إيران بين أوباما ونتنياهو

إيران بين أوباما ونتنياهو
واشنطن ــ القدس
مات سبيتالنيك ودان وليامز
بعد ستة أشهر على زيارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لاسرائيل لتخفيف التوتر في علاقته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يواجه الاثنان الآن أكبر اختبار لقدرتهما على العمل معا خاصة وأن المخاطر هذه المرة أعلى من أي وقت مضى.
فالحملة الدبلوماسية التي بدأها الرئيس الايراني الجديد حسن روحاني أحدثت فجوة بين البيت الأبيض وحكومة نتنياهو دون سابق انذار. وقد يكون لطريقة تعاملهما مع الملف الايراني تداعيات واسعة على ارثهما السياسي واستقرار منطقة الشرق الأوسط في المستقبل.
ويأتي اجتماع الزعيمين الأمريكي والاسرائيلي في البيت الأبيض اليوم الاثنين بعد ثلاثة أيام من اتصال هاتفي تاريخي بين أوباما وروحاني الذي كان أرفع اتصال بين البلدين في ثلاثة عقود. وربما يصبح هذا الاجتماع أهم لقاء يجمع بين أوباما ونتنياهو.
صحيح أن أوباما ونتنياهو سيحاولان تفادي تكرار أي صدامات سابقة في وقت يسعيان فيه لتوحيد صفوفهما. ولكن خلف الأبواب المغلقة ربما يتعذر عليهما تجاوز خلافاتهما بخصوص ايران.
وسيحاول نتنياهو الذي يزعجه أي تقارب بين الولايات المتحدة وايران وتساوره شكوك بالغة تجاه روحاني اقناع أوباما باتخاذ خطوات محددة ووضع أطر زمنية صارمة لمنع طهران من استغلال المحادثات في كسب الوقت وهي تمضي قدما نحو تصنيع سلاح نووي. وقال نتنياهو في مطار تل أبيب قبل توجهه الى واشنطن مساء السبت سأقول الحقيقة. فالحقائق يجب أن تعلن في مواجهة الكلام المعسول وسيل الابتسامات .
أما أوباما فسيضغط على نتنياهو للانتظار بعض الوقت لحين التحقق من نوايا روحاني بينما سيسعى الى طمأنة اسرائيل بأنه لن يخفف العقوبات قبل الأوان. ورغم ذلك قال مصدر مقرب من البيت الأبيض ان من المرجح أن يقاوم الرئيس الأمريكي الضغط الاسرائيلي لتحديد سقف زمني للتوصل الى اتفاق عبر المساعي الدبلوماسية مع ايران.
وقال مسؤول أمريكي سابق يود المسؤولون الأمريكيون والاسرائيليون أن يقولوا انه ليس هناك خلاف بينهم بخصوص ايران… ولكن روحاني أحدث فجوة بكلماته وحدها .
ولعل ما يزداد أهمية هو مسألة القيام بعمل عسكري ضد ايران في حال أخفقت الجهود الدبلوماسية في منعها من المضي قدما فيما تشتبه اسرائيل والغرب أنه مسعى لصنع أسلحة نووية. وتنفي ايران سعيها لامتلاك قنبلة نووية.
ويتشكك بعض المسؤولين الاسرائيليين في مدى استعداد أوباما لمهاجمة ايران بعد تراجعه في وقت سابق هذا الشهر عن تهديد بضرب سوريا للاشتباه في استخدامها أسلحة كيمياوية.
وقال اليوت أبرامز الذي عمل مستشارا مختصا بشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ويعمل حاليا في مركز أبحاث مجلس العلاقات الخارجية الأمر كله يشير الى أنه من وجهة نظر الرئيس ليست جميع الخيارات مطروحة مع ايران .
ومما يزيد الأمور تعقيدا تجديد أوباما مسعاه لابرام اتفاق سلام بين اسرائيل والفلسطينيين في محادثات استؤنفت في وقت سابق هذا الشهر. ومن المتوقع أن تبرز المساعي الدبلوماسية في الشرق الأوسط خلال اجتماع اليوم الاثنين بشكل أكبر من المتوقع بعد أن أعطاها أوباما الأولوية بجانب الملف الايراني في خطابه أمام الأمم المتحدة يوم الثلاثاء. لكن نتنياهو لا يبدو مستعدا لأن يسلك نهجا تصالحيا. ولمح مسؤول اسرائيلي الى أن أوباما يدعم القضية الفلسطينية للابقاء على العالم العربي السني في صفه في حين يمد جسور التواصل مع ايران الشيعية. ولدى أوباما ونتنياهو سجل حافل باللقاءات الصعبة ومن بينها مشكلة شهيرة حدثت في البيت الأبيض حين أعطى نتنياهو الرئيس الأمريكي درسا في التاريخ اليهودي. وفي وقت لاحق لم يخف نتنياهو اعجابه بالجمهوري ميت رومني الذي خسر أمام أوباما في انتخابات الرئاسة التي أجريت العام الماضي.
وقام أوباما بأول زيارة لاسرائيل بعد توليه منصبه في فترة رئاسته الثانية في مارس آذار لاستعادة دفء علاقته بنتنياهو ولجأ الى بعض المجاملات القديمة لتجاوز خلافاتهما. ووصف الصحفي الأمريكي جيفري جولدبرج الخبير في شؤون الشرق الأوسط هذا الأسلوب بأنه عملية مداهنة الصحراء .
