الأمير الذي أثار الجدل وأزعج الأرباب.. وكوندليزا رايس كانت بينهم- د .فيان فاروق

د‭. ‬فيان‭ ‬فاروق

تمر‭ ‬هذه‭ ‬الأيام‭ ‬الذكرى‭ ‬السنوية‭ ‬الأولى‭ ‬لرحيل‭ ‬الأمير‭ ‬طلال‭ ‬بن‭ ‬عبد‭ ‬العزيز‭ ‬آل‭ ‬سعود‭ ‬المتوفى‭ ‬في‭ ‬22‭ ‬ديسمبر‭ ‬2018  ‬وكان‭ ‬يعدّ‭ ‬عَلـَماً‭ ‬من‭ ‬أعلام‭ ‬السياسة‭ ‬والفكر‭ ‬على‭ ‬الصعيد‭ ‬العربي‭ ‬والعالمي،‭ ‬ورقماً‭ ‬صعباً‭ ‬في‭ ‬المعادلة‭ ‬السياسية‭ ‬الشرق‭ ‬أوسطية،‭ ‬تجمعه‭ ‬صداقات‭ ‬مع‭ ‬أهم‭ ‬ملوك‭ ‬وأمراء‭ ‬ورؤساء‭ ‬العالم،‭ ‬والكثير‭ ‬منهم‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬اتصال‭ ‬معه‭ ‬للتشاور‭ ‬وتبادل‭ ‬الآراء‭ ‬بشأن‭ ‬السياسات‭ ‬المحلية‭ ‬والعالمية،‭ ‬بحسب‭ ‬ما‭ ‬تحدث‭ ‬به‭ ‬الي‭ ‬شخصيا‭ ‬في‭ ‬اطار‭ ‬كتاب‭ ‬وضعته‭ ‬عن‭ ‬سيرته‭ ‬الحياتية‭ . ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬حنكته‭ ‬السياسية‭ ‬وقراءاته‭ ‬الفكرية‭ ‬للأوضاع‭ ‬المتقلبة‭ ‬في‭ ‬العالم،‭ ‬كان‭ ‬دمث‭ ‬الأخلاق‭ ‬محبوبا‭ ‬من‭ ‬الجميع‭ ‬،يستمع‭ ‬للصغير‭ ‬والكبير‭ ‬ويعلم‭ ‬محاوريه‭ ‬ثقافة‭ ‬الإصغاء،‭ ‬كان‭ ‬موسعي‭ ‬الثقافة‭ ‬على‭ ‬غير‭ ‬العادة،‭ ‬كما‭ ‬لم‭ ‬تغرهِ‭ ‬المناصب‭ ‬والوفرة‭ ‬الكبيرة‭ ‬من‭ ‬الثراء‭ ‬ورفعة‭ ‬النسب‭ ‬بالانصراف‭ ‬عن‭ ‬الناس،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬منكباً‭ ‬بنشاط‭ ‬لا‭ ‬يتوقف‭ ‬نحو‭ ‬توفير‭ ‬حياة‭ ‬أفضل‭ ‬لشعب‭ ‬المملكة‭ ‬ودعم‭ ‬أخوته‭ ‬من‭ ‬الأمراء‭ ‬والملوك‭ ‬ولاسيما‭  ‬في‭ ‬أيام‭ ‬الشدائد،‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬اهتمامه‭ ‬بشعوب‭ ‬العالم‭ ‬العربي‭ ‬والإنساني‭ ‬حيث‭ ‬العطاء‭ ‬المتنوع‭ ‬في‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المجالات‭ ‬السياسية،‭ ‬والاقتصادية،‭ ‬والثقافية،‭ ‬والنشاطات‭ ‬المجتمعية،‭ ‬وهذه‭ ‬النشاطات‭ ‬كانت‭ ‬مقرونة‭ ‬بسمو‭ ‬أخلاقي‭ ‬وسلوك‭ ‬متفرد‭ ‬لخدمة‭ ‬الناس‭. ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرض‭ ‬لعزل‭ ‬سياسي‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬أرباب‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية،‭ ‬لأنهم‭ ‬كانوا‭ ‬على‭ ‬ثقة‭ ‬بأنه‭ ‬فك‭ ‬شفرة‭ ‬تخلف‭ ‬منطقة‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وسعيه‭ ‬لتجاوز‭ ‬الدول‭ ‬العربية‭ ‬النفطية‭ ‬نمطية‭ ‬الاقتصادي‭ ‬الريعي،‭ ‬حين‭ ‬يكون‭ ‬الاقتصاد‭ ‬مرهوناً‭ ‬بتصدير‭ ‬النفط‭ ‬فقط‭. ‬فاختلقوا‭ ‬له‭ ‬الذرائع‭ ‬لحجبه‭ ‬عن‭ ‬سلطة‭ ‬القرار‭… ‬فأطلقوا‭ ‬عليه‭ ‬لقب‭ ‬الأمير‭ ‬الأحمر‭ ‬وهي‭ ‬تهمة‭ ‬بعيدة‭ ‬كل‭ ‬البعد‭ ‬عنه،‭ ‬لكنهم‭ ‬نجحوا‭ ‬بتفويت‭ ‬أية‭ ‬فرصة‭ ‬عليه‭ ‬للمسك‭ ‬بسلطة‭ ‬القرار،‭ ‬ومن‭ ‬انزعاجهم‭ ‬منه‭ ‬منعت‭ ‬كوندليزا‭ ‬رايز‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬المناسبات‭ ‬الأمير‭ ‬طلال‭ ‬من‭ ‬إلقاء‭ ‬كلمة‭ ‬في‭ ‬مناسبة‭ ‬افتتاح‭ ‬الجامعة‭ ‬الأميركية‭…‬‭!