إشتباه – نصوص – مهدي علي ازبين

إشتباه – نصوص – مهدي علي ازبين

تشقُّ طريقَها في رواقِ الكلية ، تنقّلُ خطوَها ، تتواءدُ في طرقِ حذائِها على البلاط ، تخطفُ بجسدِها من أمامي ، تهمسُ عيناها ، يطرفُ لسانُها

– السلام عليكم

يهفهفُ عطرُها في حواسّي . أحاولُ لملمةَ حروفِ الردّ ؛ فتحرجُني يدي .. إذ أصابَها شرود ، أدّى إلى انفلاتِ كتبي ، و هــــزأتْ بي مقرقعة .. منقلبةً على ظهورِها ، فاغرةً أفواهَها . تتثاءبُ رموشُها ، وترسلُ ابتسامة ، تزيحُ عنّي شراكَ الخجل . حطّتْ ملامحُها بصورٍ ملوّنة .. تتغلغلُ بينَ كتبي ، ويتشكّلُ وجهُها ، يمحو كلَّ سوادِ الكتابة ، يتموّجُ مبتهجًا أمام ناظريّ ؛ فأغرقُ خارجَ الصحو .رسمتْ أيامُ الدراسةِ تفاصيلَ المودّةِ بيننا .

تابعتِ المقاعدُ و الأروقةُ إشاراتِ الإعجاب . تهادَيْنا الكتبَ و الآراء ، و جمعتْنا المواقفُ الطريفة ، تقاربْنا .. تباعدْنا ، ثُم عدْنا ، تخنقُني غصّةٌ في حلقِ علاقتِنا … كلمةُ اعتراف ، نقطةُ تحوّل .. مفترقُ طرق ، نستمرُّ معاً ، أو .. لا ، لا أقولُها ؛ لأنّ كلَّ بادرةٍ منها توحي “نعم” ، من لهفتِها .. رسائلِ عينيها ، وتغيّرِ ملامحِها .. تعبيرِ صوتِها و هو يتحوّلُ إلى تغريدٍ هامس ، تلهثُ عبارتُها بأنفاسٍ متقطّعة ، تنقضمُ نهاياتُ الحروف ، حينَ تكزُّ على أسنانِها .

الوقتُ يدهمُني . العيونُ تلاحقُها ، تحاصرُها النوايا في زاوية .. قد تفلحُ إحداها في محوِها من سجلاتِ وجودي .. ألملمُ بعضي ، و أشحذُ همّتي المنهارةَ في حضرتِها ، أتحدّى نفسي ، و أطلقُ صوتي .. أغلّفُهُ بحلمِ اليقظة . سأنفردُ بها ، و أبثُّها هاجسي … ها هي تتقدّمُ مع صاحباتها ، أبادرُها السلام ، أطلبُ منها حلَّ مسألة .. تتجاوبُ معي .. وبعدَ صمت

– أريد تتويج علاقتنا

فتردُّ عليّ

– علاقتنا في القمة .. و بيننا كل هذا الاحترام و المودّة .

      تصالبُني البلاهة

– أنا لا أقصد فقط زمالتنا في الجامعة .

تتلقّفُ بوحيَ المتهالك ، وترممُّه

– إلى أين تريد الوصول .

      يتزلّجُ لساني على طينِ الأمل

      – أنا معجب بك منذ أربع سنين .. وتعلمين كم أودّك ، و قد اصبحت جزءاً مني .. أتمنى أن نستمرّ معا .

فتكسرُ لوحَ انطلاقي بمطرقةِ التساؤل .

– ماذا تقصد ؟

أفرشُ بساطًا مهلهلاً من الحروف

– أنا اعرض عليك أن نكلّل حبنا بالزواج

      فتلمُّه ، و تلقيهِ بوجهي

      – أي حبّ؟!

      أتعلّقُ ببقايا أمل . أستنجدُ بالسؤال

– و ماذا يُسمى ما بيننا .. و ما أوصلتيه إليّ من رسائل ؟

      تبعثرُ الحروفَ و النوايا

      – أنت واهـــــــــم .. وقد شطـــــحت في خــــــــــيالك .. أنا أحســــبك مثــــــل “أخـــــــوية”

      تهربُ الألوانُ من حياتي ، ويغيمُ كلُّ شيء ، أستجمعُ شتاتَ صوتي ، أطلقُهُ إلى وجودِها المفترض “حرام عليك .. حرام .. عليك ..حرام .. حرااا..”

     فيركضُ صوتٌ أليفٌ ، يقتربُ بسرعة

     – اسم اله  .. ماما .. اسم الله

     إنها أمي .. تهزُّني برفق

     – سلامات ماما .. إنه كابوس ، و عدّى .. سأجلب لك ماء .

     يبدو أنهُ تعبُ حفلةِ التخرّج . آخذُ حسوةً من الماء ، و أعودُ آملاً بإتمامِ الحلم .