إستقلالية الجامعات هل تبقى مجرد سطور على ورق؟ – اكرم سالم
في ظل مناخ تعليمي جديد يتسم بمتغيرات محلية وعالمية معقدة وسريعة و زيادات غير مسبوقة في اعداد الطلبة الراغبين في مواصلة تعليمهم الجامعي، كان لابد للجامعات الحكومية والأهلية على السواء من مراجعة عميقة للتوجهات التنموية وخططها الاستراتيجية في التعليم العالي والبحث العلمي ودورها المجتمعي سعيا الى ترسيخ قدراتها المعرفية والابداعية والثقافية من خلال بناء انموذج اكاديمي جديد في ابعاده كافة ولاسيما العلمية والادارية والمالية وفي صيغة علاقاته مع المؤسسة الرسمية للتعليم العالي اي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. ولعل القضية المحورية في ذلك تكمن في الاستقلالية الجامعية والحريات الاكاديمية التي شكلت القاسم المشترك الأعظم للجامعات العالمية المرموقة ايا كانت خياراتها فضلا عن انها معيار حاسم وجوهري في جودة اداء مؤسسات التعليم العالي في أي بلد. وبالرغم من اختلاق ذرائع عديدة من قبل بعض المسؤولين الرسميين للتعتيم على وضوح هذه القضية ومدى حيويتها في ارساء الانطلاقة الحقيقية والإبداعية للتوجه الاكاديمي العلمي الفاعل وضرورة مواكبته للنموذج الاكاديمي العالمي المستقل لأسباب ودوافع تنبع من نفس الهيمنة الاستحواذية التسلطية ، غير ان هذه القضية اصبحت جليّة للجميع ولا تخفى علينا كأكاديميين بشكل خاص. وقد سبق وأن اكدت الجمعية الاميركية لأساتذة الجامعات في خمسينات القرن الماضي حرية البحث والنشر لأساتذة الجامعات ورفض القيود المفروضة من قبل بعض المؤسسات، والحق في حرية النقاش في المحاضرات في ما يتعلق بموضوعات الدراسة والبحث. كما اقرت منظمة اليونسكو بالتعاون مع منظمة العمل الدولية عام 1974 مبدأ التوجه نحو تمتع مهنة التدريس الجامعي بالحرية الاكاديمية، وأكد العهد الدولية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1974 على اهمية اتاحة التعليم العالي للجميع على قدم المساواة تبعا للكفاءة وبالوسائل المناسبة. وان الحق بالتعليم لا يمكن التمتع به الا اذا صحبته الحرية الأكاديمية لأعضاء هيئة التدريس والعاملين والطلاب. وأضاف بأن التمتع بالحرية الأكاديمية تتطلب استقلال مؤسسات التعليم العالي وهو ذو صلة اكيدة بموضوعة استقلالية الجامعات بكونه درجة من حكم النفس اللازمة لكي تتخذ مؤسسات التعليم العالي القرارات بفعالية فيما يتعلق بالعمل الاكاديمي ومعاييره وادارته وما يرتبط به من انشطة وكان ذلك منطلقا لتأسيس ما يطلق عليه بالعهد الدولي لقضية الحق في التعليم وارتباطه باستقلال الجامعات والحريات الاكاديمية. كما ان اعلان ليما عام 1988 كان خطوة مهمة في مسار الحريات الاكاديمية اذ اكد على ان الحرية الاكاديمية شرط مسبق لوظائف التعليم والبحث والادارة والخدمات الداعمة للجامعات. وعلى المستوى العربي كان لإعلان عمّان 2004 لدراسات حقوق الانسان اهمية خاصة في التركيز على سمات منظومة التعليم العالي العربية من خلال تأكيده على التصدي لإخضاع التعليم العالي والبحث العلمي لغايات خارجة عن نطاق غايات التأهيل والتكوين والبحث العلمي وفرض السلطات العمومية وصايتها المباشرة على الحياة الجامعية كما أكد على ضرورة التزام السلطات العمومية باحترام استقلال المجتمع العلمي بمكوناته الثلاثة الاساتذة والطلاب والاداريين ذوي الصلة، وفي تاكيده على قضية ومفهوم استقلالية الجامعات.. ولاسيما الحرية الاكاديمية التي تشمل حق المجتمع الاكاديمي في ادارة نفسه بنفسه في ضوء ما تقدم.. لا ندري هل تتجاوب مؤسسة التعليم العالي والبحث العلمي الرسمية في العراق لهذا التيار والتوجه الاستراتيجي العالمي الكاسح وتطلق العنان لتطور الجامعات الرسمية والأهلية في تحقيق منطلقات استقلاليتها وحريتها المسؤولة و العناصر الأساسية نحو بناء منهجيتها العلمية والادارية والمالية.. ام انها تبقى جاثمة عليها في ضوابطها البيروقراطية الثقيلة وقيودها الصارمة؟
بغداد