‬‭ ‬لأن‭ ‬الأمير‭ ‬كان‭ ‬يشكل‭ ‬للغرب‭ ‬مصدر‭ ‬إزعاج،‭ ‬إذ‭ ‬كان‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬ربط‭ ‬المملكة‭ ‬والعرب‭ ‬بالحداثة‭ ‬الغربية‭ ‬وتجاوز‭ ‬نمط‭ ‬الحالة‭ ‬السياسية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬والعلمية‭ ‬والثقافية‭ …‬التقليدية،‭ ‬والانفلات‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬التيه‭ ‬الحضاري،‭ ‬والدوران‭ ‬في‭ ‬حلبة‭ ‬الصراعات‭ ‬المذهبية‭ ‬والقومية‭ ‬اللانهائية‭…‬لذلك‭ ‬شكلوا‭ ‬ضغطاً‭ ‬إعلامياً‭ ‬هائلاً‭ ‬عليه‭ ‬لإضعافه،‭ ‬لكنه‭ ‬على‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬كله‭…‬خلق‭ ‬عالمه‭ ‬الخاص‭ ‬وبدأ‭ ‬برسم‭ ‬استراتيجيته،‭ ‬فأسس‭ ‬المجلس‭ ‬العربي‭ ‬للطفولة‭ ‬والتنمية،‭ ‬ومركز‭ ‬المرأة‭ ‬العربية‭ ‬للتدريب‭ ‬والبحوث‭ ‬‭(‬كوتر‭)‬،‭ ‬والشبكة‭ ‬العربية‭ ‬للمنظمات‭ ‬الأهلية،‭ ‬وبنك‭ ‬الفقراء،‭ ‬الجامعة‭ ‬العربية‭ ‬المفتوحة،‭ ‬الجمعية‭ ‬السعودية‭ ‬للتربية‭ ‬والتأهيل‭ ‬لرعاية‭ ‬الأطفال‭ ‬المعاقين‭ ‬من‭ ‬ذوي‭ ‬متلازمة‭ ‬داون‭. ‬كما‭ ‬لعب‭ ‬دوراً‭ ‬مهما‭ ‬بأقناع‭ ‬المسؤولين‭ ‬في‭ ‬المملكة‭ ‬بضرورة‭ ‬الارتباط‭ ‬بمنظمة‭ ‬التجارة‭ ‬العالمية‭ ‬‭(‬WTO‭)‬‭ ‬وهناك‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المبادرات‭ ‬والمواقف‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬والثقافية‭…‬كما‭ ‬يصطف‭ ‬مع‭ ‬الرموز‭ ‬الفكرية‭ ‬العربية‭ ‬بوصفه‭ ‬أحد‭ ‬أهم‭ ‬عناصر‭ ‬التنوير‭ ‬المعاصر‭. ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬جوائز‭ ‬بشأن‭ ‬المشروعات‭ ‬التنموية‭ ‬الرائدة‭…‬والحديث‭ ‬يطول‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭…‬لقد‭ ‬ترك‭ ‬المغفور‭ ‬له‭ ‬تراث‭ ‬حافلاً‭ ‬بالإنتاجات‭ ‬والمواقف‭ ‬الانسانية‭ ‬والوعي‭ ‬العالي‭ ‬في‭ ‬هضم‭ ‬السياسة‭ ‬الدولية،‭ ‬المهم‭ ‬ما‭ ‬ترك‭ ‬من‭ ‬إرث‭ ‬فكري‭ ‬وسياسي‭ ‬يشكل‭ ‬خزاناً‭ ‬معرفياً‭ ‬عتيداً‭. ‬فما‭ ‬أحوجنا‭ ‬اليوم‭ ‬لشخصيات‭ ‬بهذه‭ ‬المواصفات‭ ‬وعلى‭ ‬الرغم‭ ‬من‭ ‬مغادرته‭ ‬الحياة‭ ‬فهو‭ ‬حاضر‭ ‬بكل‭ ‬مناسبة‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬أزمة‭ ‬اقتصادي‭ ‬أو‭ ‬معضلة‭ ‬اجتماعية‭ ‬وغيرها‭. ‬الامير‭ ‬رحل‭  ‬في‭ ‬وقت‭ ‬ربما‭ ‬كنا‭ ‬بحاجة‭ ‬لقراءة‭ ‬امثاله‭ ‬العميقة‭ ‬للاحداث‭ ‬العاصفة‭ ‬بالمنطقة‭ . ‬كيف‭ ‬لا‭ ‬وهو‭ ‬كان‭ ‬علامة‭ ‬فارقة‭ ‬منذ‭ ‬البدايات‭ ‬الأولى‭ ‬لنشأته‭ ‬وترعرعه‭.‬

