توظيف النساء في العمليات الإرهابية
عماد علو
السلفية الجهادية والمرأة
ظلت قضية مشاركة المرأة في العمليات القتالية محل خلاف لدى تنظيمي (القاعدة وطالبان) إلى العام 2003 حيث بدأت ملامح التوظيف النسائي في العمليات الارهابية ، تتضح صورها في الجهاد الذي اتخذ الطابع الدّعوي لنشر الفكر السلفي الجهادي في العالم، والطابع القتالي لمكافحة الحضور الغربي بكافة تجلياته في العالم الإسلامي. حيث كان التناقض واضحا لدى منظري تنظيم القاعدة لإقحام المرأة في الجانب العسكري، مما يجعلنا نقول أن القاعدة لا تسير وفق منهج واحد أوربما تغير قناعاتها بتغير المواقف والظروف، وذلك لأن الفكر التنظيري للجماعات الجهادية لا يشجع الاستعانة بالنساء في العمليات العسكرية، إذ أن جهاد المرأة في نظرهم يتأتى من خلال الالتزام الكامل بواجباتها كأم وزوجة لتوفر الراحلة لزوجها والرعاية والتربية لأبنائها في الوقت الذي يتفرغ فيه الرجل للمشاركة في الجهاد والتدريب عليه. وليس أدل على ذلك ما نقل عن الرجل الثاني في التنظيم أيمن الظواهري من أن النساء ليس لهن مكان في التنظيم وأن دورهن يقتصر على المنزل فقط، وهوبالطبع خلاف لم عليه النساء القاعديات في الحقيقة إذ أن أدوار المرأة في التنظيم تخطت محيط المنزل بمراحل. الا أن منظروالسلفية الجهادية برروا موقفهم من قضية توظيف النساء في العمليات الارهابية ، بالرجوع إلى النصوص الدينيّة، والشواهد التاريخية من سير الصحابيات بل وظّفوا تاريخ المقاومة الفلسطينية للغرض ذاته. فعدّدوا أسماء الشهيدات اللواتي شاركن في العمليات الاستشهاديّة ضدّ العدوّ الصهيونيّ كوفاء إدريس2002 وريم الرياشي2004? وغيرهما. ولم يتوان عدد من منظّري “الجهاد النسائيّ” عن تعداد أسماء “المجاهدات” كالشيشانية حواء براييف، والسعودية أمّ عمر المكية التي ذهبت إلى أفغانستان للقتال، وغيرهن كثيرات.
لذلك جاءت نقطة التحول الكبيرة عندما أعلن زعيم التنظيم في العراق أبومصعب الزرقاوي عن تجنيد امرأة لتنفيذ عملية انتحارية في بلدة تلعفر القريبة من الحدود السورية في ايلول2005م ، ثم قيامه بتشجيع النساء وحثهن على المشاركة في العمليات الانتحارية الأمر الذي أدى إلى استجابة العشرات من النساء في العراق واللائي ذهبن ضحايا لتلك الدعوات ، حيث تفيد إحصائيات القوات الأميركية والشرطة العراقية ، منذ الغزوفي اذار عام 2003 وحتى نهاية العام 2008 أن العراق شهد: 60 عملية انتحارية قامت بها نساء – بما في ذلك النساء اللاتي سلمن أنفسهن – وقد تمكنّ من قتل ما مجموعه 370 شخصاً وإصابة 650 آخرين”. ، من ابرز الانتحاريات بيداء وهي واحدة من بين 16 انتحارية اعتقلتهن شرطة محافظة ديالى مطلع العام 2008 والانتحارية رانيا عمرها 15 سنة عندما اعتقلت وهي في طريقها إلى تنفيذ عملية انتحارية، كذلك العراقية ساجدة الريشاوي التي حاولت تفجير نفسها في إحدى فنادق العاصمة الأردنية برفقه زوجها وانتحاريين لكنها فشلت وتم القبض عليها فيما نفذ زوجها ورفيقيه العملية التي أودت بحياة الأبرياء ، واعدمت الريشاوي بعد احراق داعش للطيار الاردني معاذ الكساسبة.
