الأزمة النقدية العراقية

الأزمة النقدية العراقية
كريم مصطفى
أبرزت أزمة سعر الصرف الحالي الحاجة الى وقف قصير للتأمل في احوال الاقتصاد العراقي. فلا شك ان الازمة النقدية هي انعكاس صريح لازمة يعيشها مجمل الاقتصاد مذكراً بالاختلالات الهيكليه العميقه. ان التعكز على الاسباب الخارجية تهريب العملة الصعبة الى ايران وسوريا وغيرهما لا يكفي بحد ذاته للتفسير رغم صحته جزئيا، وفي هذا الصدد نشير ان الهجمات الخارجية تتوجه نحو المناطق الرخوة القابلة للاختراق والا لماذا لم تتوجه الهجمة الى اسواق اخرى متخمة بالعملة الصعبة كالاسواق الخليجية؟
ولما كانت هذه الاسواق منظمة واقتصاداتها مستقرة الى حد كبير، فالهجمة تتوجه نحو الاقتصاد الرخو والسوق غير المنظم، وفي حالتنا هذه يكون السوق العراقي هو المستهدف.
ولذلك، يكون من الضروري، الاشارة الى اهم الاختلالات الهيكليه التي يعاني منها الاقتصاد العراقي. وضرورة الاشارة اليها تكمن في التفسير انطلاقا الى المعالجات بمدياتها القصيرة، الطويلة الاجل.
1 ــ ازمة الاقتصاد الحقيقي، شهد هذا القطاع ركودا منذ 1991 متأثرا بالاثار المدمرة للحروب والحصار الاقتصادي.ولكون القطاع الحكومي كان هو المهيمن فإن تأثره بهذه العوامل كان كبيرا جدا ولم يشهد اي تطور نوعي بل اكتفى النشاط الحكومي على جهد محدود بغرض الادامه. اما القطاع الخاص فاستثماراته كانت واستمرت هامشية ولم تشهد ايضا تطورا نوعيا.تفاقم ذلك بعد 2003 اذ تعطلت القطاعات الحكومية بشكل شبه تام وانتقلت الاستثمارات الخاصه باتجاه الربح الاسرع والاوفر وهو التجاره. انعكس ذلك على حجم الانتاج المحلي والتوظيف.
2 ــ تدهور القطاع الزراعي وخصوصا بعد 2003.
3 ــ نتيجه لما ورد في النقطتين اعلاه وتزامنا معها ازداد ارتكاز الاقتصاد العراقي على تصدير النفط كمصدر يكاد ان يكون وحيدا لتوفير العملة الصعبة وتحول الاقتصاد المجتمع العراقي الى اقتصاد ريعي بشكل متصاعد بامتياز معززا بالارتفاع المستمر لاسعار النفط.
4 ــ سيادة النزعه الاستهلاكيه في المجتمع وتحولها على استهلاك مفرط وتبذيري تعويضا عن حاله الحرمان قبل 2003 وسياده نظرة السعي لمعادله الانماط الاستهلاكية الخليجية والاوربية وباسرع وقت دون الارتباط المفترض بتطور القطاع الحقيقي وبشكل متدرج ومره ثانيه انه انعكاس للاقتصاد الريعي.
5 ــ الفلتان التجاري بشكل ربما لم يشهده اي اقتصاد اخر فمثلا حتى من الناحيه الاحصائية الصرفه تواجه عمليه وضع ضوابط اداريه كاجازه الاستيراد مقاومه عنيفه على كافه الاصعده، ناهيك عن رسوم الاستيراد المتساهله جدا.وغير المدروسه، معززه الاتجاه نحو الاستهلاك المفرط.وبغياب نشاط التصدير عدا النفط المستند الى تدهور القطاع الحقيقي، تعززت سياده نمط الاقتصاد الريعي.