حقاً‭ ‬خسرنا‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬رجالات‭ ‬السياسة‭ ‬والفكر،‭ ‬وبرحيله‭ ‬يكون‭ ‬قد‭ ‬هوى‭ ‬نجم‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬نجوم‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬تاريخنا‭ ‬المعاصر‭ ‬فتاريخه‭ ‬يحيلنا‭ ‬لرموز‭ ‬التنوير‭ ‬الأوائل‭ ‬بوصفه‭ ‬عقلاً‭ ‬تنويرياً‭ ‬شجاعاً‭ ‬ومميزاً‭ ‬ومن‭ ‬طينة‭ ‬الكبار‭ ‬والعظماء‭. ‬فالأمير‭ ‬قد‭ ‬حفر‭ ‬اسمه‭ ‬في‭ ‬سجل‭ ‬كبار‭ ‬الأمة‭ ‬الذين‭ ‬ستنهل‭ ‬منهم‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭ ‬الحلول‭ ‬عبر‭ ‬إحياء‭ ‬ذكراهم‭ ‬باستمرار‭ ‬لما‭ ‬أعطوا‭ ‬وبذلوا‭ ‬بإخلاص‭ ‬وتفانٍ،‭ ‬وعانوا‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬ينيروا‭ ‬الدرب‭ ‬للآخرين‭.‬

وفي‭ ‬هذه‭ ‬الذكرى،‭ ‬لا‭ ‬يسعنا‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬نشاطر‭ ‬عائلة‭ ‬الامير‭ ‬الراحل‭ ‬خالص‭ ‬الحزن،‭ ‬وندعو‭ ‬أن‭ ‬يتغمده‭ ‬الله‭ ‬بوافر‭ ‬رحمته‭.‬

‭ ‬اكاديمية‭ ‬وكاتبة‭ ‬عراقية‭ ‬‭-‬اربيل‭

مشاركة