إنتخابات مجلس النواب والمعايير الدولية للإقتراع
سامي الزبيدي
1. تعتبر الانتخابات أحد الأعمدة المهمة في البناء الديمقراطي بل هي أهم هذه الأعمدة إضافة إلى الحريات المختلفة وحقوق الإنسان والعدل والمساواة واحترام القانون والنظام التي تشكل بمجموعها الهيكل العام للديمقراطية ، ومن المعروف ان العراق كان قد عرف الانتخابات النيابية بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بفترة زمنية وكان هنالك مجلس نيابي ومجلس أعيان والحزب الذي يفوز في الانتخابات هو الذي يشكل الحكومة وهناك أحزاب تأخذ جانب المعارضة إلا إن تلك الانتخابات كان يشوبها الكثير من المخالفات والظواهر السلبية لأسباب عديدة منها الجهل والأمية التي كانت تخيم على المجتمع آنذاك ولان الانتخابات والعملية الديمقراطية كانت جديدة على العراق بالإضافة إلى قلة عدد الأحزاب السياسية وتمركزها في المدن الكبيرة وغلبة الطابع العشائري والديني على المجتمع ومع ذلك فأن النظام الانتخابي والنيابي تطور شيأً فشيأً مع تطور الأوضاع الاجتماعية والسياسية والتربوية والاقتصادية .2. وتوقفت العملية الديمقراطية بعد القضاء على الحكم الملكي ولم تحاول جميع الحكومات التي جاءت بعد ذلك وطيلة عقود طويلة من إقامة نظام ديمقراطي في العراق رغم محاولة بعضها تبني بعض المظاهر والخطوات الديمقراطية المحدودة . وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003 تسرع الأمريكان كثيراً في عملية بناء نظام ديمقراطي جديد في العراق حيث لم تكن الأرضية ولا الأوضاع الاجتماعية والسياسية مهيأة لذلك لأسباب عديدة أهمها ابتعاد العراقيين عن العملية الديمقراطية طويلاً وعدم وجود ثقافة انتخابية لدى المواطنين وعدم وجود قانون للأحزاب وقانون للانتخابات وحالة الفوضى التي يعيشها البلد وعدم استقرار الأوضاع الأمنية والسياسية لذلك جاءت انتخابات عام 2006 وحتى انتخابات عام 2010 مليئة بالمشاكل والإخفاقات وبعيدة عن الكثير من المعايير الدولية للانتخابات لعدم مشاركة قطاعات واسعة من المجتمع فيها بسبب الظروف الأمنية وعدم تأمين الحماية للمرشحين حيث اغتيل العديد منهم واستغلت الأحزاب النافذة موارد الدولة من قبلها في الحملات الدعائية و بعدها بالإضافة إلى عمليات الاعتقال لمرشحين أو لناخبين لمنعهم من الاشتراك بالانتخابات وعدم ظهور أسماء الناخبين في مراكز الاقتراع ومنع الناخبين من الوصول إلى مراكز الاقتراع وعمليات التزوير وغير ذلك من المخالفات التي تتعارض مع المعايير الدولية للانتخابات ومع ذلك فأنها كانت خطوة جريئة لبناء نظام ديمقراطي جديد .
3. ماهي المعايير الدولية للانتخابات
المعايير الدولية للانتخابات هي مبادئ توجيهية وضوابط واتفاقيات ملزمة تنظم و تعزز وتحمي عملية الانتخابات الديمقراطية الحقيقة وهي أما معايير دولية صادرة عن منظمات دولية معروفة أو معايير إقليمية تخص مناطق أومنطقة من العالم أو معايير أخرى لم تذكر في المعايير الدولية و تعتبر مكملة لها وتأخذ صفة الدولية .
4. مصادر المعايير الدولية للانتخابات
أ. المادة (21) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان و يتضمن:
أولا. لكل فرد الحق في الاشتراك في إدارة الشؤون العامة لبلاده أما مباشرةً أو بواسطة ممثلين يختارون اختياراً حراً .
ثانياً . لكل شخص نفس الحق في تقلد الوظائف العامة في البلاد .
