إستطلاع : غياب النقد أم غواية النصوص ؟
متاح للمبدع أن يتجول في حدود المسؤولية الذاتية
محمد القذافي مسعود
ثمة (أزمة) للنقد في العالم العربي وليس غيابا والأزمة تنشأ من عدم مسايرة ومناغمة دقيقة وفاعلة لما يكتب .إن دخل المبدع في دائرة النّقد ، فهو بشكل أو بآخر يؤدي دوراً راقياً ومتفاعلاً ومسؤولاً في التلقّي المبدع . أحب أن يكتب مبدع عن نصي، أجد ذلك حميما ومريحا، لكن النقد أيضا وحتى الأكاديمي يمكنه أن يكون مبدعاً يلجأ المبدع بصفة عامة للكتابة عن إبداع الآخرين هل لسد الثغرة التي يتركها غياب النقد أم هي غواية النصوص ؟ سؤال اقترحناه من عمق الازمة وارتفاع الشكوى شكوى المبدعين من غياب النقد والنقاد ، سؤال نطرحه على عدد من الأدباء والكتاب العرب لا ثراء النقاش واستبيان وجهات النظر المتفق منها والمختلف .. وهنا شاركت معنا بعض الأسماء بالتالي :
عبدالحق ميفراني
شاعر وناقد من المغرب
القارئ “الممكن”- في أواليات التلقي
أفترض أن طبيعة التداول الثقافي اليوم، يتطلب قراءات موازية لا تقف عند حدود الإشكالات الصغرى. حضور النقد اليوم في المشهد الثقافي عموما أمسى يطرح الكثير من الأسئلة. فمن دينامية المنجز النصي الذي أمسى حضوره طاغيا، يجد الدرس النقدي نفسه منكبا على أسئلته الاستقرائية التي تخص النظرية والمفهوم. وإذا جاز لنا أن نتحدث عن إيقاعات الحقلين معا. أمكننا أن نلمس دينامية الإنتاج الإبداعي والفني اليوم بحكم تعدد الوسائط التي مكنت المنجز من أن يخلق لنفسه تداولا خصبا، وعندما أتحدث هنا عن الخصوبة لا أشير بالمطلق إلى توصيف بقدر ما نؤكد في هذا الباب على الحضور الدينامي للنصوص وللإنتاج الإبداعي عموما. في المقابل يجد الخطاب النقدي نفسه منكبا على إشكالاته واستشكالاته الخاصة ومن هنا يظل إيقاعه خاضعا وبالمطلق لهذا التأطير المنهجي. ثمة ضرورة للـتأكيد على أننا نروم من هذا التوجيه الحديث عن خطاب نقدي حقيقي وباني، ولا نشير إلى هذا الكم من المقالات التي تتراكم هنا أو هناك..مع هذا الوضع المركب نشأت هذه العلاقة، ويمكننا أن نجزم أنها تقوت،هي ليست جديدة على كل حال، بحكم حضورها التاريخي لكنها أمست اليوم إحدى أوجه تلقي النصوص. ولعلنا وجدنا أكثر من مرة عناوين من قبيل “قراءة عاشقة”، هذا التوصيف وغيره دفع بالبعض أن يجعل من هذه العلاقة الممكنة حضورا موازيا للحضور التقليدي لل” ناقد” المفكر والفاعل. ولا يمكننا في هذا الباب أن نجد أسباب لهذا اللجوء المجازي، لا من باب الغواية، ولا من باب غياب النقد. إذ أن المسألة كما أكدت في البداية أبعد من هذا التوصيف.
هدى حسين
شاعرة من مصر
ادرا ما أكتب شخصيا عن نصوص ما، لا يمكنني أن أفعل هذا إلا إذا اجتاحني هذا العمل وجرفني معه لهذا الحد. مع هذا فأنا لا أثق بكتابتي عن نص ما. لست متخصصة في ذلك. بالطبع أحب أن يكتب مبدع عن نصي، أجد ذلك حميما ومريحا، لكن النقد أيضا وحتى الأكاديمي يمكنه أن يكون مبدعاً وهنا تكون السعادة غامرة، لأن الكتابة عن نص تتحول إلى إبداع مستولد منه أكثر منه إلى مسألة شرح نصوص (شرح نصوص هي مادة كنا ندرسها في كلية الآداب) هل يعتبر هذا ردا وافيا يا أستاذ محمد .
