إيران أقرب إلى تركيا منها إلى سوريا
فاتح عبدالسلام
لم يبق مجال لمبادرة جديدة إزاء الوضع في سوريا. ذلك أن المبادرتين اللتين حملهما كل من كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي لم تكونا أكثر من أفكار اجتهادية تشبه محاولة شخص لا يتقن الإسبانية لكنه يمتلك القدرة على نقل كلمات إسبانية في كراس مهما كان موضوعه. هناك أفكار ضاربة في المثالية حملها المبعوثان الدوليان العربيان المشتركان.
وكنا نعرف فشلها المسبق لأن هناك عجلة سريعة من المواقف الدولية والإقليمية والمحلية تدور بسرعة البرق على وفق أهداف الصراع في إطار جملة واحدة هي أن التفاوض يتم على أي شيء إلا رأس النظام، وهو خارج حسابات المعارضة وتجاوزها الأحداث مبكرا وحتى قبل أن تنزل مقاتلات ميغ ودبابات تي اثنان وسبعون إلى ميدان المنازلة في سوريا.
ماذا يمكن أن يحمل المبعوث الإيراني علي لاريجاني من حلول إلى أنقرة في زيارته الأسبوع الأخير وقد التقى في سوريا الرئيس السوري شخصياً. وهل تمتلك أنقرة نفسها حلولا الآن بعد كل ما جرى؟ أي هل تمتلك تأثيرا على جميع أوراق الملف السوري متعدد الصفحات والطبقات والثنايا؟
لقد تجاوزت هذه الأزمة تركيا نفسها وإمكاناتها على صناعة الحسم لان موقفها مرهون بشكل أساس بالموقف الدولي باستثناء ما تتحرك فيه من خلال مصالحها الخاصة وأعمالها التعبوية والاستخبارية مع المجاميع السورية المعارضة. حسب ما وردنا من معلومات أن دمشق أصبحت في موقف الآن تستطيع فيه أن تقايض أنقرة بالورقة الكردية، لاسيما فيما يخص حزب العمال الكردستاني الذي يشكل أكبر ورقة ضغط سورية على أنقرة ولعلها الورقة الوحيدة اذا استثنينا الورقة العلوية داخل تركيا وهي ورقة صعبة وربما مستحيلة من التداول في تركيا لاعتبارات داخلية كثيرة ومعقدة لا يقوى الوضع السوري المتهالك على تحريكها أبداً، في حين لا تزال أوراق اقتصادية وعسكرية بيد الأتراك لم يستخدموها ولعلهم لن يستخدموها ما دام الصراع اتخذ شكل الحرب الباردة بين سوريا وتركيا وقد يستقر عند هذه الصورة فترة طويلة.
يبدو أن الأتراك يميلون إلى أن يأخذ الزمن مجراه في إضعاف النظام السوري وتحقيق سقوطه ذاتيا من دون أن يخسروا قسما من العالم العربي في الظهور بدور المتدخل العثماني في الشأن العربي حتى لو كان ذلك يخص سوريا التي يجاهر بعض العرب بتغيير نظامها. لكن تركيا تنظر إلى ما بعد ذلك ولا تريد أن تكون متورطة في حين أن الأمريكان وأوربا على مسافة بعيدة من منصة التفرج.
إيران لها مصالحها المهمة مع تركيا وتعرف جيداً اللغة التي يتطلبها العمل مع الأتراك وهي في موقف أفضل من الوضع السوري، لكنها برغم ذلك لا تستطيع أن تكون بديلا في تحقيق رغبات نظام الأسد لان ذلك أمر متأخر وعقيم ومن دون جدوى ولو كان الأمر عكس ذلك للعب الورقة الرئيس محمود احمدي نجاد ولم يتركها لغريمه علي لاريجاني حتى لو كان مدعوما من المرشد الاعلى، فذلك لم يعد مهما أمام الانهيار في سوريا.
AZP20