الأخوان المسلمون الصورة والظل

الأخوان المسلمون الصورة والظل
قرأت مقال الكاتب مصطفى يوسف اللداوي المعنون (الأخوان المسلمون وسنوات العذاب) المنشور في صحيفة الزمان بعددها المرقم / 4395 / الصادر في 8 كانون الأول 2013 واختطفتني دهشة كبيرة بسبب المبالغة اللامعقولة التي تحدث بها الكاتب عن صفات ومزايا الأخوان والأعتقالات والإعدامات التي تعرضوا لها ولكيله المديح الخارج عن المألوف لهم وتصويره اياهم وكأنهم ملائكة هبطوا من السماء لا يأتيهم الباطل من بين ايديهم ولا من خلفهم – لم يرتكبا خطأ ولم يخططوا لأغتيال أحد ولم يساهموا لا من قريب ولا من بعيد في صنع حالة الفوضى والتوتر والضعف التي تمر بها مصر العزيزة الان بسبب سياستهم التسلطية التي يحاولون من خلالها الاستحواذ على الدولة المصرية واقصاء الاخرين تحت دعاوى ديمقراطية زائفة للمحافظة كما يدعون على روح ثورة 25 يناير وتحقيق اهدافها وهم الذين لم يلتحقوا بالثورة الا بعد اكثر من اسبوع على اندلاع شرارتها وبعد ان تأكد لهم حتمية سقوط النظام الدكتاتوري … وفي معرض دفاعه المستميت عن جماعة الآخوان يصفهم الكاتب بانهم ( الاكثر فعلا وتأثيرا والأعمق أثرا والأصدق عملا. وانها الأقدر على الحكم والادارة والأكثر صدقا و أمانة والاكثر تنظيما وترتيبا . وان المنتسبين اليهم هم خيرة ابناء الأمة) وهكذا فان الكاتب لم يدع صفة من الصفات المحبوبة والمطلوبة الا والصقها بكل اخواني ذكرا او انثى وكأنهم فوق مستوى البشر . ولا ندري على أي منطق وأساس استند الكاتب ليقدم لنا هذه الأحكام القاطعة وكيفية توصله اليها . هل أجرى استبيانات حول ذلك في مصر و عدد من الاقطار العربية ؟ هل استطلع آراء المثقفين والمختصين وعلماء الأجتماع والسياسة؟ هل أقام حوارات ومقابلات مع نخبة او افراد من شرائح اجتماعية مختلفة مصرية و عربية ؟ وهل تقدم بأسئلة الى نماذج من السياسين والمثقفين والمواطنين فكانت النتيجة كا يدعي ؟ أم ان ذلك مجرد كلام القي على عواهنه دون تمحيص او تدقيق حبا من الكاتب بالاخوان دون مبالاة بما يلقاه ذلك الحب من معارضة او رفض ؟ ثم كيف حكم الكاتب على الاخوان بانهم الأقدر على الحكم والادارة وهم لم يستلموا السلطة سابقا لا في مصر ولا في غيرها ولم يصلوا الى الحكم في القاهرة الا قبل عدة اشهر لم نر منهم فيها الا انقساما في المجتمع وصراعا محتدما لا تعرف نتائجه . وما يجري في مصر العروبة الان ان دل على شيء فانما يدل بوضوح على عدم أهليتهم للحكم وعدم قدرتهم على التعاطي سياسيا مع خصومهم بما ينسجم مع مصلحة الوطن ويشير بوضوح اشد ان قدرتهم الحقيقية تكمن في تعصبهم وتعنتهم وفي تعاملهم مع الاخرين بعقلية الاقصاء والتهميش والرغبة الجامحة في الاستئثار بالسلطة والهيمنة على الحياة السياسية والثقافية والاجتماعية برمتها وهو ما لا يقبله المصريون الذين خرجوا بالملايين الى الساحات والميادين تعبيرا عن رفضهم لتسلط الاخوان ونهجهم الشمولي … ولأن حب الاخوان قد تغلغل في عقل وروح الكاتب فها هو يقول لنا وكأننا من سكان كوكب اخر انهم قد (غدوا في كل الساحات العربية هم الاغلبية بموجب صناديق الاقتراع وقوانين الديمقراطية التي كانت نتيجتها الواضحة والصريحة انها مع حركة الاخوان المسلمين ) …. السؤال هنا هو : من هي واين هي الساحات العربية التي غدا فيها الاخوان اغلبية بموجب صناديق الاقتراع ؟ ان الذي نعرفه ان الاخوان لم يخوضوا أية انتخابات في أية دولة عربية غير مصر والتي فاز فيها مرشحهم محمد مرسي باغلبية ضئيلة في ظل مناخ سياسي مشحون بالقلق فرض على القوى الثورية التي صنعت الثورة واطاحت بالنظام الدكتاتوري الفاسد ان تقف الى جانب المرشح الاخواني خوفا من فوز (احمد شفيق) واعادة انتاج النظام القمعي السابق.