ثالثاً . إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة ويعبر عن هذه الإرادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى قدر المساواة بين الجميع أو حسب أي إصدار مماثل يضمن حرية الشعوب .
ب . المادة (25 ) من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية السياسية يكون لكل مواطن دون أي تمييز الحقوق التالية:
أولا. أن يشارك في إدارة الشؤون العامة أما مباشرةً أو بواسطة ممثلين يختارون من حزبه.
ثانياً . أن ينتخب وينتخب في انتخابات نزيهة تجري دورياً بالاقتراع العام وعلى قدر المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري الذي يضمن التعبير عن إرادة الناخبين .
ثالثاً . أن تتاح له على قدم المساواة عموماً مع سواه فرصة تقلد الوظائف العامة في بلاده .
5.مصادر المعايير الإقليمية
أ. المادة (24 ) من الميثاق العربي لحقوق الإنسان وتتضمن لكل مواطن الحق في :
أولاً. حرية الممارسة السياسية .
ثانياً. المشاركة في إدارة الشؤون العامة أما مباشرةً أو بواسطة ممثلين يختارون بحرية .
ثالثاً. ترشيح نفسه أو اختيار من يمثله بطريقة حرة ونزيهة وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين بحيث يتضمن التعبير الحر عن إرادة المواطن.
رابعاً. أن تتاح له على قدم المساواة مع جميع المواطنين فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده على أساس تكافئ الفرص .
خامساً. حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين والانضمام إليها وحرية الاجتماع وحرية التجمع بصورة سلمية .
سادساً.لايجوز تقييد ممارسة هذه الحقوق بأي قيد غير القيود المفروضة طبقاً للقانون .
ب. إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام لعام 1990 .
6. معايير دولية أخرى
هناك عناصر في عملية الانتخابات لم ترد في المواثيق الدولية لكنها تعتبر لأهميتها معايير دولية للانتخابات منها .
أ. تجري الانتخابات وفقاً للقانون .
ب.تجري الانتخابات بإطار من الشفافية والانفتاح وقابلية المساءلة .
ج. تكون المنافسة بين مرشحين أو أطراف سياسية تعكس الآراء السياسية في البلد .
د. تكون المنافسة عادلة وتؤمن تكافئ الفرص .
هـ. تختص الهيئة الانتخابية بالتوعية حول الانتخابات وحقوقها
استعمال المعايير الدولية مرجعية للانتخابات.
7.تحدد المعايير الدولية للانتخابات ضمن المواد التالية :
أ. ضمان حق المشاركة في الانتخابات من خلال :
أولاً. الانتخابات الدورية
ثانياً. الانتخابات النزيهة
ثالثاً. الاقتراع العام
رابعاً. حق الترشيح للانتخابات
خامساً. المساواة في التصويت
سادساً. حق الاقتراع
سابعاً . الاقتراع السري
ثامناً . حرية تعبير الناخبين عن أرائهم
ب. ضمان حرية الرأي والتعبير وحرية الاشتراك في الجمعيات السلمية وحق الانضمام إلى النقابات وحرية التنقل وحرية التمتع بكافة الحقوق والحريات دون تمييز وحرية حق اللجوء إلى القانون .
ج. احترام المبادئ التالية: الشرعية ، الشفافية ، المسائلة ، الأكثرية ، النسبية ، العدالة ، الوعي .
وثيقة الاتحاد البرلماني الدولي الخاصة بضمان سلامة الانتخابات 8. أصدر الاتحاد البرلماني الدولي في آذار عام 1994 في دورته 154 وثيقة دولية لضمان سلامة الانتخابات ويقوم هذا الإعلان الدولي على مجموعة من المعايير والمبادئ التي تشمل الانتخابات الحرة والنزيهة تنبع من سلطة الحكومة في أية دولة وفق ما يعبر عنها إنها انتخابات وحرة ونزيهة تجري في فترات منتظمة على أساس اقتراع عام متكافئ وسري وتشمل الوثيقة المبادئ التالية :
أ. كل مواطن رشيد له حق التصويت في الانتخابات دون تمييز
ب. كل مواطن رشيد له حق المشاركة في الإجراءات المقررة دون تفرقة أو تمييز .
