الأحـزاب الـمـجـازة في العراق بين 1946 و 1958 هي الاستقلال والوطني الديمقراطي والاتحاد الوطني والأحرار والشعب والإصلاح
النشاط السياسي العلني في خمسينات القرن الماضي لم يتجاوز المقالات المنددة بالاتفاقيَّات المجحفة بالسيادة العراقية
عرض مهدي شاكر العبيدي
اتخذتْ الأحزاب لها من يوم إجازتها والسَماح لها بمزاولة نشاطها، والتزَمَتْ جانب المعارضة وانتقاد تصرُّفات المسؤولينَ وأرباب الحكم وتشخيص سلبيَّاتهم دون الإيماء لبعض إيجابيَّاتهم وأعمالهم المبرورة ولو في بعض الأحيان، ممَّا حدا بالدارسة الفاضلة الدكتورة خالدة أبلال الجبوري لأن تدينَ وترتاب بحقيقة الدوافع التي تسوقهم لمواصلة مؤاخذاتهم وانتقاداتهم كونها تندرج في إطار الصراع من أجل السلطة ــ صفحة 262 ــ وأنـَّى لهم أنْ يقاربوها ويدنوا منها، والزمر المتشبِّثة بالمراتب والمناصب لا تكترث بما تـُستهدَف له كلَّ آن من إرجاف وتخرُّص يعدوان حدَّ ما يُعقل ويُقبَل من تعريةٍ وتنديدٍ، ولا تبالي أصلا ً بصنوف التحذير والتخويف بما يأتي من الأيَّام إنْ تمادى أولاء المستأثرونَ بالمراكز والمقامات الرفيعة في عتوِّهم وتجبُّرهم واستكبارهم على الملأ، وأمعنوا في إذلالهم واقتسارهم والإجحاف بمعايشهم وأقواتهم، إنـَّما ارتأى الساسة المتعاقبونَ ورثة التسلط العثماني على البلاد العربية والمقتفونَ سلائق طغامه المتعنتينَ في تدوير الأحكام، أنْ يكون تجويزهم وسماحهم بوجود هذه التشكيلات والهيئات من قبيل تجميل صورتهم وتزيين نمط حكمهم واضطلاعهم بتبعاته جميعها في عيون الناس، ومجاراة لما عمَّ الخافقينَ بعد الحرب الماضية من إزماع شعوب المعمورة على مِراس الديمقراطية التي ينعم البشر في ظلها بحريَّتهم ويجهرونَ بأقوالهم وخطرات عقولهم دون خشية ما أو تردُّدٍ، فلا غرو أنْ لمْ تلفِ الباحثة طوال سني تربُّعهم على الكراسي الوثيرة أو تجتل ِ بصيصا ً خافتا ً يشِي بحرصهم وتفانيهم في خدمة مجتمعهم، سوى ابتغائهم مصالحهم الشخصية وجني منافعهم وآرابهم في حال ٍ من غضِّهم الأعين عن التدخلات الأجنبية في شؤون البلد، وتوانيهم في استنفار الملايين لمعارضتها والوقوف بوجهها، ممَّا ساق متنازعيهم وأضدادهم ومنافسيهم على التحكم والانفراد بالسلطان، للتشكيك بنيَّاتهم وأهوائهم وأغراضهم من القِيام ببعض المشروعات والانجازات النافعة والخدمات الإنسانية، فيختلقونَ مزاعِمَ ودعاوى بشأن تبديد الثروات الوطنية والسَرَف في إنفاقها حتى تكتمل الأعمال المُنجَزَة، ويمضي الجمهور في التحقق والتثبُّت من نفعها وجدواها، أو خِلافها من هدر المال العام وتضييعه في سبيل كلِّ ما هو غير إنتاجي من الخدمات والأعمال، كما حصل بالنسبة لمشروعات مجلس الإعمار الذي تأسَّس منذ بداية خمسينيات القرن الفائت أو قبيلها بقليل، وَوُكِل إليه تنفيذ بعض الأعمال الخدمية في أنحاء البلاد كافة، فبرغم إهماله لشأن الصناعة واهتمامه بالزراعة بشكل لافت، قدَّم أثناء مدَّة عشر سنوات كانتْ ماجريات الأحوال فيها تؤذن بوشك انطوائها، عشرات المشاريع في مختلف النواحي، لعلَّ أهمَّها مشاريعه في السيطرة والخزن والطرق والجسور والمباني