ومع تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية داعش الارهابي الذي يعد الأكثر وحشية واستخداما لأساليب غير سوية في إعداد أعضائها والتعامل مع خصومها، تمت مؤسسة الجهاد داخل منظومة الدولة، وتحول العدوإلى كل من يعادي بقاء الخلافة وتأسيسها، وتحول الجهاد النسائي من ممارسة دينية تطوعيّة إلى عملية توظيف رسميّ تقوم بها أجهزة التّنظيم في المناطق التي تحتلها. وبعد أن أدركت التنظيمات السلفية الجهادية الحديثة القيمة والبعد الاستراتيجي لتوظيف النساء، دخلت مشاركة النساء حيزا مختلفا في مرحلة الجهاد تجلى في تقلص القاعدة الشرعية بأن جهاد المرأة في منزلها، وتناقصت القيود الدينية المفروضة على دور المرأة في العمليات القتالية ، فتشكلت ألوية قتالية نسوية الخنساء في العراق وأم الريان في الرقة السورية. واستغل تنظيم داعش الارهابي وجود العنصر النسائي في صفوفه، عنصر استقطاب أوسع للشباب وذلك لاعتبارات مجتمعية وأخلاقية، ولأن العنف النسائي لديه جاذبية أكبر في مخيلة العامة تم إبرازه عبر منظومة إعلامية جبارة روجت للعنف الأنثوي، خصوصا” مع الفتوى التي اطلقها أحد منظري التطرف التكفيري محمد العريفي بدعوته الى نفير النساء لتلبية احتياجات الجهاديين الجنسية، تحت مسمى جهاد النكاح، واعتباره الدور الجهادي المنوط بإناث لا تناسبهن ساحات القتال، رغم أن إشاعة هذا الجهاد ساهمت في استقطاب الشباب، إلا أنها أظهرت خلل النظرة للمرأة وتحويلها إلى سلعة، وأظهرت خلل الخطاب الأيديولوجي للسلفية الجهادية في استقطاب المتطوعين .
العمليات الانتحارية النسوية
نادراً ما يكون تنفيذ عملية انتحارية ناجحة عملاً فردياً، ويكاد يكون من المستحيل على امرأة أن تتصرف لوحدها خصوصا” في المجتمع العراقي . وتتلقى الانتحاريات التدريب والمساندة من الشبكات التي ينتمينَ إليها أومن أفراد أسرهنّ الناشطين في هذا المجال ، خصوصاً أن آلية عمل تلك الشبكات اوالمجموعات ، تقوم على الإيحاء للانتحاري أوالانتحارية بأن لها مُطلق الحرية في اختيار مصيرها. لذلك فان معظم الانتحاريين بما فيهم النساء يؤمنون أن من كامل الحرية في اختيار طريقة موتهم . على أن خيار الانتحار لا يتوقف على الانتحارية فقط، ففي العراق اليوم مظهر جديد لأسلوب تنفيذ مثل هذه العمليات، حيث يحتوي الحزام على أداة متصلة بجهاز تفجير عن بُعد يجري تفعيله من قِبَل شخص آخر في حال تراجعت الانتحارية عن قرارها.
واليوم تشكل النساء حوالي 30 بالمئة على الأقل من القوة القتالية داخل الجماعات الإرهابية وفقا للتقديرات الحالية، لكن “ما يميز الانتحاريات في العراق وسوريا أنهن متأثرات بالفكر السلفي الجهادي الذي يمتاز بالتطرف والتكفير الديني والذي يشكل محور عمل الجماعات الارهابية المسلحة الموجودة في العراق.
أبرز الكتائب الارهابية النسوية
برر تنظيم داعش الارهابي ، تشكيله كتيبتين نسائيتين بهدف كشف ناشطين معارضين له يلجأون إلى التنكر بأزياء نسائية للمرور على حواجز «داعش» من دون التعرض للاعتقال ، أطلق عليهما اسمي «الخنساء» من الفتيات السوريات و«أم الريان» من الفتيات التونسيات، مشترطا أن تكون المنتسبات من النساء العازبات بين عمر 18 و25 سنة على أن يتقاضين مبلغ 25 ألف ليرة سورية؛ أي أقل من 200 دولار شهريا، وبشرط التفرغ الكامل للعمل مع التنظيم، وبتشكيل هاتين الكتيبتين، فتح تنظيم داعش الارهابي ميدانه العسكري أمام العنصر النسائي الذي كان مستبعدا حتى الأمس القريب، مستفيدا من جهوده النساء لتلبية احتياجاته الأمنية. وتقوم كتيبتي الخنساء وام الريان بالدوريات في الشوارع ، ونصب الحواجز لتفتيش المارة من النساء . ويجري تدريب المنتسبات الى هاتين الكتيبتين على استخدام الاسلحة الخفيفة والـ (آر بي جي) ووبعض الادوات الجارحة التي تستخدم لمعاقبة النساء المخالفات آلة العضاضة. الا ان التنظيم الارهابي عاد مؤخرا” الى استخدام منتسبات الخنساء وام الريان كانتحاريات وللقتال في صفوف “داعش” وليكنّ مشاريع أشلاء للأحزمة الناسفة بعد تراجع عدد المجندات الأجنبيات.
