيذه. إن تقاطع مصالح شركات التمويل التي تقف وراء هذه المحاولة في ترسيخ الهيمنة العالمية، سيسرع بل ويؤكد فشل هذه الامبراطورية في حين أننا إذا ما عزمنا نحن أنفسنا على إنشاء مؤسسات حقيقية على المستويين المحلي والوطني وبالشعب، فإننا سنضمن أننا لن نضيع في الفوضى ما أن تصبح هذه المؤسسات الصورية العولمية الفاسدة موضع نقاش.
المصدر ليغال نيوز
/7/2012 Issue 4247 – Date 10 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4247 التاريخ 10»7»2012
AZP07