والموانِئ والكهرباء والصناعة والتعدين والزراعة والبيطرة والغابات والإسكان والسياحة والاصطياف والتعليم وصيانة الآثار ــ صفحة 267 ــ ممَّا يستدعِي أنْ نتدبَّر أهميَّة هذه المشاريع وخطورتها في إنعاش الحياة العراقية بحيث يغدو ما لهج به مباينوهم في نوازعهم ومقاصدهم من انتقادات ومغامز في المجلس النيابي، في عِدَاد المفتريات والتخرُّصات التي لا تصمد لأيِّ دحض ومحاججةٍ، من نحو ما وجَّهه الدكتور عبد الجبار الجومرد من نقدٍ لمسيرة مجلس الإعمار، عبَّر عنه بلهجةٍ مؤثرة وتشخيص حادٍ لإمعانه في تبذير أموال البلد دون مراعاة أوضاع شعبه الفقير وفرط احتياجه لها كي ينفقها في ما يعلي شأنه بين شعوب العالم التي نهضَتْ خِفافا ً صوب الرقي والحضارة وما هو للنهوض بمستطيع، مادام المتصرِّفونَ بحكمه يعنونَ بتوسيع سجن نقرة السلمان ، وترميمه ليصلح مأوى ومثوى لأهل الرأي والفكر، بعد تخصيص 28 ألف دينار لهذا الغرض، وهو مبلغ كبير في حساب العملات الدولية وقيمة الدينار العراقي الشرائية في ذلك الوقت.
الحركة بدلاً من الثورة
وكـذا انـبـرَتْ الأحـزاب الـعـراقـيـة الـمـجـازة مـتـمـثـلة فِـي الاستقلال ، و الوطني الديمقراطي ، و الاتحاد الوطني ، و الأحرار ، و الشعب ، و الإصلاح ؛ لمزاولة نشاطها علنا ً، وهو لا يتجاوز كتابة المذكرات والعرائض الاحتجاجية وتقديمها لذوي الشأن، ثمَّ تحبير المقالات والفصول الانتقادية الضافية من قبل بعض أعضائها البارزينَ والمنتمينَ إليها والمرتبطين بها فكرا ً وممارسة يومية، ممَّن يحسنونَ التعبير بوضوح وسلاسة مجانبة للتقعير والغموض عن وجهة نظرهم في ما تنوي السلطات إبرامه مع الدول الأجنبية من اتفاقيَّات ومحالفات يخالونها مجحفة بالسيادة الوطنية، وذلك في الصحيفة التي تصدر عنها وتنطق بلسانها إلى جانب عنايتها بشكاوى المواطنينَ وإبلاغها لمَن يهمُّه الأمر، علما ً أنَّ معظم هذه الأحزاب ما قام إلا على أساس الولاء لرؤسائه، وهذا مؤشِّر على ضعفها وموهونيَّتها بشكل ٍ عام، وحذتْ حذوها الأحزاب السريَّة جرَّاء تحفظ المتصدِّرينَ والرؤساء على أهدافها ومبادِئها، وحسبانهم أنـَّها تبغي المطالبة بالعسير الصعب وما لا يمكن تحقيقه من الرغائب والتطلعات، إلا في ظرفٍ أعقب حركة تموز 1958م، على حد تعبير الكاتب الموصلي الراحل عبد الغني الملاح في كتابه المأثور عن النشاط الديمقراطي في العراق، والمطبوع إبَّان سبعينيات القرن العشرين من قبل وزارة الإعلام، فقد رجَّح تسمية أيِّ حدث من شأنه تغيير مجرى الحياة الشعبية بالحركة بدلا ً من الثورة أو الانقلاب، إذ وجدها أكفل بالغرض وأدلَّ وأعفى للباحث المجتلي من أيِّ تحرُّج وتهيُّب من مؤاخذة ونقد يمليهما أشياع مسايرونَ وأنفار منحازونَ لواحد منهما، ويتطلبونَ مستقري حوادث التاريخ أنْ يؤثروا استخدام اللفظة المجانسة لمشربهم وهواهم ومنطقهم في رصدهم وتحليلهم، والجدير بالذكر أنَّ المؤلفة سجَّلتْ في كتابها هذا موضوع البحث للأستاذ الراحل عبد الغني الملاح بعض المواقف من قضية إضراب القصَّابينَ في الموصل خريف عام 1956م، مستطلعة إيَّاه معلوماته المتبقية في ذاكرته عنه.
