الأمريكان غير متحمسين للتغيير في سوريا
إم. كي. بادراكومار
ترجمة سناء عبدالله
لم يكن سقف التوقعات مرتفعا خلال اجتماع أصدقاء سوريا الذي عقد في الأول من نيسان، والذي يتصادف مع الاحتفال بكذبة نيسان، إذ لم يتوقع له أن يتمخض عن أية نتائج هامة قدر تعلق الأمر بدعم اجندة تغيير النظام في سوريا.
لقد بذلت الدولة المضيفة جهودا مضنية للخروج بنتائج سحرية، غير أن المشهد على ضفاف البوسفور لم يخرج إلا بفائز واحد، ألا وهو الولايات المتحدة الأمريكية. لقد خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون من الاجتماع وهي تضحك.
وقد تعثرت الأمور خلال الاجتماع المذكور لأسباب متعددة، فالمعارضة السورية ما برحت تضم حشدا من نسيج غير متجانس. في غضون ذلك، لا يبدي نظام الرئيس السوري بشار الأسد أية مظاهر إعياء ويحظى بدعم قوي من المؤسسة الأمنية والعسكرية والبيروقراطية. كما يتجه النظام نحو مواقف سياسية ودبلوماسية متقدمة من خلال الإعلان عن التعاون مع خطة الأمين العام السابق للأمم المتحدة، كوفي عنان، ذات النقاط الست في وقت يعمل فيه النظام بقوة على تغيير الوضع على الأرض لصالحه.
إن ثمة خلافا بين القوى الخارجية حول الشأن السوري، حيث أسقطت قمة الجامعة العربية التي عقدت في بغداد الأسبوع الماضي على نحو عاجل المطلب السابق بتنحي الأسد. أما أصدقاء سوريا فيبدو أنهم مترددون في الدخول في صلب الموضوع. روسيا والصين وإيران، من جانبهم، لا يزالون يعارضون بشدة اجندة تغيير النظام.
لقد خرج اجتماع اسطنبول بخطب رنانة. غير أن البيان المشترك كشف العجز. لقد اعترف البيان بالمجلس الوطني السوري المعارض بوصفه ممثلا لجميع السوريين، كما أخذ البيان علما بالمجلس بوصفه المحاور الرئيسي لكنه لم يمنحه الاعتراف الكامل.
ودعا البيان كوفي عنان الذي امتنع عن حضور اجتماع اسطنبول إلى أعطاء دمشق وقتا زمنيا محددا للامتثال بخطته، لكنه لم يقترح أي جدول زمني من جانبه. ولم يذهب البيان إلى حد الإشارة إلى أي دعم للمساعدة العسكرية لجيش سوريا الحر.
ومما يثير السخرية، فإن السعودية بمعية إمارة أو إمارتين خليجيتين من بينها قطر قد تقومان بإنشاء صندوق لرشوة وتنظيم عملية انشقاق للقوات السورية المسلحة، وهو إجراء يشبه وعاءً من ذهب يهدف إلى إضعاف الدولة السورية. ويكمن مصدر الغرابة في هذه الفكرة بأن هاتين المشيختين الخليجيتين ستقومان بدفع راتب لأي سوري راغب بمحاربة النظام.
من جانبها، عمدت كلينتون بكل حكمة إلى الاحتفاظ برأيها. وإلى جانب بعض الخطب الرنانة، فقد حددت الولايات المتحدة نفسها بالاعلان عن مساهمة تبلغ قيمتها 25 مليون دولار كمساعدات إنسانية للشعب السوري. غير أن لا أحد يعلم كيف ستصل هذه المساعدات إلى وجهتها. ولأسباب متعددة، يبدو أن أصدقاء سوريا يضيعون وقتهم. بيد أن السؤال الأهم هو كيف حصل أن وجدت الإدارة الأمريكية نفسها، وهي الممثلة بشخصية سياسية بارزة، وسط هذا السيرك؟ وتكمن الإجابة عن هذا السؤال في مقابلة صريحة أجرتها محطة سي. إن. إن الإخبارية يوم الأحد الماضي مع رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأمريكي، النائب مايك روجرز، الذي قال بكل صراحة في الواقع، نحن الولايات المتحدة لا نرى الحلقة الداخلية لنظام الاسد تتضعضع . أضاف روجرز يعتقد النظام السوري بأنه يحقق الانتصار، ونحن بالفعل نرى الأمر نفسه، من خلال جمع المعلومات الاستخبارية. يعتقد السوريون أنهم يكسبون هذه المعركة . والحقيقة، فقد أعلنت دمشق عشية عقد اجتماع الاصدقاء في اسطنبول بأن معركة الإطاحة بالنظام قد انتهت . وكانت القوات السورية قد القت القبض يوم السبت على أبو الوليد ، نائب قائد الجيش السوري الحر، المسؤول عن العمليات في منطقة دمشق. أما قائد الجيش السوري الحر، مصطفى الشيخ، فهو يقيم في تركيا وسط أوضاع مريحة ويرأس سلسلة مراجع ناضبة من القيادات، وذلك بعد سلسلة من النجاحات التي حققها الجيش السوري.