لقد فاز الاخوان بمنصب الرئاسة المصرية بأصوات غيرهم بعد أن تعهدوا للقوى الثورية التي فجرت الثورة على لسان مرشحهم الرئاسي محمد مرسي بعدم أخونة الدولة والعمل مع كل الاحزاب السياسية لبناء دولة ديمقراطية مدنية حديثة . وهو ما تراجعوا عنه قولا وفعلا مما ادى الى غرق مصر في بحر احتقان سياسي لم تشهده من قبل . ان جماعة الاخوان لا أغلبية سياسية لها في أية دولة عربية باستثناء مصر وبالصورة التي ذكرناها والا فليذكر لنا الكاتب دولة عربية واحدة الان استطاع فيما الاخوان ان يفوزوا في انتخاباتها وتكون لهم الاغلبية فيها . ففي كل من الاردن والكويت لم يشاركوا في الانتخابات التي جرت مؤخرا .
وفي تونس يحكم حزب النهضة الاسلامي بالتحالف مع بعض القوى السياسية غير الاسلامية وهو ليس حزبا اخوانيا .
وفي السودان يتسلط على رقاب السودانيين نظام دكتاتوري اقصائي جاء الى السلطة قبل 26 عاما بانقلاب عسكري تحت لافتة (الجبهة القومية الاسلامية) التي انقلب عليها ووضع زعيمها حسن الترابي في السجن مرات عديدة . وفي ليبيا فشل الاخوان وغيرهم من حركات الاسلام السياسي في الانتخابات وحصدت القوى العلمانية رغم سيطرة الميليشيات الدموية على الشارع الليبي اكثرية اصوات الناخبين وشكلت الحكومة الراهنة . اما في سوريا فالاخوان موجودون ضمن ما يعرف بـ (الأتلاف السوري الموحد) ولا يتمتعون بالاغلبية فيه وهم مسؤولون مع غيرهم عن ما يجري في سوريا الان من تدمير وخراب وإراقة دماء السوريين الابرياء …. اما في بقية الاقطار العربية فيكاد يكون وجودهم معدوما . فهل بعد هذا يحق للكاتب الادعاء بان جماعة الأخوان تشكل الأغلبية في الساحات العربية بموجب صناديق الاقتراع ؟ والذي حز في نفسي كثيرا هو ادعاء الكاتب بأن (الأمة تبرهم اليوم وتعيد اليهم حقوقهم المستباحة وتعتذر لهم عن الظلم الذي وقع عليهم . ولا ينقلب عليهم الا متآمر على الامة متطاول عليها محتقر لارادتها مستهين بعقولها مستخف بوعيها مشكك في رشدها) . ان هذا مجرد كلام لا معنى له وفاقد للمصداقية والحقيقة وليس له أية صلة بالواقع . وان الصحيح هو ان الجماهير وكما يحدث الان في مصر لا ترغب بهم ولا ترضى بتسلطهم ولا بطروحاتهم الفكرية والسياسية ان من حق الكاتب ان يجاهر برأيه وهو حر فيما يؤمن به ولا نعترض على ذلك ابدا ولكن ليس من حقه ولا من حق أي كاتب اخر تشويه الحقائق والادعاء بما هو غير موجود كما انه ليس من حق أي حزب او حركة او جماعة او تيار او مجموعة او قوة الادعاء بتمثيل الامة و انها هي المتحدث باسم الامة وان من لا يرضى بذلك فهو متأمر يستهين بعقلها ويشكك في رشدها . ان هذا منطق أعرج ومرفوض تماما شرعا وقانونا وتجاوز خطير على عظمة ومنزلة ومكانة هذه الامة التي ليس بمقدور أية حركة او حزب او جماعة ان تكون ممثلة لها او ان تعبر عنها. كما انه تجاهل واضح لكل القوى والاحزاب القومية والاسلامية والوطنية التي تعمل الى جانب الاخوان وتتمتع بشعبية واسعة قد تتجاوز شعبية الاخوان وتتعداها . ان الأمة لا تعتذر لأحد مهما كان حجمه واسمه أو موقعه أو فضله ومهما كان حجم الضرر الذي وقع عليه من أي طرف من الأطراف السياسية المتصارعة على السلطة لأنها ببساطة غير مسؤولة بأي شكل من الأشكال عن الجرائم والتجاوزات التي ارتكبها أو يرتكبها المتصارعون على الحكم والذين اساءوا لها ( وفي مقدمتهم جماعة الأخوان ) واغتصبوا حقوقها وأهدروا دماء ابنائها و افقروها وأصبحت بسببهم لا حول ولا قوة لها تجلس على قارعة طريق المستقبل يحيط ويتشفى بها اللئام والطغام ومن هب ودب من قوى الاستكبار والطغيان والظلام . واذا كان لا بد من الاعتذار فلتعتذر كل الأحزاب والقوى والجماعات والتيارات بشتى اتجاهاتها الى امتها العظيمة لما الحقت بها من ويلات وهزائم وانتكاسات . وليعتذر ايضا بعضها من بعض على ما وقع بينهم من مصائب وما ارتكبه بعضهم بحق بعض من كوارث وافعال شنيعه مادية ومعنوية خلال السنوات الطويلة الماضية التي تركت جرحا غائرا في جبين امتهم العظيمة .. ثم قبل ذلك ليعتذر كاتب المقال عن قوله الذي كان يجب ان لا يقال ولا ان يكتب في مقال وينشر في صحيفة . أما بشأن الاعتقالات والاعدامات التي تعرض لها الاخوان والتي اكد فيها الكاتب ( سجن مئات الآلاف منهم واعدام المئات من قادتهم والمنتسبين اليهم ) وهو ما لم يحدث بهذه الصورة الدرامية الخارجة عن المألوف فسنتحدث عنه في مقال مقبل انشاء الله .
حسن عاتي الطائي – بغداد
AZPPPL