ج.لا يحرم أي مواطن له حق الانتخاب من التصويت أو يستبعد من جداول الناخبين إلا وفقاً لمعيار موضوعي منصوص عليه بالقانون بحيث يتماشى هذا الإجراء مع التزامات الدولة الواردة في القانون الدولي .
د .كل فرد حرم من حقه في التصويت أو قيد الناخب يجب أن يخول له حق اللجوء إلى جهة قضائية مختصة بإعادة النظر في مثل هذه القرارات وتصحيح الأخطاء بطريقة فورية وفعالة .
هـ. لكل ناخب وناخبة الحق في الوصول بصورة متكافئة وفعالة لإحدى لجان الاقتراع لمباشرة حق التصويت .
و.التصويت في سرية حق مضمون لايجوز تقييده بأي وسيلة .
9.ويتضمن الإعلان مجموعة من الحقوق والمسؤوليات المتعلقة بالترشيح والأحزاب والحملات الانتخابية وتتضمن:
أ. لكل فرد حق المشاركة في حكومة بلده ويحق له أن تكون له فرصة متكافئة لترشيح نفسه في الانتخابات ويتحدد معيار الإسهام في الحكومة وفقاً للدستور والقوانين .
ب.لكل فرد حق الانضمام إلى حزب أومنظمة سياسية أو الاشتراك مع آخرين لتأسيسها بقصد التنافس في الانتخابات .
ج. لكل فرد الحق سواء بمفرده أو مع آخرين في:
أولاً. التعبير عن أراء سياسية.
ثانياً.تلقي معلومات والحصول عليها ونقلها .
ثالثاً.التنقل بحرية داخل بلده للقيام بحملة انتخابية .
رابعاً. القيام بحملته الانتخابية على أساس متكافئ مع الأحزاب السياسية الأخرى بما في ذلك الحزب الذي يشكل الحكومة.
د . كل مرشح في الانتخابات وكل حزب سياسي يتعين أن يتمتع بفرصة متكافئة في استخدام وسائل الاتصال خاصة وأجهزة الإعلام الجماعية لكي يتمكن من عرض وجهات نظره السياسية .
هـ.الاعتراف بحق المرشحين في تأمين أموالهم وممتلكاتهم وحمايتها.
و. لكل فرد وكل حزب سياسي الحق في حماية القانون وفي الحصول على معالجة أي عدوان يقع على الحقوق السياسية والانتخابية .
ز. يخول كل فرد أو حزب سياسي يتعرض مرشحه أو حزبه أو حقوقه الانتخابية للإنكار أو التقييد الحق في التقدم لإحدى الهيئات القضائية لإعادة هذه القرارات وتصويب الأخطاء فورياً وبفاعلية .
ك. حقوق الترشيح والحملة الانتخابية ينتظمن مسؤوليات وبصفة خاصة عدم اشتراك المرشح أو الحزب في أعمال عنف
ل. على كل مرشح أو حزب سياسي يتنافس في الانتخابات أن يحترم حقوق وحريات الآخرين .
م. على كل مرشح أوحزب سياسي في الانتخابات أن يتقبل النتيجة التي يسفر عنها الانتخاب الحر النزيه .
10. تشريعات مهمة
وهي تشريعات ضرورية تتخذها الدولة تتضمن ما يلي:
أ.على الدولة اتخاذ الخطوات التشريعية الضرورية والإجراءات الأخرى وفقاً لقواعدها الدستورية لضمان الحقوق والإطار القانوني لإجراء انتخابات دورية نزيهة حرة وعادلة تتماشى مع التزامها في ضل القانون الدولي بصورة خاصة ووضع إجراءات فعالة محايدة وغير منحازة .
ب. وضع معايير واضحة لقيد الناخبين كالعمر والمواطنة والإقامة مع كفالة تطبيق هذه الشروط دون تمييز .
ج .يشترط لتشكيل الأحزاب السياسية وحرية قيامها وحسن تنظيم الحملات الانتخابية أن تؤكد الفصل بين الحزب والدولة وأن تضع قواعد التنافس في الانتخابات التشريعية على أساس متكافئ .
