اضطرابات ليبيا ـ ماري لويز جوموشيان
لن يحسم مصير سيف الاسلام القذافي أبرز السجناء في ليبيا الا في بلدة الزنتان الصغيرة الجبلية حيث يتحفظ عليه محتجزوه منذ نحو عامين.. هذا من وجهة نظرهم. كان سيف الاسلام هو الغنيمة لمقاتلي المعارضة السابقين الذين نجحوا في الامساك به أثناء محاولته الفرار من البلاد ويجري احتجازه في مكان سري في مكان ما وسط المساكن الحجرية والخرسانية بمدينة الزنتان.
ولا تزال الحكومة في طرابلس بل حتى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي التي تريد محاكمته غير قادرتين على الاتصال بسيف الاسلام. ويقول المحتجزون الذين لا يثقون بالحكومة ان اي محاكمة يجب أن تكون في الزنتان. ويقولون أيضا انه اذا لم يعقد زعماء البلاد محاكمة قريبا بسبب الجرائم التي ارتكبت قبل انتفاضة 2011 وخلالها والتي أطاحت بمعمر القذافي فسيحاكمونه بأنفسهم. وقال العجمي علي احمد العتيري الذي ارشد الدورية الامنية التي كانت تبحث عن سيف الاسلام في الصحراء اذا لم تكن هناك محاكمة فسوف يقدمه الشعب الليبي للعدالة . وأضاف سنمهل الحكومة الليبية الفرصة للمحاكمة. اذا عطلوها بصراحة سنقول إننا كثوار ليبيين سنجعله يمثل أمام محكمة ثورية. ستكون محاكمة علنية وعادلة . ويبرز هذا الاعلان مدى محدودية سلطة الحكومة المركزية على المقاتلين الذين أطاحوا بالقذافي ويعتقدون أن من حقهم الآن أن يكونوا الطرف المستفيد حقا من انتفاضة 2011.
قامت الزنتان بدور كبير في حرب 2011. فقبل عامين هبط المقاتلون من الهضبة وكسروا الأنظمة الدفاعية للقذافي بامتداد الساحل وقادوا الهجوم على طرابلس. وما زالوا الى اليوم منظمين فيما بدأت الادارة المركزية تفقد سيطرتها على البلاد في ظل اغتيالات واستهداف مواقع وطنية وغربية وهروب جماعي من السجون. وهناك بالفعل نزاع قانوني بين طرابلس ولاهاي التي تطلب تسلم سيف الاسلام لارتكاب جرائم حرب. لكن النزاع الحقيقي يدور في الداخل حيث حاولت الحكومة دون جدوى نقله الى سجن أقيم خصيصا له في العاصمة. وستكون محاكمته المقبلة أيا كان وقتها ومكانها دليلا على الجهة التي تمتلك السلطة الحقيقية.. فهل هم المقاتلون الذين حاربوا قوات القذافي أم الساسة في طرابلس الذين يواجهون استياء شعبيا متزايدا. وقالت حنان صلاح الباحثة في شؤون ليبيا من هيومن رايتس ووتش الكرة الآن في ملعب الحكومة والحكومة هشة جدا.. ربما تكون بصدد أكثر المراحل هشاشة على الاطلاق في الفترة الانتقالية . وتابعت هذه هي الحالة مع كل محتجز بارز لكن فكروا في عدد كبير جدا من المحتجزين الآخرين الذين تحتجزهم مليشيات أخرى سواء كانت حاصلة على قدر من الشرعية ام لا. هذا يظهر موقع البلاد في هذه المرحلة من العملية الانتقالية . اعتقل مقاتلو الزنتان سيف الاسلام في الصحراء بجنوب البلاد بعد شهر من اعتقال والده حيا ثم قتله ووضعه في براد للحوم. تم نقل سيف الاسلام الى الزنتان ويقول كثيرون انه تم التعامل معه منذ ذلك الحين بوصفه الجائزة الكبرى للمدينة وورقة التفاوض للمساومة على كسب المزيد من النفوذ والسلطة. كان معي مصور فوتوغرافي وتلفزيوني وكنت المراسلة الوحيدة على الطائرة التي أعادته الى الزنتان عام 2011. سيف الاسلام الذي كان يرتدي حينئذ ملابس بدوية يبدو عليه الشرود وكان يتجاذب أطراف الحديث من حين لآخر مع محتجزيه. كانت هناك ضمادة على يده اليمنى وثلاثة أصابع مفقودة. قال ان هذه الأصابع بترت خلال معركة. لكن الكثير من الليبيين يفترضون أن محتجزيه قطعوا أصابعه الثلاثة بما في ذلك السبابة التي كانت دائما يلوح بها أمام الكاميرا في خطاب كان ينقله التلفزيون في مستهل الانتفاضة عندما هدد المعارضة ببحور من الدم.