ولم يكن رد الفعل الرافض لموسكو حيال النماذج الغريبة لـ أصدقاء سوريا ليفاجأ أحدا، حيث قال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف أن توجيه الانذارات والمواعيد النهائية المصطنعة نادرا ما يساعد على الحل . وأضاف لافروف قائلا بأن مجلس الأمن هو من سيقرر من امتثل مع خطة عنان وكيف .
واتفق لافروف بالرأي مع دمشق بأن خطة السلام لن تنجح ما لم تلتزم القوات المتمردة من جانبها أيضا بوقف إطلاق النار ــ نحن روسيا ننوي أن نكون أصدقاء للجانبين في سوريا . أما المجلس الوطني السوري، فهو لا يمثل إلا جزءاً من الشعب السوري. وأضاف وزير الخارجية الروسي قائلا عندما تتخذ قرارات وتطلق تسمية ممثل شرعي على إحدى الجماعات السورية، فقد يذهب المرء إلى الاستنتاج بأن الجماعات السورية الأخرى، من منظمات وسلطات، هي غير شرعية. أعتقد أن هذا النهج خطير ويتعارض مع الجهود التي يبذلها كوفي عنان .
لقد قابل لافروف الخطب الرنانة بأخرى مشابهة، لكنه عجز عن مجاراة الخطاب المنمق للوزيرة كلينتون. وتكمن روعة الخطاب الأمريكي الرنان في أن واشنطن تبقى على جميع الخيارات مفتوحة. إنها سنة انتخابات رئاسية، وأن الرئيس باراك أوباما لا يرغب بالدخول في مواجهة عسكرية جديدة في سوريا، أو أي مكان آخر في العالم. لكنه لن يقف بوج الأصدقاء في اتخاذ مواقفهم.
وتقتصر مساهمة واشنطن على توفير معدات الاتصالات والمساعدات الإنسانية. ولكن إذا ما رغب شيوخ السعودية وقطر بالترفيه عن أنفسهم بملايين الدولارات لمقاتلي المعارضة السورية فإن واشنطن لن تعارض ذلك. غير أن الخط الأحمر يقف عند تسليح المتمردين علنا الأمر الذي قد يدفع بالأوضاع إلى حرب أهلية. لقد قامت كلينتون بزيارة إلى الرياض يوم السبت وحاولت التوفيق مع الموقف السعودي المتشدد.
وتكمن المسألة، كما أشار إليها روجرز، بأن تسليح المعارضة السورية فكرة سيئة ، والسبب يرجع بشكل رئيسي إلى أننا لا نعرف تماما من هم.. ويجب أن تتذكروا أن منح أنواع مختلفة من الأسلحة إلى أشخاص لا نعرف من هم، فضلا عن وجود أشخاص سيئين بينهم، ربما لن يبشر بالخير على المدى البعيد .
وكان وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كيسنجر، قد كتب رأيا نشره خلال عطلة نهاية الاسبوع، عرض فيه الأساس الفكري لهذه المخاوف. رأى كيسنجر أن الربيع العربي لم يعكس الثورات الاقليمية التي قادها الشباب نيابة عن المبادئ الديمقراطية الحرة . كما أن الديمقراطيين لم يكونوا تماما القوى المهيمنة في المعارضة السورية . إن إجماع الجامعة العربية بشأن سوريا لا يعني أي شيء لأنه مصاغ من جانب أنظمة مستبدة لا تمتلك ماض كدول ديمقراطية . وحذر كيسنجر
كلما كان التدمير الحاصل للنظام القائم اكثر اكتساحا، كلما كان من المرجح أن تزداد صعوبة تأسيس سلطة محلية… وكلما اتسع تفتت المجتمع، كلما ازدادت نزعة تعزيز الوحدة من خلال الدعوات إلى رؤية تعمل على توحيد التطلعات القومية والاسلامية واستهداف القيم الغربية.. وحتى ساعة كتابة هذا الرأي، تهدد القوى السياسية الأصولية التقليدية، المعززة بتحالف مع الثوار الراديكاليين، بالهيمنة على عملية التحول هذه.