الكيلاني عون
أديب من ليبيا
تبدو عبارة ( يلجأ ) ذات حمولة استفزازية ـ ليس بالنسبة لي طبعاً ولكن بالنسبة لمشروع الممارسة النقدية ـ وأيضاً يلوح السؤال دالاً عمّا يجري بالفعل ، وهذه طرافة انهمامية كما يبدو وذات علاقة بجغرافيا النعاس النقدي التخصّصي في مجمل ارتباكاته وعجزه ـ المرتبط بحالة وسيرورة المنجز الإبداعي أساساً ، والمفترض ـ ضمن حركيته وزخمه ـ إنتاج تجربة نقدية معاضدة له إذا جاز هذا التعبير التقليدي جداً ـ وهكذا تتموضع الإجابة كأفق ضحكٍ عارم ، لأن الحديث عن نقد يستدعي تراكم إبداعات مكوِّنة لذائقة نقدية / استنطاقية وليس توصيفية مرتبكة بأدوات تابوتية .
علينا مساءلة النشاط الإبداعي في صورته المتجلية والمرئية ، وهل كان قادراً على تحفيز الوظيفة النقدية بالفعل ، أم أنه ارتبط بمجموعات نصيّة لا تقول الحالة كنسق تاريخي رغم فيض معافاتها من الدرن الثقافي والمؤسساتي ( المؤسساتي كمفردة اشتراط رقابي وليست كمجال احتواء شرعي للتجاذبات المعرفية كنصوص وبالتالي كخامات بحاجة إلى خطاب نقدي باعتبارها تاريخ النبض المعاش والتعبيري عن محمولات الذات العامة أيضاً . ونتيجة لارتباكة الصيغ النقدية ـ إذا اعتبرنا ممارسة الشطرين الشهيرين : السلب / البناء نقداً ، وإذا اعتبرنا الفخاخ التوصيفية نقداً ، أو التهجّمات المنفعلة نقداً ، إذا تغاضينا وسمحنا للمصطلح النقدي التواجد بعدّة أمكنة فإنه علينا تجهيز قبر بحجم ما نكتبه ، وربما لهذا السبب يلجأ المبدع إلى الممارسة النقدية ، ربما لأن حصار الوهم النقدي كان منتصراً لغرابة أطواره وانتماءاته ، ولأن النقد العربي ـ في عمومه ـ يعاني من مسألتين قاهرتين له : الأولى : ركونه لمحاولة شرح النصوص الإبداعية ، أو نعتها بالمنغلقة حال عجزه ، أو أنه يستورد النمط الغربي في معالجات تبدو أحياناً لا علاقة لها بالمقروء . المبدع ، وهو يكتب حول إبداعات الآخرين ينطلق إما من مقدرة ملحوظة أو أنه يمارس غضبه الشخصي ضد لا وجود النقد أو الحالة النقدية . هذا هو الأمر ببساطة مطلقة .
جميل حمادة
شاعر وناقد من فلسطين
غواية النص وضرورة النقد
حقيقة أخي محمد..أهنئك على موضوعة هذا السؤال، لأنه غالبا لا ينتبه إليه كثيرون أثناء تناول سيرورة الإبداع في العادة.. وذلك يعود أيضا لغياب مسألة النقد.. حيث النقد يزيح الكثير من الغبار عن النص/ أو مجموعة النصوص، كما يفتح الباب واسعا أمام المجهول والغامض فيه.. وكذلك يعرف بالكاتب سواء على نحو مقصود أم غير متعمد..! وعلى أية حال أقول لك بأن الكتابة عن إبداع الآخرين واعزها الأساسي هو غواية النصوص.. وقدرتها على إثارة دهشتك.. والصراخ بصوت عال..! كأن تقول؛ يا إلهي .. هذا نص بديع.. هذه كتابة جميلة.. تستحق من أن يلتفت إليها..! هذه قصيدة تترجمني.. أو تقولني. إذن هي في الدرجة الأولى غواية النص، باعتباره قال ما لم تقله أنت، أو أنه لفت انتباهك إلى ما كنت غافلا عنه.. أو ما لم يتأت لك قوله.. لسبب أو لآخر.. يأتي في المقام الثاني سد ثغرة انعدام توفر النقد لمجمل النصوص الإبداعية.. وقصور الحركة النقدية عن متابعة الأجيال وكتابة الأجيال.. بل ومقارنتها مع ما سبقها في بقاع الوطن العربي والعالم.. مثلا ، أو في العصور الغابرة.. واكتشاف مواطن الإبداع والجمال والدهشة والمتعة فيها.. وما هي استهدافاتها غير ذلك. وهذه في اعتقادي مهمة الإبداع في الحياة.. أن لا يمر على مدرج الوقت مرورا عابرا.. وأن لا يتعامل مع مراحل الحياة بالبرود المصاغ حاليا.. بفعل ما.. وكأنه قصدي.. أو يراد منه تقزيم قيمة الإبداع الإنساني.. والتقليل من قيمته المعنوية والروحية في المقام الأول.. فلماذا يجللنا النص بالغواية.. بالدهشة ..؟! لأنه قال جديدا ومختلفا وطاغيا في تفرده..!؟ لماذا لابد من وجود النقد.. لأنه فعل ضروري لتقييم إبداع الأجيال وقيمة ما تعطيه.. أو ما يعطيه كل جيل لأمته.. وتاريخه.. وهنا تأتي ملاحظة مهمة تفرض نفسها.. تتلخص في أن كلا من الأمرين يقود إلى الآخر.. بمعنى أن غواية النص تقودك إلى إبداء إعجابك به، ودهشتك تجاهه.. وبالتالي إلى تناوله وتفنيده.. وطرح جوانب التفرد والاختلاف فيه.. مما يؤدي إلى ممارسة شكل من الكتابة النقدية التي سوف تتخطى بالضرورة مرحلة الإعجاب .. إلى مرحلة الطرح الموضوعي واكتشاف جوانب هذه الغواية وأسباب الانبهار..! والعكس صحيح.. حيث أن مسألة سد ثغرة النقد.. سوف تؤدي بك إلى الغوص في أعماق النص موضوع الدراسة.. وبالتالي اكتشاف ما كان غائبا عنك.. أو ما هو تحت سطح النص.. وبين سطوره.. وتظل هذه المسألة جديرة بالطرح والمكاشفة والتناول.. لأنها سوف تشي بما هو ضروري في سبيل الاقتراب من إبداع كل مرحلة.. وكل مبدع على حدة.. بل واكتشاف ما جرى من تطور واختلاف لدى كل جيل.. وما الذي أفاد منه الجيل اللاحق من الجيل الذي يسبقه.. مما يصنع نوعا من تواصل الأجيال ورأب الصدع بينها مهما بدا ذلك الأمر غير مهم في نظر البعض، ولا يمنح الأهمية اللازمة.. وهنــا تأتي مسألة تلاقح الثقافات .. والعلاقة بين الأجيال.. ومدى أهمية هذين العاملين.. في المسألة النقدية.. وهذه مسألة أخرى تحتاج وقفة أخرى.
د. سناء شعلان
كاتبة وناقدة من الاردن
النّقد البعيد عن الاعتباط والاعتساف والسّقوط الاختياري الإرادي دون امتلاك أدوات النّقد النّاضج البناء ، هو مستوى من مستويات الإبداع، فكما أنّ إنتاج النّص الإبداعي هو منزلة عليا من الإبداع ،فأنّ النّقــــــــــد هو مستوى آخر ورفيع من الإبداع الذي يمثّل مستوى من مستويات التلـــــــقّي، وكثيراً ما نعجب عندما نجد النّقد حالة إبداعية وإدراكية وفكرية أرقى وأجمل وانضج وأوسع رؤية من النّص الإبداعي نفسه، وهذا يؤكّد على أنّ النّقد هو حالة موازية للإبداع، وقادرة على تجاوزه أحياناً، وليس حالة هامشيّة وأقل تأثيراً وقيمة إلاّ عندما يكون النّقد تعبيراً عن رؤية عاجزة، وأدوات خاملة، وموهبة ضئيلة أو عاجزة أو مزعومة، لا غير.
وإن دخل المبدع في دائرة النّقد،فهو بشكل أو بآخر يؤدي دوراً راقياً ومتفاعلاً ومسؤولاً في التلقّي المبدع الذي يتجاوز التلقّي السلبي أو الساكن،لاسيما أنّ المبدع الناقد أو الناقد المبدع هو أقرب النّاس المتلقيين إلى فهم النّص ، وفك شيفرات إبداعه؛لأنّه يملك بحكم الموهبة الفطرية التي تكون معّــــــــززة في كثير من الأحيان بالدّراسة والخبرة والتخصّص ،أدوات الإنتاج والتحليل والتركيب والأنساق والأسلوبيات للمنجز الإبداعي، ولذلك فهو الأقرب إليه، والملامس لجوانياته، والقادر عن نقله من حقيقية لغوية نصّية مغلقة على شكل نصّ منجز إلى حقيقة لغوية مفتوحة على الدّراسة والتأويل والإحالات والتحليل بعد التّركيب، دون الإحالة إلى المبدع أو الاستعانة بأدواته، بل عبر الاســــــتعانة بأدوات المبدع النّاقد.