مثل سيف الاسلام 41 عاما بالفعل امام المحكمة في الزنتان في اتهامات أخرى تتعلق بتقديم معلومات تهدد الأمن القومي الى محامية استرالية من المحكمة الجنائية الدولية في العام الماضي. احتجزت ميليندا تيلور التي عينتها المحكمة الجنائية الدولية لتكون محامية الدفاع لسيف الاسلام في الزنتان ثلاثة أسابيع بعد مقابلتها اياه وقالت ان احتجازها أثبت أنه لا يمكن أن يحصل على محاكمة عادلة. بالنسبة لليبيين الذين ظل الغضب يعتمل بداخلهم لسنوات فان سيف الاسلام ومدير المخابرات السابق عبد الله السنوسي هما أهم الوجوه في حكومة القذافي التي يمكن محاسبتها على عهد القذافي طيلة 42 عاما. ويقول أهل الزنتان انهم يؤدون واجبهم الوطني من خلال حماية سيف الاسلام من أي أذى. وقال العتيري ليس هناك سبب يدعو الى نقله لطرابلس. الزنتان بلدة ليبية ولابد أن يكون هناك مكان آمن للمحاكمة. لدينا قضاة أكفاء . وأضاف سنطلب من الليبيين الذين ربما كانت لديهم مشكلات مع سيف أو أي اتهامات وكذلك أي شخص يريد الدفاع عن سيف أن يتوجه للمحكمة. اذا وجدناه مذنبا فسوف يعاقب.. واذا وجدناه بريئا فسوف يختار الحياة التي يريدها .
في يونيو حزيران قال مكتب النائب العام ان محاكمة كبرى لسيف الاسلام والسنوسي وغيره من مسؤولي القذافي ستعقد في النصف الأول من أغسطس آب. وليس من الواضح ما اذا كانت المحاكمة ستعقد حقا قريبا أو ما هو مكانها. ويقول صلاح مرغني وزير العدل الذي اقتحمت مجموعات مسلحة غاضبة مكتبه انه لا مجال لمحاكمات ميكي ماوس . وقال مرغني لرويترز انه سيحاكم في المكان الذي توجد به المحكمة وان أغلب المتهمين موجودون في طرابلس لذلك فربما تكون المحاكمة في طرابلس أو أي مكان آخر. وأضاف أن المحاكمات ستكون عادلة. وقضت محكمة يوم الأربعاء في مصراتة وهي من المدن الأخرى التي كان لها دور بارز في الانتفاضة على وزير تعليم سابق من عهد القذافي باعدامه لتحريضه على العنف خلال الانتفاضة وهو اول حكم يصدر. ويجب أن تصدق المحكمة العليا على الحكم قبل تنفيذ الاعدام. ويساور نشطاء حقوق الانسان القلق لان ضعف الحكومة المركزية وغياب سيادة القانون تعني أن المحاكمات لن ترقى الى المعايير الدولية. وما زالت الحكومة تحاول السيطرة على سجون ظل آلاف المحتجزين بداخلها طوال عامين بدون محاكمة. والتحقيقات بطيئة ووكلاء النيابة عددهم محدود للغاية كما ان عدد محامي الدفاع الراغبين في تولي مثل هذه القضايا أقل. وكثيرا ما تطبق جماعات مسلحة لا تثق في نظام العدالة الذي ترى انه من مخلفات حكم القذافي عدالتها الخاصة وتحتجز السجناء في أماكن بعيدة عن اعين الدولة. وقالت مجموعة الازمات الدولية في ابريل نيسان نفاد الصبر تجاه خطى العدالة والريبة العامة تقوي من شوكة الجماعات المسلحة… نشاطهم المتزايد يقوض قدرة الدولة على العمل بما في ذلك في القضايا المتعلقة بالامن والنظام وهذا بالتالي يعطي مبررا لزعم الجماعات المسلحة أن من واجبها ملء هذا الفراغ . وسيف الاسلام الذي كان ينظر له على أنه شخصية صديقة لرجال الأعمال في ليبيا في السنوات التي حقق فيها والده تقاربا مع قوى غربية ليس السجين الوحيد الموجود في الزنتان. فقد تم تحويل مكتبة مدرسية سابقة الى سجن حيث يجري احتجاز قادة بالجيش ومسؤولين من عهد القذافي. وقال العتيري كل سجناء الزنتان لديهم غرف مزودة بأجهزة مكيفة.. لديهم تلفزيون.. يخرجون في الشمس.. لديهم وقت للقراءة.. يحضرون محاضرات دينية مضيفا ان الطابع الديني هو السمة الغالبة على السجن. وأضاف أن سيف الاسلام مثله مثل السجناء الآخرين . وحالته الصحية على ما يرام كما تجرى له فحوص طبية شهرية. ومضى يقول انه يتكلم.. تربطه علاقات جيدة بالحرس . وعندما سئل العتيري عما اذا كان سيف الاسلام وحده لم يجب مضيفا المسألة الأساسية أنه موجود في السجن . ويشكو السكان من أن البلدة ــ التي يسكنها 35 ألف نسمة وتتكون من منازل متواضعة من طابق واحد وتوضع فيها سلال القمامة في منتصف الطرق وتستخدم لتقليل السرعة ــ يتم تجاهلها. وقال محمد علي الوكواك رئيس المجلس المحلي للزنتان انه بعد عامين لم يتحقق شيء وهناك نقص في مياه الشرب مع تدني الاتصالات والمباني متهالكة وان الشيء الوحيد المتوفر لهم هو الأمن. مضيفا ان الحكومة تعد بالكثير لكنها لم تنفذ شيئا. وقال انهم يريدون أن يمهلوا الحكومة وقتا لكن الوضع خطير للغاية. وأضاف أنه اذا كانت الحكومة جادة بشأن محاكمة سيف الاسلام في الزنتان فيجب أن تقيم محكمة ملائمة هناك.
AZP07