إسم العربة لزيد الشهيد .. شخصيات تونسية معقدة بقلم كاتب عراقي

إسم العربة لزيد الشهيد ..  شخصيات تونسية معقدة بقلم كاتب عراقي

فيصل عبد الحسن

في رواية ” اسم العربة ” أو الرجل الذي تحاور مع النار لزيد الشهيد يجد القارئ نفسه أزاء عالم متشابك يسوطه الفقر والحاجة والإحباط بسوطه، فالرواية تنقلك منذ صفحاتها الأولى إلى عالم العاطلين عن العمل والمحتاجين والعائلات التي لا تجد قوتها اليومي بسهولة.

   فا” محمد البوعزيزي ” وعربته الذي أشعل العديد من الثورات في المنطقة العربية، يسير في طرقات سيدي أبو زيد التونسية كالعجوز ترسياس في الملاحم الأغريقية، وهو ينشر نبؤاته عن الخراب القادم بين اليونايين القدماء.

  بأنتظار اللحظة المناسبة لأشعال النار بنفسه، ليعلن للعالم عن يأسه التام مما يعيشه الجيل الجديد في تونس، والذي عجز عن مواجهة أساليب الدولة البوليسية، التي أغلقت جميع المنافذ أمام التغيير، وحفظت جميع أساليب الدول الدكتاتورية، ومارستها على شعب أعزل محب للحياة. ” هذه ليست شعوباً عربية هذه قطعان من الدجاج أو أكوام من الخراف !!” هذه  المقولة سمعها البوعزيزي من برنامج حواري في إحدى القنوات التلفزية الفضائية، وأيقظت في داخله الكثير من مشاعر الثورة والتحدي لما يعيشه من فقر وحاجة وقلة حيلة.

   وينقلنا الروائي زيد الشهيد عبر سرد متمكن إلى عوالم البوعزيزي الداخلية، ومن خلال تقنيات روائية تعتمد الرجوع في الذاكرة أو من خلال حوارات الآخرين.

  ومن خلال الحكي المسند بسرد نثري متقن أو من خلال تداعي الأشياء، فالريح الشديدة، أو الزحام الشديد، أو الحر الشديد أو البرد، الظلام أو الضوء الشديد، جميعها رموز وإشارات لما يدور في نفوس الشخصيات.

كبس البائعين

   أن عتبة النص التي أختارها الروائي تنقلك مباشرة إلى العالم الذي أختاره زيد الشهيد كموضوعة لنصه، أو ما نعني به هنا “الأشكالية النصية ” لروايته :  ” قيل ليوسف على نبينا محمد وآله وعليه السلام، مالك تجوع وأنت على خزائن الأرض، أجاب، أخاف أن أشبع فأنسى الجائعين”

    فالكاتب يضعنا أمام أخلاقية الحاكم المفترض وجوده، أو المعادل الموضوعي، الذي من خلاله يقيس على مسطرته ما سيأتي من نموذج آخر لسلطة الحاكم، التي لا تتيح لمواطنيها حتى فرصة العمل الشريف، والعيش على الكفاف.

  ولم يكتف بشخصية محمد البوعزيزي بل وضع إلى ما يجاورها شخصيات جانبية، كشخصية قادري صديق فايز الجروالي الذي يحب عائشة العاملة في ورشة صغيرة للخزفيات.

  ويضعنا على ما تعانيه أيضاً هذه الفتاة من فقر وحاجة بالرغم من انها متعلمة، وقد تخرجت من معهد الفنون في صفاقس ولديها الدبلوم الذي يعول عليه الكثيرون، ويبذل من أجله الكثير من الجهد والمال للحصول عليه.

   ويضعنا الكاتب أزاء شخصية أخرى كصابر الشرطي تكون عادة من الجانب الآخر، أو التي تعبر عن وجهة نظر السلطة المتمثلة أيضاً بشخصية الشرطية شادية المسؤولة مع دوريتها عن سوق الخضار، والتي هي مسؤولة عن كبس البائعين الذين لا يملكون أجازة بيع في السوق.

    وتبدو عمليات المطاردات للبائعين غير المجازين والقبض عليهم في الزنقات والشوارع الخلفية أو قريباً من السوق، كما لو كانت قبضاً على مجرمين ضبطوا متلبسين ببيع المخدرات للناس لا على بائعين عاديين للخضار وما يتسوقه الناس لعيشهم اليومي.

السيناريو التلفزيوني

  عالم ضاج من الواقع التونسي وفنتازيا الحياة اليومية يتابعها الروائي زيد الشهيد عبر أربعة فصول شغلت مائة وخمسين صفحة من القطع الكبير.