فاطمة بوهراكة
شاعرة من المغرب
تميل نفسية المبدع الحقيقي إلى البحث الدائم عن كشـــــف أسرار النص المكتوب أو المصور أو المسموع أو المرئي على حد سواء , ويرجع ذلك حسب نظري إلى هذه النفسية الخاصة بغيابه والمتمثلة في روح الكشف والبحث , هذا الأمر سيــــــــنعكس بشكل إيجابي على سد الثغرات المتواجدة في المكتبة العربية نقدا وإبداعا .
أم العز الفارسي
كاتبة من ليبيا
الاثنان معا، ولا نستطيع أن نمنع اى كان من التعبير عن رؤاه الخاصة تجاه نص امتلكه عندما اطلع عليه واحتواه في ذاكرته وأمعن العقل فيه، ومن لا يستهوي النقد عليه أن يحتفظ بنصه في عقله.
محمد الأمجد
كاتب وباحث من العراق
صحيح أن ثمة (أزمة) للنقد في العالم العربي وليس غيابا والأزمة تنشأ من عدم مسايرة ومناغمة دقيقة وفاعلة لما يكتب من تطبيقات نصوصية للأجناس الأدبية ووراء هذه الأزمة أسباب عديدة لسنا بصدد استعراضها..لكن الكتابة عن الآخرين ليس هذا سببه بل هو قراءة للحظة الإبداعية لدى الآخر المبدع وصولا إلى الإمساك بجوهر الفكرة والفن لديه ولا يحســــــن بالكاتب ان يلاحقها في ذاته الإبــــداعية إذ ستكون حيــــنئذ دورانا في حلقة مفرغة ورؤية مرآتيـــــــــة غير منتجــة..
أم الخير الباروني
شاعرة من ليبيا
لا أدري، أرجّح أن تكون غواية النص، وإلا تصبح الكارثة في أننا نستمع ونقرأ ومن ثم ننتقد بعضنا البعض، حتماً سنضيع وينتهي الوجود بهذا (بمعنى عندما تكون كتابة المبدع لغياب النقد).
د . محمد جاسم فلحي
كاتب وأستاذ جامعي من العراق
– ليست هناك مناطق محظورة على المبدع الحقيقي، والكتابة الإبداعية، سواء كانت شعراً أم نثراً، أم نــقداً، تنتمي لأصل واحد، ويستطيع الكاتب المبدع التجوال في حديقة الإبداع ضمن حدود المسؤولية التي يتحملها، باعتباره رائداً ومعلماً، ولا أجد ضيراً من أن يكتب الشاعر نقدأ لقصيدة شاعر آخر، أو قصة كاتب آخر، وهذا التفاعل الإبداعي يمنح الحيوية للوسط الثقافي، والتجربة الإبداعية هي تجربة مشتركة في بعض جوانبها، مثلما هي تجربة فردية، وما زلت أتذكر مقهى شهيرة في شارع الرشيد وسط بغداد، تسمى مقهى حسن عجمي، كانت منتدى حقيقي مفتوح لجميع الأجيال من الأدباء العراقيين، وكانت حواراتهم ومناظراتهم وانتقاداتهم لبعضهم، وحتى سخريتهم ونكاتهم وممازحاتهم تمثل مادة حية للإبداع المتجدد. أقول عندما يكتب مبدع عن مبدع آخر فهذا نوع من التواصل المفيد لكليهما، وللقاريء أيضاً الذي يتشوق لمعرفة أسرار لعبة الكتابة من صانعيها أنفسهم!
ليلى إلهان
شاعرة من اليمن
أولا لغياب النقد يلجأ المبدع في وضع عين لإضاءة نقدية على الشعــــــــراء زملائه .
لأننا في اليمن نفتقد لكتاب النقد في أعمال الأدباء منا. وللأسف الشاعر هنا لا يستطيع معرفة السلبيات أو الإيجابيات في كتاباته الشعرية .
وأحيانا تكون هي النصوص الملاذ الوحيد للمبدع لتنفتح شهيته نحو نص معين . كي يبدأ الإشارة إليه .