د.إقامة أو تيسير إعداد برامج تعليمية في التربية الوطنية لضمان معرفة الناس على الإجراءات الانتخابية والأمور المتعلقة بالعملية الانتخابية .
هـ . بالإضافة إلى ذلك ينبغي على الدولة أن تتخذ الخطوات الضرورية الكفيلة لضمان تعزيز الأهداف الديمقراطية بما في ذلك تأسيس آلية محايدة وغير منحازة ومتوازنة لإدارة الانتخابات (مثل المفوضية المستقلة للانتــــــــــخابات في العراق ).
موقف الحكومة والمفوضية المستقلة للانتخابات من المعايير الدولية للانتخابات.
11.إن الخوض في هذا الموضوع شائك ومعقد في ضل الأوضاع الحالية في البلد لكننا سنذكر بعض الأمور التي لها علاقة بالمعايير الدولية الخاصة بالانتخابات منها أن تكون هناك فرصة متكافئة للمرشحين فهل إن الفرصة متكافئة لجميع المرشحين وهل إن فرصة مرشحي الانبار وديالى هي نفس فرصة مرشحي السماوة مثلاً ؟ومن ضمن المعايير عدم حرمان أي مواطن من حق التصويت فكيف يتحقق ذلك في المناطق الساخنة والمضطربة وبالنسبة للنازحين والمهجرين ؟ وهل يمكن إجراء الانتخابات في الانبار في ضل الأوضاع الأمنية الحالية ؟وهل يمكن إجراء الانتخابات بما يؤمن تكافؤ الفرص للمرشحين على مستوى المحافظة الواحدة وعلى مستوى المحافظات ؟ وهل يمكن تأمين الحماية لمراكز الاقتراع في المناطق الساخنة ؟وهل طبقت نفس المعاييرالادارية والقانونية في استبعاد بعض المرشحين وإعادة بعضهم ؟ وماذا عن استغلال موارد وأموال الدولة في الحملات الانتخابية والتحضير للانتخابات ؟وهل حدثت عمليات اغتيال لبعض المرشحين للانتخابات ؟ وهل هناك إجراءات بحق مزوري الشهادات الدراسية أم ستترك إلى مابعد الانتخابات وماذا بصدد مزدوجي الجنسية ؟ وما فائدة البطاقة الالكترونية إذا كانت لاتحمل بصمة الناخب وصورته مع العلم وجود أكثر من وثيقة في العراق يمكن من خلالها إثبات شخصية المشاركين في الانتخابات ؟ أما كان بالإمكان الاستفادة من الأموال التي صرفت على البطاقة الالكترونية لشراء أجهزة الكترونية متكاملة للتصويت بواسطة بصمة الإبهام أو العين ؟ وهل تتمكن جميع الأحزاب والكتل استخدام وسائل الإعلام والاتصالات الحكومية بصورة متكافئة ؟ وهل إن الفرصة متساوية في الحملات الدعائية بين الأحزاب الموجودة في الحكومة والأحزاب الأخرى ؟ وهل هناك إجراءات فاعلة للحد من عمليات التزوير والتلاعب بالنتائج ؟
12.والحقيقة تقال فان الديمقراطية في بلدنا حالة جديدة جاءت بعد عقود من الدكتاتورية وفي وقت لم تستوعب شرائح كبيرة من المجتمع وحتى الكثير من السياسيين الثقافة الانتخابية ومتطلبات الحياة الديمقراطية بعد كما إن ظروف البلد الحالية الأمنية والسياسية تحول دون تحقيق كل المعايير الدولية للانتخابات لكن إذا تحققت نسبة معقولة من هذه المعايير وهذا ممكن تحقيقه فيعتبر ذلك خطوة فعالة وناجحة في طريق الانتخابات الديمقراطية وإذا تم تعزيز هذه الخطوة بخطوات مماثلة لاحقاً فمعنى ذلك إن الأمور تسير في الطريق الصحيح وسنتمكن من تحقيق نسبة كبيرة من هذه المعايير في الانتخابات المقبلة وهذا هو المطلوب