6 ــ الفلتان المالي والنقدي لم يكن ذلك امرا مستحدثا بل ان الحكومة السابقة وانطلاقا من فهمها ان البلد كان ملكا صرفا لها لم تخضع الميزانية الى اي نقاش جدي وكانت المصروفات تتم حسب رغبة وتوصيات القائد المخطط بدون اعتبارات اقتصاديه سليمه ودون اي مجال للمناقشه. اما القطاع النقدي فاستند الى ترك قوى السوق لتحدد سعر الصرف. بعد 2003 ورغم اعتماد مناقشه الميزانيه واقرارها ضمن اطار البرلمان فقد استمر الصرف خارج اطار الميزانية وبمبالغ كبيره جدا انظر تصريحات الجلبي التي لم يجر نفيها ولم تتم على حد علمنا تقديم الحسابات الختاميه لسنوات طويله. استمر اقرار الميزانيات بعجز واضح دون التساؤل الجدي والبحث عن مصير الفوائض المدوره بمعنى ان الميزاينه تقر بعجز وفي النهايه يدعى وجود فائض والسؤال المهم لماذا انتهت بفائض واين ذهب هذا الفائض وما اثر ذلك على النشاط الاقتصادي… الخ. وفي المجال النقدي، ورغم السعي الدؤوب للبنك المركزي، فقد استمر تكاثر مكاتب ودكاكين الصرافه بدون اي رادع او ضابط وتكاثرت البنوك الخاصه الى حد مثير للتساؤل واستمر تمويل الاستيراد خارج الاطر المصرفيه وتعاظمت ظاهره هروب رأس المال وغيرها.
7 ــ قطاعات اخرى مرتبطه بالحاله الاقتصاديه تعاني من أزمه مستأصله نذكر مثلا بعجاله قطاع التربيه والتعليم العالي، البحث والتطوير، سلم القيم المجتمعيه، البنيه التحتيه، مشكله المياه، الاسكان….الخ.
اما على صعيد السياسه الاقتصاديه والتي يفترض ان تنطلق من ادراك الاختلالات ومن ثم السعي لمعالجتها فنلاحظ ان المدرك الاساسي، وربما الوحيد، هو نبذ الاقتصاد الموجه والتحول نحو الاقتصاد الحر، وفي ذلك اهمال واضح لحقيقه يعترف بها الجميع وهي تدهور الاقتصاد العراقي على مدى 3 عقود مما يستوجب العلاج.ونظر الى سياسات الانتقال الى الاقتصاد الحر كانها الرافعه الوحيده والمصححه لاي اختلال نستذكر هنا رؤى فريدمان النقديه متجاهلين علم اقتصاديات النمو.
كل التجارب الناجحه بعد الحرب العالميه الثانيه استندت الى امرين اساسيين تتفرع منها سياسات وبرامج. الاول هو بلوره رؤى عامه لما يريده المجتمع، اي مكان يريده تحت الشمس، هل يكتفي بدور التابع المتأثر ام يريد ان يكون مشاركا فعالا، هل يريد ان يصبح متعلما ممتلكا لناصيه العلم والتكنولوجيا ام يبقى في ظلمه الجهل، هل يريد ان يتحول الى مجتمع صناعي متطور ام يبقى مجتمعا زراعيا، هل يعتمد النمو المتوازن ام النمو غير المتوازن، هل يعتمد الدفعه القويه، هل يطور مصادر الطاقه البديله ام يبقى معتمدا على مصافي النفط، وغيرها الكثير. تشكل بمجملها رؤيا لما يجب ان يكون عليه المجتمع، البعض يسميها الشعور القومي او الوطني، او التحدي، او الشعور بالفخر، او استشراق المستقبل والتخطيط له، ان الرؤيا بكل بساطه هو مجموع كل تلك المفاهيم.
والامر الثاني هو دور الدوله، على عكس خرافه دعه يعمل، دعه يمر الكلاسيكيه والحياد المزعوم للدوله، لم تنشأ الرأسماليه الا في احضان الدوله الراعيه والموجهه والحاميه ولم ينشأ التراكم الرأسمالي الاولي الا بالفتوحات والاستعمار الذي قادته الدوله . وبعيدا عن هذا الترف الفكري التأريخي لم نشهد تجربه تنمويه حديثه الا برعايه الدوله ودورها الفعال سواء كان بالاستثمار المباشر و»او الموجه. واصبح من المعترف به في ادبيات صندوق النقد الدولي والكثير من المفكرين سيتغلز والمدرسه الكنزيه عموما ان للدوله دورا يكاد يكون حاسما لا في الاقتصادات الناميه بل في الاقتصاد العالمي ككل وبدونه يختل النظام الرأسمالي ويتعرض الى ازمات مدمره ومن المرجح بدونه ان تبقى الدوله الناميه على ركودها.
من الامثله البارزه على اثر هذين العاملين ودورها في نجاح التجارب التنمويه نشير الى اليابان، الصين، كوريا، ماليزيا، سنغافورا، الهند، البرازيل في انطلاقها الاخير بل حتى تجربه دبي.