وربما لم يكسب أوباما قلوب عامة الاسرائيليين مثلما كسبها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في تسعينات القرن الماضي ولكن يبدو أنه قلل كثيرا من شكوكهم تجاهه والتي يرجع تاريخها الى عام 2009 عندما ألقى كلمة للعالم الاسلامي من القاهرة.
وقال آرون ديفيد ميلر المستشار السابق في وزارة الخارجية الأمريكية الذي يعمل حاليا في مركز وودرو ويلسون في واشنطن كان هناك اختلال شديد في علاقته مع نتنياهو وتمكنا من التغلب عليه .
وأضاف من المستبعد أن يدخل في خلاف مع الاسرائيليين. وسيبحثان عن أرضية مشتركة .
غير أن جميع المؤشرات تظهر أن محادثات البيت الأبيض لن تثمر عن اتفاق تام. ذلك أن المكالمة الهاتفية التي جرت يوم الجمعة بين أوباما وروحاني تعني زيادة الحذر الاسرائيلي من امكانية تحسن العلاقات الأمريكية الايرانية وان كان البيت الأبيض قد سمح للمسؤولين الاسرائيليين بمعرفة أي تطورات مسبقا.
وفي اشارة الى مخاوف نتنياهو شدد أوباما يوم الجمعة على أنه لن يفعل شيئا يعرض اسرائيل للخطر وأقر مسؤول كبير بالادارة الأمريكية بأن الحكومة الاسرائيلية لها كل الحق في التشكك في ايران.
وقد تكون قدرة أوباما على تهدئة مخاوف اسرائيل من تواصله مع ايران محدودة بسبب نفوذ جماعات الضغط الموالية لاسرائيل في واشنطن والمشرعين في الحزبين الجمهوري والديمقراطي الذين يسارعون في الدفاع عن اسرائيل.
وكتب الديمقراطي روبرت منديز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ والسناتور الجمهوري المحنك لينزي جراهام مقال رأي في صحيفة واشنطن بوست يوم الجمعة يحثان فيه على فرض المزيد من العقوبات النفطية على ايران. وسيبحث نتنياهو عن ضمان على التزام أوباما بمواجهة طهران من خلال تهديد عسكري جدي في حال لم تف الجهود الدبلوماسية بالغرض. وشدد أوباما على أنه جاد فيما يقول لكنه لم يكن واضحا بالقدر الذي يريده نتنياهو.
ولمح المسؤول بالادارة الأمريكية الى أن أوباما قد يذهب الى حد أبعد هذه المرة على الأقل في اللقاء الخاص قائلا ان الجانبين سيركزان على الخطوط الحمراء لمنع ايران من تصنيع أسلحة نووية. ولطالما رفض أوباما الاستجابة لطلب نتنياهو اعطاء انذار واضح ومحدد لايران بخصوص استخدام واشنطن للقوة ولا يوجد أي سبب يدعو للاعتقاد بأنه سيوجه مثل هذا الانذار الآن.
واستخدم نتنياهو في كلمته أمام الأمم المتحدة العام الماضي نموذجا كارتونيا لقنبلة لشرح ما وصفه بأنه تقدم ايران نحو تصنيع أسلحة نووية لكن مصادر اسرائيلية تتوقع أن يلجأ هذه المرة الى توجيه رسالة تنطوي على قدر أقل من الاستعراض عندما يلقي كلمته في الجمعية العامة يوم الثلاثاء.
وقد يفضل أوباما تبني نهج أقل حدة من جانب رئيس الوزراء الاسرائيلي. لكن السماح لنتنياهو بأن يلعب دور الشريك المخالف مثلما وصفته وسائل اعلام اسرائيلية قد يحقق غرض أوباما بشأن استمرار الضغط على ايران مع الضغط على الشركاء الأوروبيين في نفس الوقت لاتخاذ موقف موحد من العقوبات.
ويعتقد بعض المحللين أن تهديدات نتنياهو السابقة ساهمت في دفع ايران الى الابقاء على مستويات تخصيب اليورانيوم دون الخط الأحمر الذي رسمه رئيس الوزراء الاسرائيلي على الورق ولمح الى أن تجاوزه سيدفع اسرائيل الى شن ضربات عسكرية.
وقال وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي يوفال شتاينتز المقرب من نتنياهو كلما زاد الضغط الاقتصادي والعسكري زادت فرصة نجاح المساعي الدبلوماسية .
لكن أوباما الذي يواصل فترته الرئاسية الثانية ينظر الى التقارب مع ايران ــ بعد عداء استمر عقودا ــ باعتباره جزءا من ارثه في السياسة الخارجية خاصة في ظل ما يواجه اليه من انتقادات بسبب طريقة تعامله مع الحرب الأهلية السورية والأحداث الجارية في مصر بعد أن عزل الجيش الرئيس السابق محمد مرسي في الثالث من يوليو تموز عقب احتجاجات حاشدة.
غير أن مسؤولين اسرائيليين يشيرون الى أن أوباما يضع في اعتباره الأضرار التي قد تلحق بسجله اذا تبين أن ما تفعله ايران ما هو إلا محاولة لكسب للوقت.
رويترز
AZP02