النساء والترويج للفكر السلفي الجهادي
استطاع تنظيم داعش الارهابي ، البناء على خبرات سابقيه في استخدام النساء كآلية للترويج لأفكار التنظيم وتجنيد أعضائهن، مستفيدًا من التقدم التكنولوجي الذي أتاح مزيدًا من الفرص للاستفادة من وجود عناصر نسائية في التنظيم. وقد تزامن بروز اسم التنظيم مع إعلانه عن وجود عناصر نسائية داخله، ولا سيما من الأجنبيات، حيث كشف تسجيل مصور للتنظيم حمل اسم “الإصدار الفاجـــــعة” الذي بث خلال شهر كانون الثاني2014 عبر مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” و”تويتر” عن حجم الحضور النسائي في صفوف التنظيم، وركز مقطع الفيديوعلى وجود خمس مهاجرات من جنسيات ولهجات مختلفة، يتهمن “الجيش السوري الحر” باستهداف أُسَر مقاتلي “داعش” والاعتداء عليهن. وركز الفيديوعلى التحاق بعض الفتيات بـ ”إخوانهن الذكور” للقتال في سورية.
انّ النساء يتميّزن بميزات أخرى منها أنّهن أكثر قدرة على تعبئة الحشود، وإلهاب المشاعر من خلال توظيف قيم الشرف، والعرض، والعار، ودعوة الرجال إلى حماية المستضعفات، والذود عن حمى الأمة. وقد نشر موقع صوت الجهاد رسالة بعنوان “يا نساء دوركن.. فقد نام الرجال” لـــ ”منى صالح الشرقاوي” كرّست فيها ثقافة الكره والعنف. وقد خاطبت النساء على وجه التحديد داعية إياهن إلى عدم التباطؤ في نصرة الدين، وعدم التعويل على الرجال. وتعدّ السعودية “بنت نجد” المسؤولة الإعلامية لتنظيم القاعدة على الإنترنت، وقد اكتشف دخولها بأسماء مستعارة، وتزويدها لمواقع المتطرفين بالتسجيلات الصوتية والمرئية، والبيانات الرسمية للتنظيم، وبثّها عن طريق تلك المواقع .
أمّا “وفاء اليحيى” فإنّها كانت تعمل محاضرة في جامعة الملك سعود وقد أخذت تتعامل مع شبكة الإنترنت بشكل متزايد، فأصبحت تشارك في بعض المنتديات المتطرفة بكُنًى مجهولة منها: “المدوّية و”البارقة” و”بارقة السيوف” في بعض المواقع المتطرفة مثل: “الفوائد الإسلامية”و”التجديد “القلعة” و”الأنصار و”الإصلاح”. وشملت مشاركاتها التعليق على ما حصل من تغيير في مواقف الدول تجاه “المجاهدين”. وكانت تكتب عن مناصرة المجاهدين في العراق وأفغانستان، وتشيد بأعمال “القاعدة” وعملياتها في الأراضي السعودية .