عودة الى السياسة
الاقتصادية في العراق
نؤشر ابتداءا الى غياب الرؤيا الهاديه والموجهه وكما اشرنا فهمت الرؤيا بانه التحول الى اقتصاد السوق واهمل ما عداها واستنتج خطأ ان دور الدوله ينبغي ان يكون حياديا وتدخلها محدود في مجالات ضيقه. لم نحظ بفرص للجلوس مجتمعين لمناقشه رؤيانا لعراق المستقبل.
كان لذلك تبريرات من الممكن ان نفهمها في السنوات الاولى من حيث معالجع تراكمات الماضي وانهماك الدوله في محاربه آفه الارهاب والطائفيه وتعزيز السلم الوطني. الا ان ذلك لم يعد مفهوما وخصوصا بعد تضاؤل التهديدات الارهابيه وانحسار خطر الاحتراب الطائفي.
فهم قطاع الاعمال الامر بطريقته الخاصه واعتبرها فوضى خلاقه تنمي التراكم الرأسمالي الاولي اقرأ الاثراء السريع بغض النظر عن اي معيار اخلاقي وحقق نجاحات باهره، القليل منها ومحدود المدى ايضا يمثل جهدا خلاقا، اما غالبيته فناجمه عن التجاره المنفلته ناهيك عن الفساد.
اصبحت الدوله خادمه لرأس المال المغامر والمنفلت بدلا من ان تصبح خادمه لرأس المال الخلاق والمبدع المنمي للثروه الوطنيه والمعظمه للتوظيف.
انعكس ذلك في السياسه الماليه المركزه اساسا على النفقات التشغيليه وخصوصا التوظيف الحكومي، ومره اخرى كان لذلك مبررات مفهومه في اجتذاب العاطلين وانتشالهم من اغراء الارهاب والجريمه ولكن الى متى؟ لا تستطيع الدوله الاستمرار بالتوظيف فليس ذلك مطلوبا ولا ممكنا.
لم نشهد لحد الان، على قدر علمي، اي مشروع حقيقي معظم للثروه والتوظيف، بل ان القطاع الانتاجي المملوك من قبل الدوله قد عانى من اهمال متعمد ادى الى توقف عن العمل رغم ان تجهيزاته الرأسماليه بحاله جيده او من الممكن تأهيلها. لا توجد لحد الان خطه لما نريده من مشاريع هذه السنه ومانريده في السنه القادمه وهكذا بعباره اخرى لا نمتلك خططا خمسيه او عشريه بسبب غياب الرؤيا .
ورغم ان ميزانيات السنوات السابقه قد تضمنت عجزا تحفيزيا كما هو المفهوم الكينزي فان الاثر على الاقتصاد الحقيقي كان محدودا جدا لاسباب شتى ابرزها الفشل في تحقيق الانفاق المخطط، عدم مرونه القطاع الانتاجي لا بسبب عدم وجود طاقات فائضه بل بسبب عوامل خارجيه كالامن وعدم توفر الطاقه الكهربائيه وارتفاع الاجور المحليه وغيرها، وايضا بسبب الارتفاع الشديد في الميل الحدي للاستيراد المرتبط بارتفاع قيمه الدينار مقابل الدولار وهو ما يقودنا الى السياسه النقديه.
انطلاقا من الستراتيجيه العامه للدوله، تعني السياسه النقديه بتوفير المناخ الملائم لتحقيق الاهداف الاقتصاديه المتوخاه عبر الادوات النقديه المتعارف عليها. ولكي يؤدي البنك المركزي دوره المنشود بعيدا عن التقلبات والاهواء السياسيه الضيقه، تعارف على منحه استقلاليه عن الجهاز التنفيذي للدوله. وبذلك فان قطاع الاعمال يبني توقعاته وخططه وسلوكه استنادا الى سياسه نقديه معروفه ومستقره ويأمل ان المركزي قادر على معالجه الاختلالات الآنيه بطريقه يمكن التنبؤ بها وتضمن له العمل بفعاليه وكفاءه .
واجه المركزي منذ عام 2003 تحديات كبيره وخطيره تمثلت اساسا بمشكله الديون المتراكمه على العراق، العلاقه مع المؤسسات الدوليه، العلاقه مع البنوك العالميه، تنظيم وتطوير النظام المصرفي المحلي، ابدال العمله، السيطره على سعر الصرف، الاستجابه لمتطلبات السياسه الاقتصاديه الجديده والتحول الى الاقتصاد الحر.هذه المهام شكلت عبئا كبيرا على جهاز المركزي ولكن واجهها بشجاعه ونجح في الامتحان عموما رغم العثرات هنا او هناك.