وتعد هذه النتائج حاسمة بالنسبة للمخاوف الاستراتيجية للولايات المتحدة بصرف النظر عن الآليات الانتخابية التي تصل عبرها هذه الحكومات إلى السلطة . ويقترب المنظور الذي يعتمده كيسنجر بشكل مذهل من المخاوف التي عبرت عنها موسكو وبكين.
وتشعر إدارة الرئيس أوباما بالخطر المحدق، وهي ترغب في تبني مسار آمن ــ لغاية اتضاح الأمور على أقل تقدير، لا سيما وأن مصر، حيث يوشك شيوخ الأخوان المسلمين على القضاء على تحدي شيوخ الأزهر بوصفهم المرجعية المبدئية في التشريع، والإدارة السياسية والشؤون الدينية. لذلك، فقد وجدت واشنطن أنه من المناسب أن تضع روسيا في مقعد السائق الأمامي.
وإذا ما نجحت مساعي موسكو وتم تهدئة الأزمة، فليس لدى واشنطن ما تخسره وسيكون بوسعها دائما أن تلتقط خيوط عملية الانتقال السياسي، كما أن عودة العلاقات الأمريكية ــ الروسية إلى تنظيم نفسها قد تكتسب مزيد من الأهمية. ولكن، إنْ فشلت موسكو، فان قدرتها على إعاقة عملية اتخاذ القرارات في مجلس الأمن ستنهار وتبقى حينئذ المبادرة بيد واشنطن.
خلاصة القول هي أن واشنطن ينظر إليها اليوم بانها تقف إلى جانب الجهة الصحيحة من التاريخ . وعلى حد وصف كيسنجر، فان سلوك الولايات المتحدة خلال الانتفاضات العربية جنبها حتى الآن وضع نفسها كعقبة أما التحولات الثورية. وهذا لا يعد انجازا صغيرا .
مرة أخرى، لقد تعرضت صلات موسكو بالمملكة العربية السعودية وقطر إلى ضغوطات. وفي كلمته التي القاها في اسطنبول، أدان وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل روسيا بوصفها تمتلك تأثيرا شريرا على دمشق. كما يتعين على الصين، التي دأبت على اقتحام قلاع الغرب في مجلس التعاون الخليجي، أن تبذل ما يمكن لرأب الصدع.
إن هذه التطورات تصب في صالح الفائدة الجيوسياسية لواشنطن. وفي أجواء الاستفادة من الشعور المتعمق بانعدام الأمن، والعزلة التي تجتاح النظام السعودي، توشك الولايات المتحدة أن تحقق حلم مشروعها في ضم دول مجلس التعاون الخليجي إلى منظومة الدفاع الصاروخي العالمية.
حول زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى الرياض، ذكر مسؤول رفيع في وزارة الخارجية الأمريكية نهاية الأسبوع نعمل مع كل واحد منهم دول مجلس التعاون الخليجي لتطوير بنيان خاص بنظام اقليمي. ويكمن هدف واشنطن في جمع كل أشكال التعاون الدفاعي التكتيكي الأمريكي مع دول مجلس التعاون الخليجي منفردة في إطار سياق استراتيجي .
ويقوم منتدى التعاون الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة الذي تأسس حديثا، والذي عقد اجتماعا في الرياض يوم السبت، باعادة كتابة سيناريو الأمن في منطقة الخليج العربي. والسياق هو الخطر الإيراني. لكن من الناحية الجيوسياسية، فأن قوس نظام الدفاع الصاروخي العالمي التابع للولايات المتحدة الأمريكية من وسط أوربا عبر تركيا مؤهل اليوم للقفز إلى منطقة الشرق الأوسط ليلامس مياه المحيط الهندي.
باختصار، إن علاقات واشنطن بمنطقة الخليج العربي الغنية بالنفط، تسمح لها دائما بالعودة إلى الأزمة السورية في الوقت المناسب.
صحيفة آسيا تايمس
سفير الهند السابق لدى الاتحاد السوفييتي السابق والمانيا وكوريا الجنوبية وسريلانكا وافغانستان وباكستان والكويت واوزباكستان وتركيا
/4/2012 Issue 4166 – Date 5 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4166 التاريخ 5»4»2012
AZP07