إشكالية التوثيق – أمين جياد

قصيدة النثر

إشكالية التوثيق – أمين جياد

نبدأ بسؤال:

{ من يمتلك زمام إرساء تعريف عن قصيدة النثر؟

– فلقد تعددت الطروحات منذ أكثر من خمسين عاماً حول تسميتها، هل هي القصيدة النثرية ام الشعر المنثور أو القصيدة الحرة أو نثر مركز… -قرأنا للشعراء  علي أحمد باكثير وأدونيس ومحمد الماغوط وخليل الخوري وخليل حاوي  وحسين مردان وفاضل العزاوي وفوزي كريم ومحمد عفيفي مطر ولجماعة مجلة شعر في بيروت ولمجلة الكلمة في بغداد – ولشعراء من العراق وتونس والمغرب – وغيرهم الكثير – إلّا  أنه لم تصدر دراسة وافية في كتاب لتتناول بدأ قصيدة النثر في الوطن العربي ونشأتها – نعم كتبت بعض الدراسات والمقالات في مجلة الآداب البيروتية ومجلة الكلمة البغدادية ونشرت بعضها في الدوريات المصرية واللبنانية والعراقية والمغربية –

والملاحظ أن الشعراء العرب الذين كتبوا هذا النمط قد تأثروا بشعراء غربيين وبخاصة فولتير وبودلير ورامبو وسان جون بيرس وغيرهم الكثير، ونقلوا تجاربهم شكلاً ومضموناً..   أن الأصالة في كتابة قصيدة النثر تنبع من الثقافة الواسعة للشاعر العربي – ولقد تأثر البعض بشعراء الغرب مثل ت. اس. إليوت وسان جون بيرس ورامبو  و إ.إ. كمنجز وأودن وشللي ولوركا وويتمان وفولتير وغيرهم الكثير لا تسعفني الذاكرة في هذه اللحظة –   وقلّدوهم – صحيح أصدر البعض كتاباً عن قصيدة النثر  العراقي إلْا أنه لم يكن وافياً – لأنه إنحاز إلى تجربته فقط من دون ان يتناول بقية الشعراء بالتفصيل للكتابة عن تجربتهم في فترة الستينات – لكن النقاد لم يتناولوا هذه الظاهرة في الشعر العراقي او العربي بعد فترة الستينات – وظهرت بعض المقالات والدراسات الأدبية من نقاء مرموقين هنا أو هناك – لكنها لم تستوعب النظرة الشاملة لتجارب الآخرين – أن الكتابة عن هذا الموضوع يتطلب جهداً كبيراً – نأمل من النقاد الذين غضّوا النظر عن هذه القضية أن يولوها الإهتمام الأكبر.

ولو رجعنا إلى أساطير وادي الرافدين كملحمة كلكامش مثلاً لوجدناها ملحمة نثرية درامية بكل تفاصيلها، أضف إلى ذلك العديد من القصائد التى وجدت عند السوريين والبابليبن والآشوريين، إضافة إلى ما كتبه الشعراء في الحضارة الفرعونية وغيرها من الحضارات..

 ونرجع إلى سؤالنا الأول من سيمتلك  زمام المبادرة في البحث عن تاريخية قصيدة النثر ومن هم أول من كتبها، ومن ثم نعرج إلى العصور اللاحقة وبخاصة ما كتبه عشرات  المتصوفة من قصائد  وإنتهاء إلى العصر الحديث..

 الشعر قاله الشعراء منذ القدم،

أما القصيدة فظهرت قبل الإسلام وبعده وسميت ذات الشطرين… بعد اكتشاف البحور والاوزان..

ولدينا مئات الشعراء العرب  المعروفين ممن كتبوا القصيدة ذات الشطرين..  ولو تجاوزنا حدود هذا التاريخ.. ظهرت لنا مدارس شعرية عديدة… وأهمها القصيدة الحرة والتي تجاوزت شكل القصيدة القديمة وكتبت على نفس البحور الشعرية،

وظهرت بعدها قصيدة التفعيلة التي اخذت ايقاعاً واحداً مجزوءاً من تفعيلة بحر معين.. ، فعولن. مستعفلن. متفاعلن..مفاعيلن..

وغيرها وما الشعر الذي كتب بعد هذه التجارب من قبل بعض الشعراء الذين عرفوا الأوزان وكتبوا فيه الا  حالة جديدة فنظّروا لذا النمط الجديد للقصيدة ومن اول ما كتب هي الشاعرة نازك الملائكة ….

اما النثر أو قصيدة النثر التي جاءت  تجاوزاً لشكل النمطية السائدة بعد الخمسينات بل اول من  كتبها هو الشاعر علي أحمد باكثير بداية الثلاثينيات من القرن الماضي….

واقول لقد ظهرت هذه الأنماط الشعرية  في العراق ولبنان وسوريا والمغرب العربي..

شعر نثري

ونستطيع أن نؤكد هنا أن الشعر المنثور أو الشعر النثري جاء متطابقاً للترجمات من الشعر الفرنسي أمثال بودلير ورامبر ولوتريامون وفولتير بحكم الترجمات.. والتزمها الشعراء العرب وقلّدوها بعد الخمسينات كما ذكرت..

ولو رجعنا إلى التاريخ لوجدنا ام مقامات الحريري كانت نمطاً من هذا الشعر المنثور.. المشكلة انه بعد مرور هذه السنين الطويلة لم يستقر على تعريف معين للشعر النثري بالرغم من صدور عشرات الكتب التي تناولت تجارب الشعراء في لبنان والعراق وسوريا تحديداً.. وظهور مجلات متخصصة  تبنّت هذا الشعر.. كمجلتي شعر اللبنانية والآداب وأصدرت البيانات الشعرية حولها ، انعكس هذا في العراق أيضا فصدرت مجلتي شعر والكلمة.. وأصدرت البيانات الشعرية كذلك.. هذا التجديد هو سمة الشعر لأنه لا يستقر على طريقة وشكل معينين.. واطلق  عليها سمة التجديد أو الحداثة  في الشعر.. وهو ما اصطلح بالحداثة خطأً..

اما ملحمة جلجامش فتصب في هذا الشعر النثرية أو السردي  وقبلها اكتشفت قصائد للشاعرة انخيدوانا كذلك….

ومن الطبيعي خضعت للترجمة حيث ترجم الدكتور طه باقر ملحمة جلجامش كاملة الا القليل منها. وتأثر بها الشعراء العراقيون والعرب.. هي ملحمة نثرية أن صح التعبير.. أو اقول هي سرد شعري درامي لما جاء بموضوعها..

الشعر هو الشعر مهما كانت طريقة التعبير لكن لمن يمتلك المعرفة باوزان وبحور الشعر الخليلي  ولن يكتبها الا ممن امتلك تجربة طويلة في الشعر مثل أدونيس وانسي الحاج ومحمد الماغوط وخليل حاوي وصلاح عبد الصبور  وعباس بيضون وبلند الحيدري  وحسين مردان  الذي لقّب بودلير العراق..وغيرهم..وممن جاء بعدهم الكثير من الشعراء في الوطن العربي الذين اختطوا هذا النمط من الشعر..وتنوعت الكتابة عندهم..

مشاركة