شكل مزاد العمله حجر الزاويه في العمل على استقرار سعر صرف الدينار بل تطور بهدوء وباتجاه مستمر باتجاه تحسين سعر الدينار الى ان وصل الى السعر الحالي 1166 دينار»دولار وهذه السياسه اعتبرت احدى وسائل كبح القوى التضخميه.
لاقى مزاد العمله قبولا عاما خصوصا من قبل الموظفين اي اصحاب الدخل المحدود طالما ان القدره الشرائيه لرواتبهم ترتفع باستمرار وكذلك قبولا من قطاع الاعمال»المستوردين لاسباب واضحه، الا ان قطاع الانتاج تاثر سلبا بهذه السياسه حيث لم يعد قادرا على المنافسه مع البضائع المستورده التي يتمتع منتجيها بظروف انتاج افضل.
كذلك تأثرت الميزانيه العامه للدوله، اذ يتوجب على الدوله انفاق كميه اكبر من العمله الصعبه للحصول على نفس المقدار من الدينار العراقي وترافق ذلك مع ارتفاع النفقات التشغيليه بشكل متصاعد الامر الذي ادى الى استمرار التمويل بالعجز لا كسياسه مخططه ولكن نتيجه الامر الواقع مع الاشاره الى حجم العجز كان سيكون اكبر لو لم ترتفع اسعار النفط ويرتفع انتاجه.
رغم ان هذه السياسه تنسجم مع توصيات صندوق النقد الدولي الا ان الامر كان يبدو مرغوبا حكوميا لارضاء عامه الناس في ظل اوضاع سياسيه واجتماعيه ملتهبه.
الاستثمار
في القطاع الحقيقي
استمرار هذه السياسه عزز الاتجاهات الاستهلاكيه في المجتمع العراقي واحبط الاستثمار في القطاع الحقيقي وواجه الاقتصاد وضعا ركوديا حقيقا حيث لم يقدم القطاع الحكومي على اعاده تأهيل قطاعاته الانتاجيه ولم يقدم على استثمارات جديده متميزه نوعيا ولا بالحد الادنى وانكمش القطاع الانتاجي الخاص.
ترافق ذلك مع استمرار الفوضى في سوق الصرف، ونعني به اساسا البنوك الخاصه ومكاتب الصيرفه حيث تنتشر المئات من المكاتب غير المجازه التي لا تحتفظ باي سجلات ولا تخضع اي اي ضوابط او رقابه، الامر الذي ادى الى استمرار هجره رؤوس الاموال الى الخارج.
يبدو ان الفكره السائده وراء رفع قيمه الدينار هو الفائض في ميزان المدفوعات مدفوعا بارتفاع اسعار النفط دون النظر الى ان استبعاد قطاع النفط سيظهر عجز هائلا في الميزانين التجاري والمدفوعات وسيظهر الى اي حد يسشتري فيه الركود في القطاع الحقيقي.
نستطيع القول ان هذا الامر لم يعد مقبولا من زاويه التحليل الاقتصادي الكلي ويترك اثارا عميقه ومتصاعده على مدى زمني طويل. القطاع الانتاجي يجب ان يعاود نشاطه ولا يمكن ذلك في ضوء اسعار صرف الدينار المرتفع.
ان استمرار هذا الاتجاه سيزيد الضغط على احتياطيات المركزي وهي ضروريه وضمانه للاقتصاد ككل ولا شك ان المراهنه على استمرار زياده العوائد النفطيه تمثل تكريسا للطبيعه الريعيه للاقتصاد كما تزيد مخاطر الازمات في حاله ظهور اتجاهات جديده في اسواق الطاقه.
ولا شك ان ازدياد اندماج الاقتصاد العراقي بالاقتصاد العالمي يزيد من انكشافه ويجعله عرضه للمضاربات والازمات وما الازمه الحاليه الا مؤشر لما يمكن ان تفعله المضاربات الدوليه ونستذكر هنا المضاربات على الاسترليني التي قادها فرد جورج سوروس والمضاربات التي عصفت بالنمور الاسيويه.
