اعتذار نتنياهو .. التكتيك والشرعية المفقودة – محمد علي الحيدري
في لحظة بدت شديدة الرمزية، قدّم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اعتذاراً لأمير قطر عن غارة إسرائيلية أصابت الدوحة. للوهلة الأولى، قد يُقرأ الحدث بوصفه اعترافاً بالخطأ أو تعبيراً عن رغبة في ترميم علاقة ضرورية، لكن القراءة الأعمق تطرح سؤالاً جوهرياً: هل الاعتذار في السياسة الدولية يكفي بحد ذاته، أم أن قيمته تقاس بقدر ما يعكس تحوّلاً في بنية السلوك السياسي للدولة المعتذرة؟
الاعتذار في العلاقات بين الدول ليس شكلاً من أشكال التهذيب الدبلوماسي، بل هو فعل سياسي بامتياز. إنه إعلان ضمني بوجود خطأ، وتالياً اعتراف بأن ثمة خطوطاً حمراء تم تجاوزها. لكنه في الوقت نفسه قد يكون أداة وظيفية تُستخدم في لحظة ضيق لتجاوز أزمة محددة، من دون أن يترتب عليه أي التزام بتغيير جوهري في السياسات. وهنا يكمن جوهر التساؤل: هل نتنياهو اعتذر لأنه أدرك خطورة الفعل وما يحمله من انتهاك لسيادة دولة، أم لأنه بحاجة إلى الوسيط القطري في مفاوضات غزة؟
قطر، بما تملكه من قنوات فاعلة مع حماس، ليست مجرد دولة في هامش المشهد، بل هي عقدة مركزية في خيوط التفاوض المعقّد. من دونها، يصعب تمرير أي صيغة اتفاقية قابلة للحياة. وبهذا المعنى، يبدو اعتذار نتنياهو أشبه ببطاقة عبور لإبقاء الوسيط في موقعه، أكثر من كونه مراجعة نقدية لسياسة التوسع والاعتداء. إنه اعتذار الضرورة لا اعتذار القناعة.
لكن المسألة لا تقف عند حدود اللحظة التكتيكية. فجوهر الاعتذار السياسي هو في ما يكشفه من علاقة بين القوة والشرعية. القوة قد تسمح لدولة ما بفرض وقائع على الأرض، لكنها لا تنتج شرعية مستدامة. الشرعية تبنى على الاعتراف المتبادل، على احترام السيادة، وعلى الالتزام بقواعد النظام الدولي. فإذا جاء الاعتذار خطوة يتيمة من دون أن يصاحبه تحوّل في السلوك الإسرائيلي العام، فإنه سيتحول إلى مجرد تفصيل عابر في مشهد صراع طويل، ولن يمنح إسرائيل ما تبحث عنه من شرعية.
من هنا، لا تكفي الكلمات لتصحيح ميزان مختلّ. المطلوب هو التغيير في نمط التعامل مع الآخر، في إدراك أن الوساطة القطرية ليست ورقة للمساومة، بل جزء من منظومة إقليمية ترفض أن تُختزل في دور مؤقت. وفي النهاية، سيبقى الاعتذار اختباراً لمصداقية إسرائيل، أكثر منه مجرد حدث دبلوماسي عابر.