الأوجاع والمسرات أم المسرات والأوجاع؟

الوقوع في خطأ العنوان أو التقديم والتأخير

 

الأوجاع والمسرات أم المسرات والأوجاع؟

 

ناطق خلوصي

 

 

 في لقاء صحفي سريع قالت الفنانة القديرة فاطمة الربيعي انها انتهت من اداء دورها في الفيلم العراقي ” الأوجاع والمسرات ” ،وكررت ذكر العنوان بصياغته هذه مرتين مما قد دهشني بأن هذا هو العنوان الذي استقر عليه رأي ملاك الانتاج.

 

وهذا الفيلم هو آخر ما أنتجته دائرة السينما والمسرح  وهو من اخراج المخرج القدير محمد شكري جميل و كتب له السيناريو الدكتور ثامر مهدي عن رواية ” المسرات والأوجاع ” للقاص الرائد فؤاد التكرلي وكانت قد صدرت  عن دار المدى للثقافة والنشر  في العام  1998 .

 

يستوقفنا هنا العنوان الذي اشارت اليه الفنانة الربيعي فإذا كان هذا هو عنوان الفيلم حقا ً  فإنه  يتعارض في صياغته مع العنوان  الذي كان التكرلي قد اختاره لروايته . ان من يستسهل الأمر ويقول  انه لا يضير في شيء اجراء مناقلة بين مفردتي هذا  العنوان   بتقديم الثانية على الأولى ، بهدف الإيحاء بالتفاؤل ، انما يقع في خطأ فادح . فالتكرلي لم يختر عنوان روايته اعتباطا ً ولاسيما انه يولي العنوان أهمية استثنائية . في رسالة خاصة منه إلى القاص محمود عبد الوهاب (رحم الله الاثنين)  يقول ان اختياره العنوان يأتي أحيانا ً بعد عناء ، لأنه يسعى إلى أن يتضمن عنوانه روح الاقصوصة ، وفي معرض ذلك يقول : ” ( الرجع البعيد ) كما أتذكر ، أخذت مني وقتا ً طويلا ً وأنا أفتش ـ في نفسي وخارجها ـ عن عنوان لها . وفي أحد الأيام عصرا ً ، كما أتذكر  ، وكنت أنهيت جزءا ً كبيرا ً منها ، كنت أستمع إلى تلاوة القرآن فإذا بالآية الكريمة  ” إذا متنا وكنا ترابا ً ذلك رجع بعيد ” هزتني الكلمات هزا ً ، وتلقفت العنوان بكل تلهف وأسرعت اسجله ” (محمود عبد الوهاب ـ ثريا النص : مدخل لقراءة العنوان الفصصي ـ  1995 ) ( ص 38 ) .

 

وأذكر ان الفرصة كانت قد اتيحت لي للمشاركة في الندوة التي أقيمت في قاعة ” حوار”  بحضور التكرلي نفسه للاحتفاء بصدور ” المسرات والأوجاع ”  وكان ضمن ما قلته ، ردٌ على مقال لللناقد الدكتور مهند يونس عن الرواية  وقع فيه في خطأ تقديم ” الأوجاع ” على ” المسرات ” أكثر من مرة  وهو يشير إلى عنوان الرواية . ولم أجد بين المعقبين من يعترض على ما قلته  وقد كان موضع استحسان التكرلي نفسه  .

 

 ان الأعمال السينمائية التي يتم اعدادها عن أعمال روائية تظل محتفظة بعناوينها الأصلية ما عدا الأفلام التي يتم اقتباسها أو استيحائها من روايات إذ يمكن اختيار عناوين مغايرة مع الاحتفاظ بالاشارة إلى المصدر الذي اقتبست أو استوحيت منه حفاظا ً على الأمانة .

 

ان العنوان كما يقول محمود عبد الوهاب في كتابه الذي اشرنا اليه ” يؤلف على مستوى التعبير ، مقطعا ً لغويا ً يعلو في النص وتتحكم به قواعد نحوية وسيميائية تعمل على بلورة  موضوعته وتحديد رؤيتها وترميز دلالتها في مفردة أو عبارة ذات أجزاء ( ألفاظ مفردة ) تتعاقب لأداء وظيفة تاسيس”  وجهة نظر “من التركيب العام للنص ” (المصدر السابق ـ ص 10 )  مما يؤكد على أهمية سلامة تعاقب مفردات العنوان .  وحين يتحدث عما تعنيه عملية ( اكتشاف العنوان ) يفترض ، ضمن ما يفترض ، أن ” ينبثق ( العنوان )  بتأثير باعث داخلي لاشعوري ( أو هكذا يبدو ) ، بفعل وحدة عمليات نفس عقلية معقدة ومتشابكة وغامضة يصعب تحليلها إلى عناصر أولية أو مراحل منطقية واضحة ، كما يصعب الحسم في قانون منشئها ، وهي ـ أي وحدة تلك العمليات المعقدة ـ تكاد تشبه ، من حيث طبيعتها عملية الابداع نفسها ، في ما يكتنفها من غموض .” ( ص 44 من المصدر نفسه) .

 

وعلى ضوء ما تقدم : ما الذي يترتب على تقديم مفردة ” الأوجاع ” على مفردة ” المسرات ” في العنوان ؟

 

ان ما يترتب على ذلك يتمثل في  حصول تناقض بين خواتم الأحداث وبداياتها ومجرياتها في سياق الرواية  .

 

أي أن تلك الأحداث ستنتهي بالمسرات وهو خلاف ما أراده الروائي حين اختار عنوانه  . لقد أراد أن يوحي بالعنوان الذي اختاره  إلى ان كل مسرات الانسان تنتهي بالأوجاع التي يمثل الموت ذروتها .  فكل أحداث الرواية التي بدات بالمسرات آلت إلى اوجاع شخوصها في نهايتها : (كميلة ) التي وقعت في حب توفيق لام ـ بطل الرواية المركزي ـ وتوجا حبهما بالزواج وتبادلا الحب بجنون وظنت انها بلغت قمة السعادة  ، سرعان ما أصيبت بخيبة امل عندما اكتشفت انه عقيم فوأد حلم حياتها  وقررت الانفصال عنه وتزوجت  مَن رجل حقق لها هذا الحلم لكن على حساب حياتها حيث ماتت أثناء الوضع  ، ( آديل ) التي ارتبطت بعلاقة حب مع توفيق من وراء ظهر زوجها وعاشت أيام مسراتها معه ما لبثت أن أصيبت بنكبة قادتها إلى  سلسلة من المواجع حين تعرض زوجها إلى الاختطاف والقتل فقررت السفر إلى خارج العراق ، ( فتحية ) التي كانت في عصمة رجل عجوز وفر لها كل أسباب السعادة قبل أن يموت  ويتركها في مواجهة اولاده الكبار من غيرها من زوجاته قبل أن تتعرف على الفتى (غسان ) وتظل على أمل العيش معه وإذا به يستشهد في الحرب  .

 

وحتى ( أنوار ) التي وقع توفيق لام  في حبها بجنون وهي زوجة قريب له آواه في بيته أيام محنة مرّ بها ، فانها وقعت مريضة بعد أن نزلت الدنيا بزوجها وانتهت مسرات حياتها إلى مواجع . أما  (توفيق ) الذي حاول أن يجعل حياته سلسلة من المسرات  فإن الأمر آل به إلى  أن يقترب من الجنون ! فهل بعد هذا يمكن القول  بأن الأوجـــاع انتهــــت بالمســـــرات ؟

 

مشاركة