تتضمن اهداف المركزي تحقيق الاستقرار في الاسعار المحليه، الحفاظ على نظام مالي ثابت و تعزيز التنميه واتاحه فرص العمل وتحقيق الرخاء ويبدو ان على المركزي تفعيل الشق الثاني من الاهداف ولعب دورا اكبر في توجيه النصح والارشاد للحكومه حيث ان هذا الشق مهما تماما.
نعتقد ان سعر الصرف الحالي مرتفع والدينار العراقي مقوم باكثر من قيمته الحقيقيه ولكن عكس الاتجاه سيواجه مقاومه ومعارضه شديدتين من قبل المواطنين والمستوردين ويمكن لذلك فهم الهجمه الشديده على البنك المركزي وكوادره اثر ارتفاع سعر الدولار في السوق ولا شك ان لذلك انعكاسات ومزايدات سياسيه.
ان الاقرار ابتداءا بهذه الحقيقه ينبغي ان يترجم الى سياسات تصحيحيه وايضا بحمله اعلاميه مركزه وواسعه لبيان الاثر المتوقع في تخفيض سعر الصرف على الانتاج المحلي وبالتالي التوظيف ويمكن بل ويجب ان يترافق مع سياسه ماليه وتجاريه داعمه للانتاج المحلي.
لا شك ان الجمهور، اذا لمس واقتنع بفوائد السياسه الجديده سيخفف من معارضته وبشكل خاص اذا اقتنع ان التخفيض سيؤثر ايجابيا على التوظيف. وابتداءا نعتقد بضروره تحديد سعر الصرف وسطي اعلى من السعر المعلن من قبل المركزي والدفاع عنه ومن ثم الاتجاه بصوره هادئه الى تعديل اكثر جذريه.
ان هذه المعالجه الانيه ومايصاحبها من تنظيم الاستيراد وسوق الصرف الاجنبي وغيرها لن تؤتي ثمارها على المدى الطويل بشكل جذري الا باقرار رؤيا وطنيه شامله للاقتصاد العراقي.
نستطيع ان نؤشر ان مشكله ركود الاقتصاد الحقيقي مدركه بوضوح من قبل ابرز باحثي البنك المركزي انظر الدراسات المنشوره على موقع البنك وان هناك مقاربات تحليليه رصينه ومعالجات مقترحه جديره بالدراسه. من المؤسف ان هذه المقاربات التحليليه لا تعبر عن راي المركزي او سياساته بل تعكس فقط وجهه نظر الباحثين.
ان نشر الدراسات على موقع المركزي يؤشر وجود قناعات داخليه بضروره الاصلاح ولكن عدم ترجمتها الى سياسات تطبيقيه يؤشر وجود ضغوطات اقوى من المركزي يحول دون ذلك.
نزعم ان وجهه النظر الغربيه ومؤسساتها مثل صندوق النقد الدولي بشكل خاص تنحو الى معالجه وتدوير الفوائض النقديه واعاده ضخها في الاقتصادات الاميركيه والاوربيه لمعالجه الازمات والاوضاع الركوديه لاقتصادات العالم الاول. فأي منطقه اقتصاديه او بلد ما ينجح في تكوين فائض اقتصادي يعني بالمقابل تزايد العجز التجاري في مكان اخر امريكا اساسا واوربا الغربيه عموما مما يستوجب العمل لامتصاص هذا الفائض عبر السياسات التجاريه و» او النقديه الماليه، او الحروب والنزاعات المحليه.
من هنا نستذكر تركيع التمور الاسيويه، الضغط المستمر والمتعاظم على الصين لرفع قيمه عملتها، اغراق اسواق الخليج بالسلاح والسلع الاستهلاكيه والترفيه، وحروب الشرق الاوسط المتعدده…الخ.
وطالما ان موارد العراق قد تعاظمت بعد 2003 وفي ظل غياب رؤيا سليمه للاصلاح الاقتصادي ــ الاجتماعي فأن واجب المؤسسات الدوليه هو فرض سياسات تجاريه ــ نقديه تعمل على اعاده توجيه هذا الفائض وامتصاصه ولا يقتصر ذلك على المدى القصير اي امتصاص الفائض الراهن بل السعي لتأصيل سياسات تجاريه ــ نقديه تعمل على امتصاص الفوائض النقديه المستقبليه عبر تعميق الطابع الريعي ــ الاستهلاكي للاقتصاد العراقي.
اقتصادي عراقي
/5/2012 Issue 4201 – Date 16 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4201 التاريخ 16»5»2012
AZP07