تحالفات وجبهات
فقد تواتتْ الفرص للحزب الشيوعي فخبر النشاط شبه العلني في أوائل عام 1959م، وإنْ لم يحضَ بالإجازة الرسمية، مسوِّغا ً ذلك بذريعة أنَّ النضال في سبيل القضية الوطنية لا يقتضي بالضرورة استحصال إجازة وتفويض من جهة حكومية متنفذة، وكمضادده الألدِّ حزب البعث المسوِّغ للمخاطرات وانتهاج مختلف الوسائل للتطويح بالنظام القائم واعتلاء الحكم والنصول من تحالفاته الجبهوية، ولا ين ِ في اصطناع تشكيلات ضعيفة من الكرد وبنفس مسمَّيات الأحزاب الكردية المصطرعة مع أغلب الحكومات العراقية في غير عهد وفترة، ممَّا صار مألوفا ً لدى العراقيينَ، على نحو ما استفدته من اشتغالي مشرفا ً لغويا ً في جريدة العراق المحتجبة اليوم، حيث كانتْ تردني كتاباتٌ يمهرها منتسبو هذه التشكيلات وتزدان بتعابير شائقة من قبيل إنَّ شعبنا الكردي بقيادة حزبنا الديمقراطي الكردستاني يواصل نضاله المستميت إلى جانب الحزب الحليف حزب البعث ……. ، ولا يُنشَرُ مثل هذا الكلام المتنفج الفضفاض إلا بعد تشذيبه من ألفاظ الحليف، الشعب الكردي ، ويحلُّ مكانها الأكراد لا الكرد بطبيعة الحال، أمَّا الحليف فينطمس وينتفي تماما ً منه .
وللقارئ أنْ يجتلي بنفسه ما يشوب هذا الحال من استنكاف وترفع لعلمه أنَّ هذه المسمَّيات موهومة وبديلٌ مفتعلٌ ومفضوحٌ، وإنْ امتلكتْ تلك التشكيلات المصطنعة مقرَّات مجهَّزة بالأثاث الفاخر والأضابير والسجلات، وإلا فالحزب الواحد هو الأحرص على مصالح الجماهير، وهو وحده الواقف بوجه التحديات غير عادم مَن يُثنِي على ما تحقق من منجزات أيَّام حكمه الشمولي ، بينما مُنـِّيَ الاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية بالتفكك والانحلال والسقوط، لأنَّ نظاماتها تعاملتْ مع مواطنيها بالقسر والإذلال، كان ذلك عبر ندوة تلفزيونية شارك فيها نخبة من المعنيين بالشؤون العامة بينهم صحفيٌ مرموقٌ ووزيرٌ مُقال لتوِّه من الوزارة ومتفرِّغ للتنظيم الحزبي أو لمهمَّةٍ أخرى . ونزجي على سبيل التظرف أنـَّه غداة ابتلاء بلادنا بالاحتلال الأمريكي وما تلاه من تغير في نظامها، كان استبشار بعض الطارئينَ على العمل الصحفي فوق المعقول، وتفاؤلهم من السَرَف لدرجة لا تصَدَََّق ولا تقبَل، فقد تاقوا لتوطيد نظام الديمقراطية الشعبية في ربوعنا على أنْ نتفادى ما وقعَتْ فيه التجربة الاشتراكية من أخطاء في تطبيقاتها كما شهدته بلدان أوربا الشرقية، وبانَ منهم في الأيَّام الأوائل من هذا التغيير المزعوم الزهو والاغترار والتعالي وانتفاخ الأوداج، ممَّا يبعث على القرف والاشمئزاز، وما تحصَّل هذا لهم إلا لإسهام الحزب الشيوعي في تلك الوزارة برئاسة أياد علاوي وتحت وصاية السفير بول بريمر الحاكم المدني للعراق وقتذاك، وللإنصاف نملي أنَّ ممثل هذا الحزب قام بواجباته في وزارة الثقافة بنجاح وتميُّز، غير أنَّ عصارة ذاك كانتْ أنْ يخفق هذا الحزب في انتخابات مجلس النواب الأخيرة، واستوى في خيبته مع قائمتي السيدين أياد جمال الدين، ومثال الآلوسي؛ لِمَ؟
أنـَا لا أرْفــَعُ السِــتـَارَ فـَحـَاولْ
