اشتهي الآن – لؤي الشقاقي

اشتهي الآن – لؤي الشقاقي

كنتُ اُراقبهُ حتى سقط على الكرسي مغشياً عليه ، فهرعت محاولا ايقاظه ، نثثت الماء على وجهه فاستعاد وعيه وقلت له

– مابك ؟ لماذا توصل نفسك لهذة الحالة ؟!

فابتسم ابتسامة ساخرة وقال

– اريد ان انسى

– مالذي تريد نسيانه ؟

– اريد ان انسى كل مافات ، واتذكر نفسي فقط قبل اربعين سنة

– كم اشتهي الان ان اراك كما كنت قبل اربعين سنة

– تعرفين مايشتهيهِ رَجُلٌ حالِمٌ ، في العقد السادس من العُمْر

– مالذي يشتهيه ؟؟

– أشتهي الآن سندويتش “فلافل” من “أبو سمير” في شارع سينما الخيام ، اكاد اشم رائحتها ، وأن احضر فيِلما هِندياٌّ بالأبيض والأسود في سينما “الوطني” ، او فيلما لحسناء النهار “كاترين دينوف” ، في سينما غرناطة ، او فِيلم لـ “كريكوري بيك و صوفيا لورين” .

ثم احتسي “بُطُلْ بيرة فريدة” باردٌ جداً في بار “بردايس” .

صحن مقبلات شعبي مكون من خَسّ وفِجْلٌ أبيضٌ وبَصَلٌ أخضَرٌ  و رارنج وكاس لبن “روبة” ورغيف خبزٍ ساخن ومُحمص ، واجلس على مفرش وسط حقول “أبو دَلَف والعزران” على شواطيء دجلة .

او كاسَة مخلل “طُرشي حنانش” الشهير وسمَكَة بحجم اليد ، يصطادها “العم حميد ” بعد طول الصبر ، ويشويها لنا ، كأنّهُ نسخةٌ عراقيّةٌ من “الشيخُ والبحر” ، مع رقيه بوزن اربعة كيلوغرامات مدفونة في جرف النهر حتى تصير مثلجة ومُسكرة .

أشتهي الآن .. سماع فريد الأطرش يُغني “الربيع” .

او أربعة اسياخ لحم مفروم “إشياش كباب” من “عَرَبانَةٍ” في الباب الشرقي ، بعد منتصف الليل ، تفوحُ منها رائحة “الِليّة” .

أشتهي الآن ..

أن تصومَ الناسُ وتُصَلّي ، حَقّاً ، بينما شارع “أبو نؤاس” لايزال مُكْتَظٌّ بروادِهِ إلى مَطْلَعِ الفَجْرِ .

أشتهي الآن ..

ان تذرع النسوة شارع النهر ذهابا وايابا ، وهم يلبسون العباءات والميني جوب ، وان يحجوا الى بارك السعدون

أشتهي ان نعود كما كنا أنقياء

أشتهي ان انسى ماجرى خلال الاربعين عاما ، وان يعود الزمن الى تلك الايام ، ويتوقف هناك .

– أ تعرف ما اشتهي الان ؟

– لا .. قولي ما تشتهين

– أنْ أراكم ، كما كُنتم قبلَ أربعينَ عاماً ، وأبكي .. اشتهي ان اعود الى الوراء وانسى كل هذا الدمار الذي حل بوطني .

مشاركة