داعش والإعلام النسائي
أدرك تنظيم داعش الارهابي أهمية الإعلام، وكونه أحد أعمدة التسلح الرئيسة في معركة كسب العقول، فقد عمد إلى استخدام أبواق الدعاية والمنصات الإعلامية، لنشر فكره، واجتذاب المجندين والمجندات عرائس الجهاد، فضلا عن الترويج لمنجزاتها الإرهابية وغرس القيم التي ترغب بثها داخل الموالين الحاليين، والمحتملين، وبعد أن دشن تنظيم داعش في عام 2007 ثلاث مؤسسات إعلامية تتولى مهمة رسم السياسات الإعلامية للتنظيم، وهي مؤسسة الملاحم، والفرقان، والسحاب للإنتاج الإعلامي ، قام بإصدار عدد من المجلات والمطبوعات والمواقع الالكترونية المختصة بالشأن النسوي مثل مجلة “الخنساء” التي ، أشرفت على تحريرها عضوة سعودية في التنظيم تسمى “أم أسامة”وهي أول إصدار نسائي خالص، وخصص لها موقعا” الكترونيا” ، حيث لم تكتف المجلة بتوجيه خطابها إلى النساء فحسب وإنما اعتمدت في أغلب موادها ومقالاتها على طاقم نسائي للترويج للأفكار السلفية الجهادية التي حاولت تأصيلها والذود عنها وفق منهج التنظيم الفاسد. ثم اصدر داعش مجلة اخرى عام 2010باسم حفيدات الخنساء .. ثم اصدر التنظيم الارهابي مجلة أخرى هي “الشامخة” عام 2011 وهي ثاني إصدارات “مركز الفجر للإعلام”، يدير تحرير الشامخة “صالح اليوسف”. ومجلة حاولت الجمع بين النقيضين، وهما سبل الانخراط في الجهاد، والحياة الطبيعية للمرأة في بيتها ومع شركاء حياتها.
وقد عمل تنظيم “داعش” على إسناد جزء مهم من وجوده على الفضاء الإلكتروني إلى ما يمكن أن يطلق عليه “جيش من النساء” المنضمات إلى التنظيم، واللائي بدأ نشاطهن في الظهور تحت اسم “المناصرات” و”المهاجرات” على مواقع “فيس بوك” و”تويتر” وبدأت صورهن التعبيرية على صفحاتهن الخاصة تتبدل بصور للدماء والرؤوس المعلقة، وعلم التنظيم، غير أن ملاحقة الحسابات المحسوبة على التنظيم والتابعة لأعضائه وإغلاقها قد دفعت إلى استخدام حسابات وهمية في محاولة اختراق المجموعات الاجتماعية والصفحات النسائية على “فيس بوك” بهدف اختراق العقول وتغيير المفاهيم، ولا سيما في أوساط الشباب والنساء، وذلك من خلال التركيز على الحديث عن مشكلات المجتمعات العربية، وما يعتبرونه تضييقًا على المتدينين، مثل إغلاق بعض المساجد، ومنع الأذان، وتغيير المناهج الدينية أوإلغائها من المدارس. كما ركز تنظيم “داعش” جهود نسائه، عبر العمل الإلكتروني والإعلامي المقروء من خلال إصدارات التنظيم، والنشاط العملياتي على الأرض أيضًا، والذي يبرز اشتراكهن في أعمال العنف التي وُثقت بمقاطع الفيديوالمصورة، التي أظهرت في أكثر من فيديووجود مقاتلة أوأكثر من النساء في صفوف التنظيم تشارك في عمليات ذبح الرهائن، فضلا عن الصور التي تبدوفيها “الداعشيات” كمشرفات على عمليات اختطاف واقتياد عدد من النساء، ولا سيــــــــــما الأيزيديات في العراق .
الخاتمة
لا يعتبر استخدام وتوظيف النساء في العمليات الارهابية شيء” جديدا” على دائرة العنف النسوي ، فقد سبق وأن شاركت المرأة في الكثير من الحركات الارهابية المسلحة مثل الالوية الحمراء ومنظمة بادر ماينهوف الارهابية في المانيا ، كما شاركت النساء في فصائل المقاومة الفلسطينية وفي حرب الشيشان ، كما شاركت النساء في الجناح العسكري لحزب العمال الكردي التركي PKK لذلك فلا نستغرب أن تلجأ تنظيمات السلفية الجهادية الارهابية الى توظيف النساء في العمليات الارهابية لاسيما تنظيم داعش الارهابي الذي شكل كتيبتين نسويتين هما الخنساء وأم الريان ، فضلا” عن ترويجه لفكرة جهاد النكاح المسيئة للمرأة المسلمة .. في محاولة رخيصة للترويج لأفكاره الفاسدة واستقطاب المجندين والمجندات الى صفوفه.
{ مستشار المركز الاوربي لدراسات مكافحة الارهاب