أنْ ترَى الوَضعَ مِن وَرَاءِ سِتار
قاسم مشترك
قد نكون سهوْنا عن تعداد الفئات الحزبية السريَّة الأخرى كالحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني الكردستاني الذي تأسَّس بدمشق عندما كان مام جلال الطالباني لاجئا ً فيها، فجماعة الأخوان المسلمينَ، وحزب التحرير، وحركة القوميين العرب؛ ممَّا أطنبَتْ المؤلفة الفاضلة في شرح أهداف كلِّ طرفٍ ومبادئه وغاياته من وراء انتظامه واصطفافه حزبيا ً، غير أنَّ ثمَّة قاسمٌ مشتركٌ تلتقي جميعها عنده، حتى الهيئات الصغيرة الأخيرة التي ليسَتْ لها قاعدة شعبية عريضة في المجتمع العراقي، ولم تشترك يوما ً بجموعها في التظاهرات الحاشدة في المُدن مطالبة بالحدِّ الأدنى من المطالب التي تصرُّ عليها ولا تتنازل عنها، كتأميم النفط، وإلغاء الإقطاع وتحرير العامل والفلاح من عبوديَّة مستغلي كدحهما وجهدهما بإيجاد الأعمال لهما، وإيلاء الزراعة الأهمية المطلوبة المتجلية في توفير البذور وكري الأنهار وبناء المستشفيات والمدارس والجامعات، وأخيرا ً ملاحقة المفسدينَ في الجهاز الحكومي وقطع دابر الرشوة وزيادة رواتب موظفي الدولة لحدٍ يقيهم ذلَّ العَوَز والحاجة .
ولو محَّصْنا هذه الأهداف والمقاصد المُسَطـَّرة في برامج الأحزاب العَلنيَّة وحتى المحظورة منها التي يتجافى المستمسكونَ بزمام السلطان عن قبولها وارتضائها بعد تفهُّمهم لموجباتها ودواعيها، لكانوا عند ذاك في غنيةٍ عن أخذ الآخرينَ بالشُبهات وبناء السجون المُسَوَّرة لينقذف وسط حجراتها المرعبة خيرة الشباب الناهض حتى تذوي زهرة حياتهم، قلتُ ليتنا أنعمنا النظر في بنود هذه القِيَم الزاكية الجليلة التي لا تنطوي إلا على محض الخير والعدل، ممَّا اكتنهته الدكتورة خالدة أبلال الجبوري في كتابها هذا القيِّم، هدفا ً نبيلا ً ومَطلبا ً إنسانيا ً من شأنه أنْ يرتفع بمعيشة السكان وينعش حياتهم، بينما أغفلته الحكومات المتوالية وأهملته منشغلة بتقوية الأجهزة الأمنية لمطاردة أرباب الفكر، ممَّا جعل هذه السوأة سمة لصيقة بساسة العهد الملكي المتخوفينَ من اجتياح قوات الاتحاد السوفيتي المحلول في السنوات المتأخِّرة وجوسها ربوعنا، وذلك صَدعا ً ونزولا ً على تخـويف الغـرب لهم.
وكذا ساد العراق شتى صنوف العسف والإرهاق طوال السنين الأخيرة من العهد الملكي مقترنة بما ليس إلى تصويره من سبيل، من خِلال الحطة والضعة والتردِّي والتناهي في الوشاية والتلفيق والاتهام بالباطل، إلى أنْ استفاق ذوو الشأن وتحسَّسوا تفريطهم بمعايش بني جلدتهم، واستجابوا لداعي الإصلاح، وانتووا تقديم شيءٍ يلجم الأفواه الساخطة لكن دون أنْ ينضوا عنهم قلقهم من الخطر الشيوعي، وذلك تمَّ بعد فوات الأوان، فقد وعَت الجماعات بما يجري في دول الجوار من وثبات وانتفاضات، وحذتْ حذوها لتبطش برؤسائها وأسيادها، وترتكس بعد وقتٍ قصير في جاحم ٍ من اصطراع قواها المحتربة حول لا شيء، سوى ادِّعائها أنـَّها وحدها هي الأنقى والأنزه، وهذا ما أحجمَتْ الدكتورة خالدة عن الخوض فيه وتقصِّي وقائعه وماجرياته ومآسيه .
