
إيران بين كارثة الإشعاع النووي و تبرير نقل العاصمة – علاء العاني
لا شيء يثير التساؤلات في إيران اليوم أكثر من الحديث المتصاعد عن نقل العاصمة طهران إلى مكان آخر. وبينما تحاول الحكومة تمرير فكرة الانتقال تحت ذرائع “شُحّة المياه” و”تدهور البنى التحتية” و”المخاوف الزلزالية”، يرى المراقبون أن خلف هذا القرار ما هو أبعد من الخطابات الحكومية وأعمق من الهواجس العمرانية. فالمشهد الإيراني يشهد منذ شهور تصاعدًا غير مسبوق في الغضب الشعبي و الشقاق الداخلي و تآكل هيبة الدولة الدينية التي تحكم البلاد منذ أكثر من أربعة عقود.
غضب شعبي
لم يعد الاستياء الشعبي في إيران مجرد انطباعات أو حديث إعلامي. فقد كشف استطلاع (مركز إيسبا )لأبحاث الرأي العام — الذي أجرِي في الأسبوع الأول من الشهر الجاري نوفمبر 2025 بتكليف من رئاسة الجمهورية — أن نسبة السخط الشعبي من الأوضاع العامة بلغت 92%، في أعلى نسبة استياء منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية. وهذه النتيجة الصادمة تعكس أزمة بنيوية تتجاوز الاقتصاد والبطالة والفساد، لتصل إلى فقدان الثقة بالدولة والقيادة والنظام الحاكم برمّته.
ولفهم هذه النقمة، يكفي التذكير بأن إيران عبر تاريخ طويل اعتادت الانفتاح والتقدم والارتباط الثقافي والعلمي بالغرب، قبل أن تُحكم بقيادة ترى في المعرفة تهديدًا وفي التطور خصومة، وفي المجتمع مجرد كتلة يجب تطويعها لا تمكينها.
نقل العاصمة… هروب إلى الأمام
تأتي فكرة نقل العاصمة — التي ظهرت فجأة دون مقدمات واقعية — في توقيت لا يمكن عزله عن سلسلة الضربات التي تعرضت لها المنشآت النووية و القصف الذي طال مواقع في طهران نفسها. وهنا يبرز السؤال المنطقي:
– هل تعرضت طهران لتلوث إشعاعي جزئي غير معلن؟
– هل أصابت الضربات مراكز بحوث نووية تعمل داخل أو قرب العاصمة؟
– هل تخشى القيادة من انفجار اجتماعي يتزامن مع احتمال انتشار التلوث الإشعاعي؟
– وهل الهدف من نقل مراكز الحكم هو حماية القيادات والنظام لا حماية الشعب؟
أسئلة مشروعة، خصوصًا أن أزمة المياه والبنى التحتية ليست جديدة، ولا تفسر وحدها هذه العجلة في الحديث عن “ترك العاصمة التاريخية” التي امتازت منذ منتصف القرن الماضي بالتخطيط الحضري المتقدم والبنى الاقتصادية والحركة السكانية.
لمحة من التاريخ تجعل الكذبة أكثر وضوحًاطهران الحالية ليست مدينة طارئة.
فقد بنيت عام 22 هجري / 643 ميلادي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب، وأكمل بناءها عام 147 هجري / 764 ميلادي الأمير العباسي محمد المهدي باسم “المدينة المحمدية” قبل أن يحولها الاحتلال المغولي إلى اسم طهران عام 1257 ميلادي، ثم أصبحت عاصمة الدولة الإيرانية عام 1796 لأسباب سياسية وجغرافية واقتصادية راسخة.
وبالتالي، فالحديث عن “فشل طهران” و”ضرورة الهروب منها” يبدو أشبه بـ غطاء إعلامي لفشل سياسي وأمني وعلمي، لا مشروع تطوير حضري.
الكذب الإيراني العابر للحدود
لا تتوقف سياسة تصدير الأزمات عند الداخل الإيراني، بل تمتد إلى دول الجوار. ففي الوقت الذي تتحدث فيه طهران عن “شُحّة المياه”.
تواصل — منذ سنوات — قطع أكثر من 42 نهرًا عن العراق وفقًا لتصريح وزارة الخارجية العراقية في آب 2018. وفي 17/7/2021 أكد وزير الموارد المائية العراقي مهدي رشيد الحمداني استمرار إيران بقطع المياه عن أنهر الكارون، الوند، سيروان، الكرخة، الطيب، والزاب الصغير وغيرها.
كيف يمكن لإيران أن تدّعي العطش في الداخل بينما تغلق أنهارًا مشتركة عن بلد يُفترض أنه شريك استراتيجي وسياسي وعقائدي؟
إنها سياسة واحدة: افتعال روايات مزيّفة لتبرير قرارات غير شعبية، وتصدير الأزمــــــات بــــدل الاعتراف بها.
إيران اليوم أمام مفترق طرق خطير:
إما مواجهة الحقيقة والاعتراف بأن البرنامج النووي الذي رُفع شعارًا للهيبة والسيادة بات مصدرًا للخطر الداخلي والانهيار الشعبي،أو الاستمرار في الهروب إلى الأمام عبر الكذب والتبرير والنقل الجغرافي للأزمة بدل معالجتها.
إن نقل العاصمة — إن حدث — لن يلغي الغضب الشعبي، ولن يوقف الانهيار الداخلي، ولن يحجب الإشعاع النووي إن كان موجودًا. فالأوطان لا تُنقذ بتغيير المساحة، بل بتغيير العقل الذي يديرها.


