   متتبعاً حيوات أبطاله من خلال منللوجات لعائشة وهي تخاطب فيها قادري، الذي يتابعها بعينيها، كلما مرت من أمام المقهى، الذي يجلس فيه عادة، ورسائل قادري لعائشة التي ينضدها بأهتمام كبير في كوميوتره المحمول وهو يرتكن جانباً من مقهى إبراهيم، متتبعاً حبيبته عائشة بنظراته، والجزيري ومذكراته ومنوبية وما تتذكره من حياتها.

    وما بقي من عائلتها بعد موت الأب وتفصيلات لحياة ولدها محمد البوعزيزي، وكيف أرادته أن يعمل في دكان حدادة لكنه فضل أن يعمل كحمال وهو صغير، وبعد ذلك حين كبر فضل العمل كبائع خضار لأن عمل الحداد لا يكفي لتسديدى أجر الكراء.

  وينقلنا الروائي إلى إبراهيم صاحب المقهى بتطلعاته البرجوازية، الذي يشغل العاطلين في مقهاه بنقل صناديق المشروبات لغازية مقابل أجرة جلوسهم في مقهاه وتناول أقداح القهوة المجانية.

  لقد أستخدم الروائي في روايته تقنية الفصول المتضمنة للمشاهد المعنونة بعنوانات فرعية، وحملت المشاهد مواصفات السيناريو التلفزيوني.

   وكل مشهد من هذه المشاهد لا يتجاوز الدقيقة أوالدقية والنصف في أقصى طول ممكن له، عند نقل النص للكاميرا وأستخدم فيها الروائي أقل حد ممكن من كلمات السرد، مقابل أستخدام الحوار ” الديالوج الخارجي ” أو أنثيال تيار الوعي، الذي هو نوع آخر من الحوار، لكنه يكون داخلياً، وليس منتطماً زمنياً.

شخصياتٌ معقَّدَةٌ

   وبالرغم من أن حكاية أنتحار محمد البوعزيزي التي أشعلت ثورة في تونس، وثورات أخرى في أقطار عربية كثيرة غدت قصة معروفة لجميع من في الأرض.

   وكذلك أنتحاره المرعب بحرقه نفسه للتعبيرعن عجزه وإحباطه أمام نظام بوليسي جائر كان يحكم في تونس بمختلف وسائل الدس والحيلة والأجرام وتكميم الأفواه، والأرهاب إلا أن قصة محمد البوعزيزي بدت في رواية زيد الشهيد كما لو كانت جديدة ولم تسمع من قبل.

   وأن من الملاحظات التي ما زلت اتساءل حولها، هي كيف أستطاع كاتب عراقي أن يتناول واقعاً تونسياً يختلف في الكثير من الموروثات والعادات والتقاليد عن بلاده العراق بهذا الشكل العميق، والفهم التام لشخصياته ؟ !!  وكيف أستطاع توظيف هذا التعاطف الإنساني الرائع مع الأبطال كما لو أن الكاتب كان يعيش معهم أحداث روايته.

   ومقدار الجهد الجبار الذي بذله الروائي في توليف حدث واقعي ” تأريخي ” ليحصل منه على رواية متكاملة في مضمونها الإنساني وتقنياتها الفنية.

   ومن المدهش حقاً أننا نقرأ عن شخصيات تونسية مُعَقَّدةٍ كُتبت بقلمٍ عراقي، وعقدها الكثيرة نابعة من عمق فقرها ومأساتها بالعيش في قاع المجتمع التونسي، وطوع خلالها الكاتب أحداثاً وقعت في بلاد غير بلاده، بهذا اليسر والأنسيابية، وبلغة أدبية ثرية أتصف بها الروائي زيد الشهيد في معظم أعماله الأدبية السابقة.

  وأنا بحكم تجربتي المتواضعة بأقامتي في بلاد المغرب زهاء عشرين عاماً، وحصيلة هذه الإقامة الطويلة معرفتي كم هناك من الأختلافات بين فهمنا ” كعراقيين ” وفهمهم للكثير من العادات والتقاليد لأهل البلدان العربية الواقعة في شمال أفريقيا وتونس واحدة من هذه البلدان والبلدان العربية الواقعة في المشرق.

  والصعوبات الجمة التي يجدها الكاتب القادم من المشرق في الكتابة عن شخصيات من هذه البلدان الشقيقة.

    -رواية اسم العربة أو الرجل الذي تحاور مع النار / بقلم زيد الشهيد / صدرت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر / بيروت ــ لبنان / عام  2013 / 150 صفحة من القطع الكبير.

{ كاتب عراقي مقيم في المغرب

   faisal53hasan@yahoo.com