والآن انقضى عهدُ هذه المهازل التي أظلتْ حياة العراقيينَ من كلِّ لون واتجاهٍ، وكفوا عن اعتراكهم واحتدامهم، وغنم بعض مدَّعي النضال والمحسوبينَ على الحياة الأدبية والمسايرينَ لكلِّ مرحلةٍ وزمن، وفازوا بالجدى واللبانات والمكرمات ، وأمَّا المتبجِّحونَ بثباتهم بوجه الطغيان، مهيبينَ بمَن تودي بهم ثوريَّتهم ــ المشحوذة بالقراءات الشعرية ــ إلى السجون، بأنْ لا يخوروا ويتهافتوا وينهاروا، فهم من المتنعمينَ بالأسفار وتجواب بلاد العالم، وطالما أنِس بهم الحاكم ليوحِي باحتفائه بالوجوه الأدبية .
وبقيَتْ أكثرية الوعاة من كلِّ صنفٍ وشُلة رهن التأسُّف والندامة جرَّاء التضحيات المهدورة والتفاني المبخوس، وجسامة المتاعب التي تسبَّبوا فيها لذويهم وذراريهم، فليس أمامهم غير أنْ يتعللوا عن كربة نفوسهم بقولة القاضي الحكيم الشاعر علي الشرقي
عُـدْنا وَعَادَتْ حَالنا الرَاكِدَة
يَسْألنا التاريخُ مَا الفائِدَة ؟
فقد صُدِموا بالغزو الأمريكي لوطننا، وريعوا بما اقترن به من انتهاكات ومظالم، دون أنْ يعدم مَن يسوِّغها ويغضي عنها مقابل تخليصنا من الديكتاتورية، هم الذين استنكروه وشجبوه ولمَّا يقترب من باب بغداد، وذلك من خلال مقيلاتهم في صحافة العشرين يوما ً، غير أنـَّهم تكيَّفوا وتعايشوا معه غداة استتمامه عملياته العسكرية، فطوَّعوا نفوسهم لتدابيره وإجراءاته كأمر واقع، وعادُوا في الآونة الأخيرة وبشيءٍ من الاستحياء، ينظرونَ له كضيف ثقيل آن له أنْ يغادرنا ويرحلَ عنا، بعد جنيهم ما أتيح لهم من المكرمات والامتيازات الهيِّنة الرخيصة اللائقة بحجومهم المحدودة، وفاتهم أنَّ كلَّ صنيعة يأتينا بها الأجنبي لا قيمة لها ولا وزن لأنـَّها دَينٌ مستحقٌ في ذمامنا وأعناقنا كما يقول الكاتب اللبناني الشهير الأستاذ رئيف خوري .
أراني انسَقتُ في خواطرَ وذكرياتٍ مريرةٍ هيَّجتها في نفسي وتهيَّأت لي من وراء تفرُّسي في محتويات كتاب التحليل التاريخي للبنية السياسية للأحزاب العراقية 1946 ــ 1958م ، لمؤلفته الدكتورة خالدة أبلال الجبوري، والصادر عن داري النايا ومحاكاة للدراسات والنشر والتوزيع بدمشق، في العام 2012م، والباحث في اهتمام رجال الأحزاب الوطنية العراقية ــ بنوعيها العلني والسري ــ وتقرِّي تواصلهم هم والاقتصاد الوطني بمرافقه وميادينه الثلاثة الصناعة والزراعة والتجارة، خلافا ً لاقتصار مَن سبقها إلى التأليف في هذا الجانب على العـمل السياسي، وربَّما تكون هذه الدَارسَة غير متولدة عهد ذاك وعلى بيِّنة من حوادثه وملابساته، إنـَّما استمدَّتْ معلوماتها عنها من مطالعاتها كتبا ً فرغ من تأليفها معاصروها وشهودها من الكـُتـَّاب، وتـُسجَّل هذه الملاحظة لصالحها، فقد تكشَّفتْ عن كاتبة متمرِّسة بآداب البحث وتواتى لها في صوغها لتخريجاتها واستقراءاتها من البيان الجزل الواضح والأسلوب المتين المشرق، ما يُستدَلُّ منه على قراءتها المتواصلة الجمَّة في الكتب والدوريات المعنية بتقصِّي ما حدث في تاريخ العراق القريب .
/4/2012 Issue 4170 – Date 10 Azzaman International Newspape
جريدة الزمان الدولية العدد 4170 التاريخ 10»4»2012
AZP07